4 عوامل تهدد بقاء الرخاء والتماسك الأميركي

26 اغسطس 2016
الصراعات العنصرية في أميركا تضعف النسيج الاجتماعي (Getty)
+ الخط -
ربما يكون مرشح الرئاسة الأميركية الجمهوري، دونالد ترامب، قدر رمى أحجاراً في بركة "الماء الآسن" التي كانت تُغطى بطبقة سميكة من البهرجة المالية الإعلامية في أميركا، فتحركت الصراعات العرقية والتباين الطبقي لتخلق الفوضى والاقتتال الفردي الذي حدث أخيراً في البلاد، والذي يذكّر في جزء كبير منه بمعركة "تحرير الزنوج" في بدايات هذا القرن.
لكن في الواقع، فإن الولايات المتحدة وأوروبا الغربية تواجه أزمة حقيقية من ناحية البقاء كدولة رفاه ورخاء اقتصادي وتماسك اجتماعي خلال العقود المقبلة.
وحسب كثير من الدراسات التي صدرت أخيراً، فإن الصراع العرقي والتباين الاقتصادي والثقافي والضغوط الاجتماعية، باتت تهدد هذه المجتمعات، وربما تتسبب في تفتتها خلال العقود المقبلة.
وحتى الآن كتبت العديد من البحوث والمقالات حول سقوط وتفتت الدول الفقيرة، لكن لم يكتب سوى القليل عن سقوط الدول والإمبراطوريات الكبرى.
وتركزت الدراسات على التنافس الجاري بين الصين وأميركا أو التنافس الاقتصادي بين الغرب وآسيا، على أساس أن هذا القرن هو القرن الآسيوي، كما كان القرن الماضي "القرن الأميركي"، والقرن التاسع عشر "القرن البريطاني".
لكن يبدو أن التغيّر الذي يجتاح الدول الثرية، أعمق وأكبر بكثير عن هذا التنافس الجاري بين آسيا وأميركا وتوابعها.
ويمكن في هذا الصدد النظر إلى أربعة عوامل تهدد المجتمعات أو الدول الغنية، وعلى رأسها الولايات المتحدة وأوروبا واليابان.
وهذه العوامل هي:
أولاً: تناقص أعداد الأطفال وتزايد نسبة كبار السن في كل من أميركا واليابان وأوروبا. ويلاحظ في هذا الصدد أن تزايد الرخاء الاقتصادي والثراء المالي، يدفع سكان الدول الغنية تدريجياً للتخلي عن العلاقات الزوجية التقليدية التي تؤدي إلى بناء الأسر وإنجاب الأطفال وتبني نوعية العلاقات العاطفية العابرة التي تلبي رغباتهم الغريزية.
وببساطة، يحدث ذلك لأن علاقات الزواج التقليدية تعني لهم بناء أسرة وتربية أطفال والتزامات مادية طويلة الأجل. وهو ما يعني لسكان هذه الدول، أعباءً مالية ستحرمهم من الاستمتاع بحياتهم وسط غلاء الحياة المعيشية وتضاؤل الامتيازات المادية التي تمنحها الدول الغنية من إعانات لدعم بناء الأسرة وتحفيز إنجاب الأطفال.
ولهذه الأسباب، تشير الإحصائيات الصادرة حديثاً إلى ارتفاع نسبة كبار السن فوق 60 عاماً، في كل من أميركا وأوروبا واليابان وتناقص الشباب وعدد الأطفال، وهو ما يعني تدريجياً تناقص القوى العاملة.

وأدى هذا الوضع إلى تزايد الأعباء المالية على حكومات هذه الدول التي باتت تعاني من مشاكل وأزمات مالية.
ولتغطية النقص في الشباب أو القوة العاملة، لجأت هذه الدول في العقود الأخيرة إلى تبني سياسات هجرة مرنة لاستقبال الشباب من دول العالم الثالث أو الدول الفقيرة، حتى تتمكن من زيادة القوى العاملة، وبالتالي زيادة حجم الضرائب التي تحصل عليها الدولة من القوى العاملة.
لكن في المقابل، فإن سياسات الهجرة لها تداعيات سالبة على هذه المجتمعات، التي ترغب في ضرب هدفين بحجر واحد، ألا وهما الحفاظ على أهداف تحقيق الرخاء الاقتصادي في الوقت ذاته الذي تتمكن فيه من الحفاظ على الهوية العرقية والثقافية. ولكن هذين الهدفين لا يلتقيان في ظل تناقص المواليد الجدد وحاجة النمو الاقتصادي إلى التوسع.
وكانت النتيجة، التضحية بالهوية العرقية والثقافية لصالح الرخاء الاقتصادي. وهو ما انتهى في العديد من الأحيان إلى تمزق اجتماعي وصراعات داخل مجتمعات بعض الدول الغنية، كما هو جارٍ حالياً في أميركا وأوروبا.
ثانياً: تزايد حجم الديون العامة في الدول الغنية، حيث ارتفع حجم الدين العام في أميركا إلى أكثر من 19 ترليون دولار، وفي اليابان إلى أكثر من 11 ترليون دولار. وفي منطقة اليورو، ارتفع حجم الدين العام إلى فوق 10 ترليونات دولار.
وكان الثراء في القرن الماضي مرتبطا إلى درجة كبيرة بقلة الديون. ولكن في الآونة الأخيرة أصبحت الديون أكبر صانع للثروة في العالم، وكلما زاد ثراء الدولة ارتفع حجم ديونها. وهذا يعود في جزء كبير منه إلى سياسات تراكم العجز وتوسع أسواق المال في صناعة أدوات الدين.
ثالثاً: تزايد نسبة البطالة واعتماد الشباب على الإعانات التي توفرها دولة الرفاه الاجتماعي. ومثالاً على ذلك في أميركا، ارتفعت نسبة الإعانات التي تعطى لذوي العاهات أو الإعاقة بين أعوام 2000 و2013 بنسبة 43%، كما أن البطالة ارتفعت في منطقة اليورو فوق 10% خلال العام الجاري.
وهذه نسبة كبيرة من القوى العاملة العاطلة التي لا تنتج ولكنها تأخذ مرتبات شهرية وإعانات سكن، وبالتالي تساهم بدرجة كبيرة في تراكم عجز ميزانيات الدول الثرية وإضعاف قوتها التنافسية. ومثالاً على ذلك، وفي ولاية ويست فيرجينيا الأميركية بلغت نسبة البطالة بين الشباب نسبة 50%.
رابعاً: التباين الطبقي الصارخ، حيث تتزايد في هذه الدول ثروات الأثرياء وتتزايد أيضاً معدلات فقر الفقراء. وأصبحت في أميركا نسبة ضئيلة من المجتمع تملك الثروات. ومعظم الأثرياء في العالم هم من أميركا وأوروبا واليابان وبعض الاقتصادات الآسيوية الصاعدة.
وحسب تقرير منظمة "أوكسفام" الأخير، فإن نصف ثروات العالم بيد 1% من سكان العالم. وهذه الفجوة الكبيرة في الدول الغربية مع وجود الفقر المدقع تعمق فجوة الصراع الطبقي والحقد الاجتماعي.

المساهمون