معضلة الغاز الصخري الجزائري... رغبة حكومية في تلبية الطلب الأوروبي وخوف من المعارضة

03 مايو 2022
من احتجاج سكان الجنوب الجزائري في 2015 ضد استخراج الغاز الصخري (Getty)
+ الخط -

جددت الحكومة الجزائرية فتح ملف الغاز الصخري، الذي طالما كان محل رفض شعبي خلال السنوات الماضية، بعد أن وجدت نفسها أمام معضلة تدبير الإمدادات المتزايدة للسوق الأوروبية وكذلك تزايد الاستهلاك المحلي الذي يقوض من التصدير، الذي يعتمد عليه البلد في معظم موارده المالية.

وأكد الرئيس عبد المجيد تبون، في تصريحات في أكثر من مناسبة أخيراً، إعطاءه توصيات بمواصلة التنقيب عن الموارد من الغاز الطبيعي والصخري. وتمتلك الجزائر احتياطيات كبيرة من الغاز الطبيعي، حيث تشير البيانات الرسمية إلى بلوغ الاحتياطيات المؤكدة 4.7 ترليونات متر مكعب، بما يعادل 3% من إجمالي الاحتياطي العالمي للغاز.

وبينما تتجه الأنظار إلى الجزائر كواحدة من الدول التي يمكن أن ترفع وارداتها من الغاز الطبيعي إلى أوروبا التي تخشى انقطاع إمدادات الغاز الروسي في حال إقرار حظره، فإن ثمة تحديات تتمثل في أن الجزائر ليست لديها طاقة فائضة من الغاز الطبيعي على المدى القصير، ما يستدعي توجيه استثمارات لزيادة الإنتاج، وكذلك البدء في استغلال الغاز الصخري الذي يحتاج إلى تجنب اعتراضات شعبية، لا سيما في مناطق الجنوب، فضلاً عن تنامي الاستهلاك المحلي للغاز مع التزايد السريع في النمو السكاني.

وكانت الجزائر قد شهدت عام 2015، احتجاجات شعبية في مناطق الجنوب، بعد إعلان الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، بداية عمليات لاستكشاف الغاز الصخري.

وتنبع مخاوف سكان الجنوب من الأخطار التي قد تلحق بالبيئة الصحراوية في حال بدأت عملية تكسير الطبقات الأرضية بقوة المياه، ما يسبب تلوثاً للمياه الجوفية. لكن السلطات الحالية لم تعد تخفي نيتها التوجه نحو إحياء عمليات استكشاف الغاز الصخري، ما يسمح لها مواجهة الطلب المحلي المتزايد وكذلك الحفاظ على أسواقها التصديرية.

يقول مراد برور، خبير الطاقة الجزائري والمستشار السابق لشركة "سوناطراك" النفطية، في تصريحات لـ"العربي الجديد" إن "استهلاك الغاز الطبيعي على المستوى الداخلي مرتفع جداً، وبلغ 45% مما تنتجه سوناطراك من غاز طبيعي، وهذا الإفراط في الاستهلاك غير مبرر مقارنة بالنمو الاقتصادي في الجزائر".

ويحذر برور، وهو ومدير مكتب الخبرة الجزائري الفرنسي "إيميرجي" المتخصص في الطاقة، من الإفراط في الاستهلاك المتزايد للغاز الطبيعي، موضحاً أن "الجزائر تحوز فعلاً على احتياطيات كبيرة من هذه الثروة الباطنية، لكن إذا استمر الاستهلاك كما هو عليه الحال الآن فإن هذه الاحتياطات ستنضب قبل الآجال المتوقعة".

ويشير إلى أن ارتفاع الطلب الداخلي على الغاز أثّر سلباً على صادرات البلاد، خاصة نحو دول الجنوب الأوروبي، التي تراجعت بنسبة 25% عام 2019، مقارنة بالعام السابق عليه، الذي صدرت خلاله الجزائر 51 مليار متر مكعب، حسب أرقام سوناطراك.

ويلفت إلى ضرورة ترشيد الاستهلاك المحلي للغاز الطبيعي والتنقيب في حقول أخرى وتعزيز مشروعات الطاقة المتجددة، مؤكدا أن صادرات الغاز، خاصة إلى السوق الأوروبية في ظل تطورات الأوضاع هناك في أعقاب الحرب الروسية على أوكرانيا، يمكن أن تسد ثغرة الموارد المالية الجزائرية، التي خلفها تراجع أسعار النفط في الأسواق العالمية على مدار السنوات الماضية.

وفي السياق، يرى عبد المجيد عطار، الخبير النفطي والمدير الأسبق لشركة سوناطراك، أن الجزائر تمتلك مؤهلات بشرية لكن التكنولوجيا لا تسمح لها بالمحافظة على حصصها في السوق، لا سيما في المنطقة المتوسطية، ولهذا على الجزائر أن تستثمر أكثر في إنتاج ونقل الغاز الطبيعي المسال كونها طاقة المستقبل.

مطالب غربية بزيادة الإمدادات

وفي مقابل الاهتمام المتزايد أخيراً بزيادة إنتاج الغاز، لا سيما من النوع الصخري، هناك من يرى أن هذا الاهتمام مرده مطالب غربية متزايدة بزيادة الإمدادات نحو القارة الأوروبية.

وشهدت العاصمة الجزائر خلال الأسابيع الأخيرة زيارات متواصلة من مسؤولين غربيين كبار، من بينهم وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، ورئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراغي، وآخرون. وتركزت المناقشات التي جرت خلال هذه الزيارات حول الكيفية التي يمكن أن تساهم بها الجزائر في أمن الطاقة الأوروبي، ومدى قدرتها على زيادة الإنتاج من الغاز الطبيعي في المستقبل.

وعلى مدار السنوات الثلاث الماضي، جددت الجزائر عقود التصدير إلى العديد من الدول الأوروبية بكميات متفق عليها، إلا أنه في ظل التطورات الأخيرة، فإن هذه الدول تسعى إلى زيادة الإمدادات.

وفي 16 مايو/أيار 2019 جددت الجزائر عقد التصدير مع شركة "إيني" الإيطالية، لمدة 10 سنوات اعتباراً من 2020، بكميات تتراوح بين 9 مليارات و10 مليارات متر مكعب سنوياً. ثم اتفق الطرف الجزائري مع نظيره البرتغالي "غالب" في 11 يونيو/ حزيران 2019، على تجديد عقد التصدير لعشر سنوات أخرى اعتباراً من العام الحالي، بكميات تصل إلى 2.5 مليار متر مكعب سنوياً.

ونهاية يونيو 2019، جرى الاتفاق مع شركة "إينال" الإيطالية على تزويدها بـ 3 مليارات متر مكعب سنوياً، لمدة 8 سنوات اعتباراً من 2020، ثم مع "اونجي" الفرنسية منتصف نوفمبر/تشرين الثاني الماضي. ويضاف إلى هذه العقود، تلك التي جددت عام 2018 مع كل من "بوتاش" التركية، التي ستزودها سوناطراك بنحو 5 مليارات متر مكعب من الغاز سنوياً لمدة 5 أعوام.

كما جددت سوناطراك في أغسطس/ آب 2018 عقد توريد الغاز إلى إسبانيا من خلال شريكها "ناتيرجي"، بكميات سنوية تقدر بـ 8 مليارات متر مكعب على امتداد 9 سنوات. بينما ينتظر تجديد العقود مع شركتي "توتال" و"سويز" الفرنسيتين.

تكاليف الغاز الصخري

وإزاء الطلب المتزايد أوروبيا على الغاز الجزائري، فإن التوجه نحو الغاز الصخري بحاجة إلى استثمارات لارتفاع تكاليف استخراجه، فضلا عن افتقار الجزائر لتقنيات استخراجه، والحاجة إلى توافق حكومي مع المعارضة وسكان مناطق الجنوب الرافضين لاستخراجه. وتخطط الجزائر لاستثمار 40 مليار دولار بين 2022 و2026 في استكشافات النفط والإنتاج والتكرير وكذلك استكشاف الغاز واستخراجه.

وتتوفر الجزائر على 4940 ترليون قدم مكعب من احتياطات الغاز الصخري، ما يجعلها الثالثة عالمياً، منها 740 ترليون قدم مكعب قابلة للاستخراج حسب تقديرات أنجزتها شركة سونطراك، على خمسة أحواض في الجنوب.

ويرى سقني لعجال، أستاذ البيئة في جامعة ورقلة وعضو اللجنة الشعبية لمناهضة الغاز الصخري، أن تكون عوائد استخراج الغاز الصخري غير مضمونة للجزائر، قائلا في تصريحات لـ"العربي الجديد" إن "مشروع الغاز الصخري كارثة على الجزائر، ليس لمخاطره البيئية والصحية الناجمة عن تقنيات التنقيب فقط، وإنما بسبب الخسائر التي ستتكبدها الجزائر في سعيها لاستغلاله لأنها ستستورد كل شيء متعلق باستخراج الغاز الصخري".

ويضيف: " كنا ننتظر من الرئيس تبون إعلان خطط إبداعية للإقلاع الاقتصادي، والتوجه نحو اقتصاد المعرفة والابتكار، فإذا به يتوجه رأساً نحو استغلال ثروات باطنية فيها الكثير من الأضرار".

لكن الحكومة تشير إلى أنها ترمي إلى تنويع إمدادات الطاقة لتشمل كذلك الطاقات المتجددة، فضلا عن تحقيق اقتصاد في استهلاك الغاز والمواد النفطية بحدود 42 مليار دولار بغضون 2030 مع خفض استهلاكهما بنحو 9%.

ولتحقيق ذلك أعادت الحكومة إطلاق البرنامج الوطني لتطوير الطاقات المتجددة المجمد منذ 2015، والهادف إلى إنتاج كهرباء من مصادر متجددة لاسيما الطاقة الشمسية والرياح، بمعدل سنوي قدره 22 ألف ميغاوات بغضون عام 2030، منها 10 آلاف ميغاوات موجهة للتصدير.

ويمثل ذلك ما يقارب 27% من حجم الإنتاج الإجمالي للكهرباء المتوقع في 2030.

وبموجب البرنامج، فخلال الـ 15 عاماً المقبلة، سيستفيد 100 ألف مسكن سنوياً من ألواح الطاقة الشمسية، وكذا تحويل مليون سيارة و20 ألف حافلة إلى استهلاك الغاز الطبيعي، وهو ما يسمح بخلق 180 ألف فرصة عمل، حسب المؤشرات التي وضعتها الحكومة الجزائرية.

وفي هذا السياق، يقول مدير مركز تطوير الطاقة المتجددة في الجزائر، نور الدين يسع، إنه لا بد من دمج المستثمرين في القطاع الخاص المحلي والأجنبي للمساهمة في تجسيد أهداف برنامج تطوير الطاقات المتجددة، داعياً الحكومة إلى تشجيع هذا الدمج من خلال إجراءات تحفيزية تمنح مزيداً من التسهيلات لنشاطات إنتاج وتوزيع هذه النوعية من الطاقة.

ويقول يسع لـ"العربي الجديد" إن " الجزائر تتحدث منذ سنوات عن الطاقة المتجددة، ولكن للأسف انحصر التصور فقط في الإنارة العمومية المستمدة من الطاقة الشمسية، بينما يجب وضع تصور شامل خاصة وأن الجزائر تحوز على أكبر صحراء في المنطقة، وسلاسل جبلية يمكن أن تكون بديل عن الطاقة التقليدية".

المساهمون