3 أسباب تحرم أوبك من تنظيم سوق النفط

12 يونيو 2016
مصفاة نفط في نيجيريا (Getty)
+ الخط -
يبدو أن التحسن الحادث في أسعار النفط بالسوق الدولية خلال الشهرين الماضيين، جعل بعضهم يظن أن لمنظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك" دوراً في ذلك، غير أن ثمة مؤشرات تؤكد أن سوق النفط يتحرك بمعادلة يمكن تسميتها "الطرف الواحد"، وهو طرف المشترين، وبخاصة في ظل حالة الانقسام التي تعيشها "أوبك" منذ عقود.

ويقول مراقبون إن رهانات وزراء النفط الخليجيين إبان انهيار أسعار النفط بنهاية 2014، سقطت نتيجة فشلها، فقد كانت توقعاتهم بأن النصف الثاني من عام 2015، هو البداية لتصحيح الأسعار، في المقابل تبدو توقعات تقارير منظمة "أوبك" هي الأقرب إلى الواقع، حيث أشارت تلك التقارير إلى استمرار أزمة انهيار أسعار النفط في المتوسط لخمس سنوات قادمة، تنتهي في 2020.
وتُحيل تقارير دولية، ما حدث من تحسن في أسعار النفط بالسوق الدولية لتلامس سقف 50 دولاراً للبرميل، إلى تحسن ظروف الطلب من جهة، وكذلك بعض العوامل السياسية، التي أدت لانخفاض الإنتاج في بعض الدول المؤثرة في السوق الدولية، مثل الاضطرابات التي تشهدها نيجيريا في مواقع إنتاج النفط، أو استمرار تراجع إنتاج النفط في ليبيا، أو التوجه لزيادة الإنتاج بالولايات المتحدة الأميركية.

ومما ساهم في تحسن السوق، مصالح الشركات المنتجة للنفط، والتي تضررت بفعل أزمة تهاوي الأسعار، حيث تمتلك هذه الشركات نفوذا واسعا يؤهلها لأن تكون محركا جيدا للسوق.
ورغم أن "أوبك" تنتج ما يصل إلى نسبة 30% من النفط والغاز على مستوى العالم، إلا أن ذلك لم يشفع لها في تكوين ما يمكن أن يُسمى "جبهة مصالح المنتجين"، أو قدرتها على امتلاك ورقة ضغط على سوق النفط، وبخاصة في ظل تدهور الأوضاع السياسية والاقتصادية لدول المنظمة خلال العقدين الماضيين، بل ومنذ منتصف عام 2014 على وجه التحديد.

ولم تستطع "أوبك" أن تفعّل دورها في مواجهة أزمة انهيار النفط منذ منتصف عام 2014، على الرغم مما ألمّ بها من أضرار اقتصادية، تمثلت في تراجع النواتج المحلية، وتعرض موازناتها للعجز، بل ولجوء بعض دولها للاقتراض الخارجي، وكذلك انهيار الاحتياطيات من النقد الأجنبي، والتي شهدت طفرات من الزيادة من عام 2003 – 2014.

انفلات الأمور

على هامش اجتماعات "أوبك" التي عقدت مؤخرًا في فيينا، وتم خلالها اختيار أمين عام جديد لها، وهو النيجيري "محمد سنوسي"، صرح وزير النفط السعودي خالد الفالح بأن على أعضاء أوبك أن يبحثوا عن طرق جديدة، لكيفية جعل المنظمة أكثر فاعلية في لعب دور المنظم الرئيس للسوق.
وغير المراقب لسياسية "أوبك" يدرك أن المنظمة تعكس من خلال سلوك أعضائها ما يجعل فكرة "المنظم للسوق" مجرد وهم، فضلا عن اتساع رقعة المنتجين الكبار لتضم آخرين خارج إطار "أوبك"، أولئك منتجين فشلت المنظمة في أول اختبار لها بالتعاون معهم.

وانتهى اجتماع الدوحة الشهر الماضي من دون أن تتفق "أوبك" ومجموعة من الدول النفطية من خارجها، على رأسها روسيا، بشأن تجميد سقف الإنتاج، من أجل الحفاظ على أسعار النفط، ومحاولة التأثير في السوق العالمي للحصول على أسعار أفضل، لانتشال الدول النفطية بشكل عام من ورطتها الاقتصادية بعد انهيار الأسعار.
وبحسب مراقبين، فإن هناك مجموعة من العوامل تدلل على صعوبة أن تكون "أوبك" منظماً رئيساً لسوق النفط، من بينها:
أولاً: الخلاف السعودي الإيراني
كانت اجتماعات الدوحة قاب قوسين أو أدنى من تحقيق حالة نجاح بشأن تجميد سقف الإنتاج على ما كان عليه في يناير/كانون الثاني 2015، إلا أن إيران رفضت هذا المبدأ، نظرا لأن سقف يناير 2015، كان يتضمن حصتها الإنتاجية في ظل فرض عقوبات اقتصادية عليها من قبل أميركا وأوروبا، وبالتالي فهي غير ملزمة بهذا المطلب، لأنه ينتقص من حصتها العادلة في الإنتاج، من وجهة نظرها.
وكان من الممكن أن تتجاوز السعودية عن هذا الاستثناء الإيراني، ولكنها رفضت أن يمرر قرار تجميد الإنتاج في ظل استثناء إيراني، على الرغم من أن خروج القرار من قبل "أوبك" ودول منتجة أخرى من خارجها، كان سيؤدي إلى إحياء دور المنظمة، وإحداث تأثير فعال في سوق النفط، حتى لو تم خرقه من قبل بعض الدول النفطية.
ويبدو أن إيران صعّبت مهمة التوصل إلى اتفاق عندما أعلنت موقفها حتى قبل انعقاد المؤتمر، فقد أكدت أنها لن تلزم بما يسفر عنه، ما عدّه مراقبون استفزازا لا يُنبئ بخير.

ثانياً: غياب التنسيق
لم تكن النتائج المخيبة للآمال من مؤتمر الدوحة نهاية المطاف، للدول التي تعاني من انهيار أسعار النفط، ففي اجتماعات فيينا التي انتهت منذ أيام، جاءت فنزويلا والجزائر، بأمل أن يُعاد النظر في قرار تجميد الإنتاج للدول أعضاء "أوبك"، وهذا الأمل ليس من قبيل الترف، ولكنه تحت وطأة مشكلات اقتصادية حادة في البلدين.

وتكاد أزمة فنزويلا الاقتصادية الناتجة عن انهيار أسعار النفط، أن تفضي إلى مشكلة سياسية كبيرة تعصف بالحكومة هناك، فضلًا عن تأثيراتها على الإنتاج وعجز الحكومة عن الوفاء بالتزاماتها المادية من دفع الرواتب أو مستحقات عملائها من القطاع الخاص.


أما الجزائر فقد أعلنت عن انهيار كبير باحتياطاتها من النقد الأجنبي، لتصل إلى 106.9 مليارات دولار نهاية 2015، بعد أن كانت 194 مليار دولار في نهاية 2013، أي أن أزمة انهيار أسعار النفط أدت إلى خسارة الجزائر 87 مليار دولار في عامين، والوضع مرشح لمزيد من الخسائر في ظل استمرار الأسعار المتدنية للنفط في السوق العالمي.

وفي الوقت الذي تتضرر فيها الجزائر وفنزويلا وغيرهما من الدول النفطية بمنظمة "أوبك"، لا تزال دول الخليج، وعلى رأسها السعودية، تتبنى سياسة عدم فرض أية قيود على حركة الإنتاج، وأن السوق تحكمه آليات العرض والطلب، في حين أن الأزمة النفطية ما زالت تؤثر بعمق في الاقتصاديات الخليجية.

ثالثا: الظروف الدولية غير المناسبة
بعد أزمة النفط العالمية في عام 1973، واستخدام الدول العربية ورقة النفط للضغط في المحيط السياسي في ظل الصراع العربي الإسرائيلي، تبنت أميركا والغرب دور تفريغ "أوبك" من مضمونها، والسعي للسيطرة على منابع النفط، بشكل مباشر أو غير مباشر.
ورغم تجاوز هذه المسألة أهميتها، فإن النفط لا يزال يمثل عصب الاقتصاد العالمي، ما يعني أن القوى العالمية لن تسمح للدول النفطية إلا بدور محدود، يتواءم وطبيعة النفط كسلعة أولية، وأن عوائده ستكون في هذا الإطار.

وبلا شك، فإن مصالح الدول الصاعدة كالصين والهند والبرازيل، سوف تدفعها للتعاون مع أميركا وأوروبا في هذا المضمار، وهو ما يجعل تحقيق هدف أن يكون لـ "أوبك" دور كبير في تنظيم السوق صعب المنال، إذ لا تسمح به حالة الصراع الداخلي للمنظمة وتعارض مصالح أعضائها، وكذلك الظرف الدولي الذي يضع النفط في إطار محدود في العملية الاقتصادية برمتها.
وتوقع وزير الطاقة والصناعة والثروة المعدنية السعودي، خالد الفالح مؤخرا، أن تصل أسعار النفط إلى مستوى 60 دولارا بنهاية 2016.
وبخصوص اجتماع أوبك الأخير قال الفالح، إن الأمر الصحيح الآن هو أن تراقب أوبك السوق للسماح باستمرار الاتجاه الذي يسلكه وتحقيق التوازن بين العرض والطلب.


المساهمون