حسن الجنابي لـ"العربي الجديد": ندرة المياه في العراق مؤلمة وسدودنا شبه فارغة

01 اغسطس 2018
حسن الجنابي (العربي الجديد)
+ الخط -
خلال العامين الماضيين شهد نهرا دجلة والفرات، أكبر موجة جفاف طاولتهما منذ عقود. وأشارت منظمات وجمعيات مختصة بالمياه في البلاد، إلى أن النهرين لم يعودا يلتقيان في جنوب البلاد عن آخر نقطة لهما، في مدينة القرنة بالبصرة، الأمر الذي أدى إلى تراكم الأزمات بالقطاع الزراعي الذي كان أكبر المتضررين من هذه الأزمة. وما فاقم من الأزمة بدء الدول المجاورة في إقامة سدود ساهمت في شح المياه وسط مفاوضات مستمرة لم تؤتِ أكلها حتى الآن.
وعلى خلفية تقديم رئيس الحكومة العراقي حيدر العبادي ورقة إصلاحية شملت تبديل وزارات وإلغاء مناصب نوابه والإسراع بمحاسبة الفاسدين، عقب اشتداد التظاهرات في العراق عام 2015، اختار البرلمان العراقي، في إبريل/ نيسان 2016، حسن الجنابي وزيراً للموارد المائية في البلاد حيث واجه عقبات عديدة في هذا القطاع، ما دفعه إلى التحرك داخلياً وخارجياً للحد من تداعيات أزمة شح المياه.

وبحسب اختصاصه المرتبط بالأغذية والموارد المائية، يعد الجنابي أول وزير عراقي بهذه الصلاحيات يتسلم وزارة المياه عقب 2003. وكان قد شغل سابقاً مناصب عديدة منها سفير العراق لدى اليابان، ووكالات الأمم المتحدة التي تتخذ من روما مقراً لها مثل منظمة الأغذية والزراعة وبرنامج الأغذية العالمي والصندوق الدولي للتنمية الزراعية.
وأكد وزير الموارد المائية العراقي حسن الجنابي في حوار لـ"العربي الجديد"، أن ما يحدث في العراق شح للمياه وليس جفافاً بسبب السدود التي أقامتها إيران وتركيا، كاشفاً عن مفاوضات ستجري قريباً مع ممثلي هاتين الدولتين.

وقال إن "العراق لم يعد بحالة الاسترخاء المائي السابقة، ولا يزال العراقيون يهدرون المياه، ولا يدركون أهمية هذه النعمة".
وأكد الجنابي أن بلاده اضطرت إلى تقييد الزراعة واتخاذ العديد من الإجراءات من أجل معالجة مشكلة شح المياه...
وفي ما يلي نص الحوار الذي أجرته "العربي الجديد" مع الوزير العراقي.

- عن خطر الجفاف في العراق، وتحوله إلى أمر واقع، لدرجة خروج العراقيين بتظاهرات احتجاجاً على شح المياه... إلى أي مدى وصلت هذه الأزمة من وجهة نظركم؟
حتى الآن، ما يحدث في العراق من مشكلة مائية، ليس جفافاً بقدر ما هو شحّ أو ندرة في المياه. الجفاف هو انعدام كل موارد المياه، ولا يزال في العراق قدر جيد من الماء. هذه الندرة لها أسباب طبيعية لكنها تفاقمت بسبب وجود شبكة هائلة من السدود والخزانات على حوضي دجلة والفرات وروافدهما في دول الجوار، وتحديداً إيران وتركيا. ونحن لدينا أيضاً شبكات داخلية للسيطرة على المياه، وغالبيتها أنجزت قبل أن تبدأ دول الجوار بإنشاء سدودها، فالندرة الحالية مؤلمة، وسدودنا شبه فارغة.

- في أي النهرين تعد المشكلة أكبر، وما هي خططكم لعبور الأزمة؟
معدل إيرادات نهر الفرات انخفض لأكثر من 55%، عمّا كان عليه قبل 20 عاماً، فالعراق خسر نحو 16 مليار متر مكعب سنوياً من مياه النهر. المشكلة في الفرات أكبر من دجلة، لأن مياهه برمتها تأتي من خارج الحدود، أما دجلة فله إيرادات كثيرة تنبع داخل الأراضي العراقية، وهذا ما لا يعرفه المحتجون على شحّ المياه في دجلة.
والمشكلة في دجلة أن سد أليسو التركي الذي أُنجز بناؤه أخيراً، سيُسبب مشكلة كبيرة خلال فترة ملئه، ومشكلة أخرى خلال فترة تشغيله.

وما هي الإجراءات التي اتخذتها الحكومة للتعامل مع هذه المشكلة داخليا؟
عملنا خلال الفترة الماضية على تقنين الاستهلاك المائي بدرجة كبيرة، وللأسف اضطررنا إلى تقييد الزراعة، ولدينا برامج لمساعدة الفلاحين المتضررين من هذه الإجراءات، مثل إنتاج محاصيل ذات أرباح أكثر، واللجوء إلى استخدام التقنيات الحديثة بدلاً من الري بالغمر المعتمد في الأراضي الزراعية، وتعزيز شروط بقاء سكان الريف في مناطقهم وخلق فرص عمل لسكان القرى، والتركيز على التنمية الريفية.

- إلى ماذا توصلتم في الحوار مع تركيا بشأن سد "أليسو"، وماذا عن آخر تطورات المفاوضات مع إيران عقب تغييرها مسار الأنهر الوافدة إلى العراق؟
أليسو مكتمل البناء وكان من المفترض أن تبدأ مرحلة ملء هذا السد في بداية شهر يونيو/ حزيران الماضي، ولكن تم تأجيله وحتى الآن لم يبدأ الملء. والعراق سيتضرر كثيراً من تشغيل سد أليسو ونحن نطمح إلى مشاركة وتفاعل مع تركيا لتقليل الأضرار على العراق، ولدينا لقاء قريب للاتفاق على طرق ملء السد.
أما الحوار مع إيران فمستواه أقل من تركيا ولم يحصل أي لقاء بيني وبين الوزير الإيراني المختص هنا في العراق. إيران لها تأثير في أنهار مهمة جنوب العراق، مثل نهر الكرخة الذي يصب في هور الحويزة ثم إلى شط العرب، وقد جفّ بالكامل، بالإضافة إلى نهر الكارون وهو مقطوع بالكامل. وأنشأت إيران عدداً من السدود في أعالي نهر ديالى، وما فعلته إيران بتغييرها مسار الأنهر غير قانوني، ولا يمكنها أن تنفرد بهذا الفعل بحسب القوانين الدولية.


- ما مدى اعتماد العراق على المياه الجوفية؟ وهل يمكنها التعويض عبر زيادة استخدامها؟
نسعى إلى استغلال المياه الجوفية منذ فترات طويلة، وتوجد هيئة مختصة داخل الوزارة معنية بمنح الرخص لحفر الآبار ذات النفع العام، ولدينا 90 ألف بئر محفورة بواسطة الهيئة، ونسعى دائما إلى تشجيع القطاع الخاص على الحفر شرط ألا يكون عشوائياً. وتغطي المياه الجوفية جزءاً لا بأس به من احتياجات الناس خلال أوقات الشحّ، وتستطيع أيضاً تأمين مياه الشرب للحيوانات، وللري وتؤمن سقي بساتين كبيرة، أما مياه الشرب فليس هناك خطر عليها، فنحن قادرون على تقديم هذه الخدمة.

- سمعنا في أكثر من تصريح لمسؤولين أتراك، أن إدارة المياه التركية تفكر بمقايضة العراق بـ(النفط مقابل الماء)، هل تعتقدون أن هذه الفكرة قد تصبح واقعية مع اشتداد الأزمة؟
كان الحديث التركي يجري بهذا النمط وهناك تصريحات سابقة لمسؤولين حول هذا الموضوع، ولكن منذ عام 2000، تبدلت اللغة الرسمية التركية تجاه العراق، ومضت باتجاه التعاون، وما زلنا نعمل كطرفين متعاونين. أنا مع استمرار الحوار مع تركيا في هذا الشأن، وحتى الآن لم نتفق على حصة العراق من المياه بعد تشغيل سد أليسو، وأطمح إلى أن يكون هناك لقاء قريب في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، لكي نتوصل إلى اتفاق مرضٍ للطرفين.

- لماذا لم تنشئ الحكومة العراقية سدوداً إضافية في مناطق جنوب البلاد لتخزين المياه، ومنع تسربها إلى الخليج العربي بحسب بعض الخبراء في القطاع؟
لا يمكن بناء السدود في مناطق الجنوب، لأنها بحاجة إلى مناطق مرتفعة ليتم تخزين المياه من خلالها، لكننا نملك سدودا ونواظم توزع المياه فقط، ولا تخزن، وبالتالي فإن المطالبة بإنشاء سدود لتخزين المياه في الجنوب مطلب غير منطقي. سدودنا الحالية فيها فراغ خزني كبير، ولو كان لدى العراق أموال لبناء السدود فأنا أُفضل تخصيصها للعمل على خطط لتغيير واقع استخدام المياه في الزراعة، وتبطين قنوات الري، وتحقيق مشاريع خدمية تقدم الجديد للناس.
أرى أن لدى المطالبين ببناء سدود في جنوب العراق عدم إدراك لطبيعة الموارد المائية. حاولنا خلال العامين الماضيين رفع مستوى الوعي بقضية المياه لدى العراقيين إلى درجة كبيرة، ونعمل حالياً على أن نضع الناس كجزء من الحل وليس جزءا من المشكلة.

- إذا انتقلنا إلى قضية أخرى مهمة... ماذا لو حددت الحكومة العراقية "النسل" في البلاد، هل تعتقد أن هذا الأمر سيساهم في الحفاظ على الثروات الطبيعية ومنها الزارعة؟
يقترب عدد العراقيين من 40 مليون نسمة، والبلاد بإمكانها أن تصل إلى 70 مليون نسمة، وتبقى محافظة على رفاهية جيدة، شرط العمل وفق إدارة صالحة للثروات الطبيعية وتوزيعها بصورة عادلة، وتحقيق تنمية شاملة، ووضع آلية تغيير جذري لحوكمة المياه والثروات الأخرى، فضلاً عن سعي المجتمع إلى تنظيم نفسه بنفسه، وأن يكون قوياً وليس مجتمعاً يتكئ على عطايا الحكومة فقط.
- كيف تقيّم عمل الوزارة قبلك، في مرحلة المحاصصة الحزبية والطائفية؟ وهل تعتقد أن الوزارة ستعود مرة أخرى إلى السياق السابق خلال تشكيل الحكومة العراقية الجديدة؟
هذا الموضوع سياسي، ربما الآخرون يجيبون عنه. ولكن أنا أعتقد أن على الوزير الجديد البناء على ما تم إنجازه حتى الآن. وأن تكون قيادته للوزارة بصورة جماعية، وعدم اتخاذ القرارات بتفرد، وإشراك النساء المختصات في هذا الجانب، والاستمرار بإتاحة كل المعلومات إلى الناس والمجتمع.
ويجب تمويل استراتيجية الوزارة المنجزة منذ عام 2015، المعنية بقيادة البلاد إلى عام 2035، لأنه في العامين الماضيين كانت هذه الاستراتيجية "صفرا" وهي بحاجة إلى مبالغ طائلة لإنجاز المشاريع الخدمية المهمة.


المساهمون