معركة الفلوجة تحاصر الاقتصاد العراقي

26 مايو 2016
ركود في أسواق العراق (Getty)
+ الخط -
زادت معركة الفلوجة (55 كم غرب العاصمة بغداد)، من تهاوي الأسواق العراقية وإرباك القطاعات الاقتصادية، ولم يتوقف الضرر المباشر على أسواق المدينة المحاصرة التي تعاني من كارثة إنسانية مروعة وشلل في جميع القطاعات التجارية والخدمية، بل امتد ليطاول مختلف الأسواق بجميع المحافظات العراقية.
وفي هذا السياق، يوضح رجل الأعمال العراقي والمحلل الاقتصادي محمد الأعضب، لـ"العربي الجديد" أن المعركة وأجواء الحرب القريبة من بغداد وتسبب المليشيات برفع الهاجس الطائفي في الفلوجة زاد من مشاكل السوق وخوف العراقيين من فتنة تعصف بالبلاد، ما انعكس سلباً على القطاعات الاقتصادية.
وأكد الأعضب أن حالة الفوضى الأمنية وحالة عدم الاستقرار في العاصمة وباقي المحافظات جعلت نشاط السوق يقتصر على ما يتم استهلاكه يوميا كالطعام والشراب، وفي حالات قليلة الملابس، مشيراً إلى أن الأعراس ومظاهر الرفاهية تلاشت مقابل مآتم القتلى الذين يسقطون يومياً. وجاءت معارك الفلوجة مع الأزمة السياسية التي تعصف بالبلاد على خلفية اقتحام المنطقة الخضراء مرتين خلال أقل من شهر لتفاقم من أزمات العراقيين المعيشية.
وتأثرت حركة السوق العراقية بشكل واضح من خلال انكماش في عمليات البيع والشراء للسلع والمواد الكهربائية والمنزلية والأثاث فضلا عن السيارات والحلي الذهبية ومواد يصنفها العراقيون ضمن خانة سلع الترفيه أو السلع الكمالية، في حين حافظ قطاع المواد الاستهلاكية اليومية على وضعه السابق.

تراجع للدينار

وشهد الدينار تراجعاً جديداً مقابل الدولار بعد بيعه بالسوق السوداء بسعر 128 دينارا مقابل الدولار الواحد على الرغم من ضخ البنك المركزي أكثر من 800 مليون دولار في أقل من أسبوع وبالسعر الرسمي البالغ 121 دينارا للدولار، بهدف الحفاظ على القيمة الحالية إلا أن هلع المواطنين في الإقبال على استبدال العملة العراقية بالدولار خشية تدهور الأوضاع السياسية والأمنية أبقى الطلب على الدولار مرتفعاً.

ووصف اقتصاديون عراقيون السوق بأنها تمر بمرحلة "الموت السريري" نتيجة التداعيات السياسية والأمنية والاقتصادية، ما يلقي بالتأثير السلبي المباشر على المواطنين العراقيين والعمال والفقراء بشكل خاص.
وقال الخبير الاقتصادي، ماجد السوداني، لـ"العربي الجديد"، إن "السوق العراقية تمر بمرحلة انكماش واضحة بسبب انخفاض أسعار النفط عالمياً والذي أثر جداً على الاقتصاد العراقي بشكل عام وقد يستمر هذا الانكماش إلى شهور عديدة قادمة".
وأضاف السوداني لـ"العربي الجديد"، أن "تأثير تهاوي السوق العراقي قد يكون متوسط الأمد إذا تمت معالجته بإجراءات حكومية عاجلة وفق خطط مدروسة في وقت تحولت فيه رواتب الموظفين ونفقات الدولة إلى كتلة نقدية تصرف على الخدمات العامة وشراء السلع المختلفة".
ولفت إلى أن "التشاؤم يسود الشارع العراقي ولا توجد مؤشرات حقيقية على عودة انتعاش السوق المحلية في البلاد ما دفع التجار والأثرياء والمواطنين عامة إلى خزن أموالهم وتقليل نفقاتهم بشكل كبير توقعاً لما هو أسوأ خلال المرحلة القادمة". وأوضح أن "القدرة الشرائية تراجعت والمواطنين يلجؤون حالياً إلى تقليل نفقاتهم على شراء مستلزماتهم اليومية ما أثر بشكل كبير على السوق المحلية ولهذا بدأت الدولة تلجأ إلى تنشيط قطاعات الإسكان والصناعة والزراعة لتلافي الأزمة".

فوضى عارمة

وتفاقمت الأوضاع الاقتصادية بسبب الفوضى التي تعاني منها البلاد، وأعلنت الحكومة العراقية الشهر الجاري عن خسائر تكبّدتها البلاد بسبب الحروب وأعمال العنف على مدار 12 عاماً، بلغت 36 ترليون دينار عراقي (32.5 مليار دولار)، فيما أكد أحد خبراء الاقتصاد أن الخسائر المالية تتخطى ما أعلنته الحكومة بشكل كبير.
وقال وزير التخطيط العراقي، سلمان الجميلي، آنذاك، إن هذه الخسائر تأتي في الفترة بين عامي 2004 و2016، حيث أثرت بشكل مباشر على دوائر ومؤسسات الدولة.


وأشار إلى أن محافظة الأنبار (غرب) كانت الأكثر تضرراً وخسارة بين المحافظات بأضرار بلغت قيمتها 107 مليارات دينار، فيما كان المصرف المركزي العراقي الأكثر خسارة بين الجهات غير المرتبطة بوزارة بقيمة 708 مليارات دينار.
ويخشى التجار من الركود الاقتصادي واصفين ما تمر به السوق العراقية "بالموت السريري" معتبرين أن الحفاظ على أموالهم في المرحلة الحالية أفضل من إنفاقها في مشاريع تجارية قد تكون خاسرة بسبب التردي الأمني والسياسي.
وأكد تاجر للمواد الكهربائية، ياسين القريشي، أن "ما تمر به السوق العراقية مرحلة صعب للغاية وسط التقشف الحكومي والأزمة الاقتصادية والأمنية الخانقة وتراجع القدرة الشرائية للمواطنين".

وأضاف القريشي، لـ"العربي الجديد"، "بدأ الضعف يدب إلى مفاصل السوق العراقية منذ مطلع 2014 ومنتصف عام 2015 مع تصاعد العمليات العسكرية في مختلف مدن العراق وتصاعد الخلافات السياسية في بغداد ما سبب رفع أسعار المواد الاستهلاكية في السوق".

كساد تجاري

ويقول كبار التجار في أسواق بغداد الضخمة أن وارداتهم اليومية تراجعت كثيراً من نحو خمسة ملايين دينار عراقي يومياً إلى مليون دينار ما يعني أن واردات التجارة تراجعت إلى الربع منذ النصف الثاني من عام 2015 وحتى مايو/أيار الجاري، فيما يلقي تجار باللائمة على السلطات الأمنية والحكومة معتبرين أن كثرة نقاط التفتيش والإجراءات الروتينية المعقدة تعرقل دخول البضائع والسلع المختلفة وشاحنات الأوزان الثقيلة إلى أسواق العاصمة التي تعد من أكبر الأسواق العراقية فضلاً عن أسواق باقي المدن الأخرى ما سبب تراجع الواردات.
وأرجع مراقبون أزمة السوق الرئيسية إلى النفقات الكبيرة التي صرفتها الدولة على الحرب المستمرة حتى الآن في حوالي نصف مساحة البلاد. وهو ما أكده الخبير الاقتصادي سالم الحسني، لـ"العربي الجديد"، الذي قال، إن "عوامل عديدة تسببت بتراجع السوق المحلية ومرورها بأزمة ركود كبيرة وخطيرة الفترة الماضية، دفعت التجار إلى بيع بضائعهم بأي ثمن بهدف سداد إيجارات محلاتهم ومخازنهم التجارية، وأجور عمالهم وموظفيهم".
وأضاف الحسني، "تبع ذلك تراجع واضح في حركة الاستيراد التي انخفضت إلى نحو 30 % عما كانت عليه قبل 2014 وربما تتراجع بشكل أكبر خلال الأشهر القليلة القادمة في وقت تتكدس فيه البضائع في المخازن الخاصة بالتجار أمام قلة الطلب على الشراء".

المساهمون