ليبيا تطبع النقود لمواجهة أزمة السيولة

07 مارس 2015
المصارف تعاني نقص سيولة بسبب سحب المدخرات (فرانس برس)
+ الخط -
زادت عمليات سحب غير مسبوق على الودائع من المصارف الليبية على مدار الأشهر الماضية، من أزمة السيولة التي يعانيها المصرف المركزي، بفعل تراجع إيرادات الدولة بنحو حاد، ما يجبر الدولة على طبع النقود لسداد التزاماتها المحلية.
وتعتمد ليبيا بشكل كلي على عائدات النفط، الذي هوت معدلات تصديره إلى أقل من الثلت، مقارنة بمستوياته الطبيعية قبل نحو 4 أعوام.
وقال مصدر مسؤول في المصرف المركزي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن المصرف يواجه مشكلة في العملة المحلية بغرض ضخها في السوق. واتجهت شرائح من المدخرين إلى سحب أموالهم من المصارف خلال الأشهر الأخيرة في ظل تفاقم الوضع الأمني واحتدام الصراع السياسي، وفضلوا اكتناز الأموال، نتيجة عدم وضوح الرؤية بشأن دور الدولة ومقدرتها على إعادة الاستقرار في الأجل القصير.
وتعاني ليبيا صراعاً مسلحاً دموياً في أكثر من مدينة، ولاسيما طرابلس (غرب) وبنغازي (شرق)، بين كتائب مسلحة تتقاتل لبسط السيطرة، إلى جانب أزمة سياسية بين تيار محسوب على الليبراليين وآخر محسوب على الإسلام السياسي زادت حدته مؤخراً، ما أفرز جناحين للسلطة في البلاد لكل منه مؤسساته: الأول: البرلمان المنعقد في مدينة طبرق (شرق) وحكومة عبد الله الثني، أما الجناح الثاني للسلطة، فيضم المؤتمر الوطني العام (البرلمان السابق الذي استأنف جلساته) ومعه رئيس الحكومة عمر الحاسي.
وقال المسؤول في المصرف المركزي "هناك مأزق حقيقي في تراجع إيرادات الدولة ونعاني من أزمة نقد .. قد نطبع عملات ونضخّها في السوق".

وغالباً ما تلجأ الحكومات حينما تتعرض لتراجع في مواردها المالية إلى طبع أموال "بنكنوت"، لتوفير السيولة اللازمة لدفع مرتبات العاملين في أجهزة الدولة وتسيير الأعمال، لكن خبراء الاقتصاد يحذرون من أن يتسبب هذا الإجراء في ارتفاع معدلل تضخم أسعار المستهلكين بشكل كبير ويؤدي إلى تراجع القدرة الشرائية للعملة.
ورفض الناطق الرسمي باسم المصرف المركزي، مصباح العكاري، الإفصاح عن حجم النقص في السيولة لدى المصارف، لكنه قال في تصريح خاص "نمر بالفعل بمرحلة خطرة على الاقتصاد نتيجة الصرف من الاحتياطي العام".
وتراجع إنتاج النفط بشدة في ليبيا، على مدى العامين الأخيرين، بسبب تردي الوضع الأمني وتصاعد أعمال العنف والانقسام السياسي الحاد.
وتصاعدت التحذيرات من حدوث عجز تام في الإيرادات المالية وتوقف الحياة، في ظل الهجمات المتلاحقة على حقول النفط التي تعتمد البلاد على إيراداتها بنحو 95%. وأكد مصرف ليبيا المركزي، في تقرير له أخيراً، أن مصروفات الدولة خلال العام الماضي 2014، بلغت 49 مليار دينار (36.5 مليار دولار)، فيما بلغت الإيرادات نحو 20.9 مليار دينار (15.5 مليار دولار) بعجز 25.1 مليار دينار (18.7 مليار دولار)، وسط توقعات بوصول العجز خلال العام الحالي إلى 15.3 مليار دولار.
وأدى التردي الأمني والاقتصادي، إلى تفاقم الأزمات المعيشية لليبيين، بعد توقف مشروعات التنمية، وتكبد العديد من القطاعات الاقتصادية خسائر باهظة.
ويبلغ عدد سكان ليبيا 6 ملايين نسمة، يعمل منهم 1.25 مليون شخص في الجهاز الإداري للدولة، باتوا مهددين بعدم الاستقرار في ظل التراجع الحاد في إيرادات البلاد، وفق خبراء اقتصاد.

اقرأ أيضا: ليبيا أزمة للجميع..ومصر أكبر المتضررين

ووفق بيان للمصرف المركزي صدر أخيراً، فإن المصرف وافق على صرف رواتب الموظفين الحكوميين لشهري يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط، لكن هناك تخفيضات في الأجور والمرتبات، لتتراجع مخصصات الموظفين الحكوميين إلى 18 مليار دينار (13.1 مليار دولار) العام الحالي، مقابل 25 مليار دينار (18.2 مليار دولار)، العام الماضي، بسبب إجراءات تقشفية واتخاذ السلطات خطوات نحو منع الإزدواج الوظيفي أيضاً في أجهزة الدولة.

وتستحوذ الرواتب على النصيب الأوفر في الموازنة العامة وتشكل 35% منها، وارتفع الباب الأول المعني بالرواتب والأجور من 8 مليارات دينار (5.8 مليارات دولار) عام 2010 إلي 18.2 مليار دولار في 2015.
وقال محللون اقتصاديون إن أزمة السيولة لدى الحكومة والمصرف المركزي تسببت في تأخير صرف المرتبات، بينما يوجد عملة خارج المصارف تزيد عن 22 مليار دينار (16 مليار دولار).
وبحسب أحمد أبولسين، عميد كلية الاقتصاد بجامعة طرابلس، فإن مصرف ليبيا المركزي ليس لديه القدرة على دفع المرتبات في ظل الظروف الحالية، محذراً من تنامي السحب من الاحتياطيات النقدية للبلاد وارتفاع العجز.
وسبق أن قام المصرف المركزي بضخ 11 مليار دينار نهاية عام 2011 في السوق الليبية، وذلك لعدم وجود سيولة لدى المصارف.
وكان "المركزي" قد دعا في بيان له أخيراً، إلى اتخاذ إجراءات فورية لترشيد الإنفاق، مهما كانت صعبة ومؤلمة، لمواجهة الأزمة المالية، ومعالجة عجز الميزانية، مطالباً بإعادة النظر في مرتبات بعض القطاعات، وتأجيل دفع علاوة الأبناء والعائلة. وتصرف ليبيا سنوياً ما يقرب من 3 مليارات دينار (2.18 مليار دولار) كعلاوة للأبناء.
وحسب تقارير البنك وصندوق النقد الدوليين، فإن ليبيا تعيش ارتفاعًا حاداً في الإنفاق التسييري، حيث يصل الإنفاق على تسيير شؤون الحكم إلى 84% من الموازنة.
وتعتمد ليبيا على إيرادات النفط كمصدر رئيسي للدخل، ولكن مع استمرار إغلاق الحقول وموانئ التصدير، هوت الإيرادات بشكل كبير، ما أدى إلى السحب من احتياطي النقد الأجنبي الذي انخفض إلى 95 مليار دولار، مقابل 100 مليار دولار في نهاية نوفمبر/تشرين الثاني 2014، وفق البيانات الرسمية.
وتراجع إنتاج النفط إلى نحو 500 ألف برميل يومياً حالياً، بسبب امتداد الصراعات المسلحة إلى حقول ومرافئ التصدير، بينما كانت المعدلات الطبيعية تقدر بنحو 1.6 مليون برميل يومياً.

اقرأ أيضا: حقول نفط ليبيا مهددة بالإغلاق
اقرأ أيضا: اقتصاد تونس يدفع فاتورة حرب ليبيا
اقرأ أيضا: مخزون ليبيا للسلع المدعومة يكفيها شهراً فقط
المساهمون