مستثمرو أميركا حائرون... مخاوف من الركود وسط تزايد التضخم

18 يوليو 2022
مخاوف الركود ترعب المستثمرين في الأسهم الأميركية (getty)
+ الخط -

بعد انتهاء أسوأ نصف أول لأي عام في أكثر من نصف قرن للأسهم الأميركية، والاقتراب من موسم الإعلان عن الأرباح المحققة خلال الربع الثاني والمتوقعة خلال الربع الثالث من العام، ما زال معدل التضخم الأميركي عند أعلى مستوياته في أكثر من أربعة عقود، رغم رفع البنك الفيدرالي معدلات الفائدة بقوة خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، وتوقُع أغلب المحللين المزيد من الرفع خلال الفترة المقبلة، الأمر الذي يضع ملايين المستثمرين، بتريليونات الدولارات التي في حوزتهم، في حيرة شديدة في ما يخص أفضل الاستثمارات المتاحة أمامهم، لا سيما في زمن التوترات الجيوسياسية الذي نعيشه حالياً في العديد من بقاع العالم.

وأظهرت تقارير حكومية أميركية حديثة تراجع الإنفاق الاستهلاكي، الذي قدم الدعم الأكبر لأطول فترة انتعاش في تاريخ الاقتصاد الأميركي خلال العقد الذي سبق ظهور فيروس كورونا وانتشاره في العالم، وأيضاً تنامي المخاوف، من الأفراد والشركات والحكومات والمستثمرين، من دخول الاقتصاد الأكبر في العالم، واقتصادات أخرى، في ركود اقتصادي خلال الفترة المقبلة، بينما تَظهر دلائل تؤكد أننا لم نتعاف تماماً من الوباء، ولم نتمكن من حل كافة مشكلات سلاسل الإمداد.

ورغم التحركات الإيجابية لمؤشرات الأسهم الرئيسية في السوق الأميركية قبل أيام، والتي أظهرت تحقيق مكاسب أسبوعية تجاوزت 4.5% لمؤشر ناسداك، الأكثر تألماً من ارتفاع معدلات الفائدة، كما مكاسب بنسبة 1.9% و0.8% لمؤشري إس آند بي 500 وداو جونز الصناعي على الترتيب، ما زال التوتر يسيطر على مستثمري أسهم شركات التكنولوجيا، الأكثر شعبية خلال السنوات الأخيرة، الأمر الذي دفعهم لتقليل توقعاتهم لأرباح تلك الشركات الربعية خلال الفترة المتبقية من العام الحالي، وربما النصف الأول من العام القادم.

وتوقع تيد مورتونسون، مسؤول استراتيجيات الاستثمار في شركات قطاع التكنولوجيا في شركة إدارة الثروات بيرد (Baird)، أن توقعات مسؤولي الشركات للربع الثالث من العام، التي بدأ إعلانها، "ستظهر تراجعاً للإيرادات والأرباح لأغلب شركات القطاع، حيث إن معظم التقديرات الحالية قديمة ولا تعكس الظروف الاقتصادية الحالية"، مشيراً إلى أن ذلك يشمل الشركات الكبرى مثل مُصنع الهواتف الذكية والحواسب الآلية آبل، وعملاق مواقع التواصل الاجتماعي ميتا (فيسبوك)، وشركة تطبيقات وبرامج الحاسب الآلي مايكروسوفت.

بدوره، أكد دان نايلز، مؤسس ومدير المحافظ لدى صندوق ساتوري الاستثماري الذي أُطلق قبل ما يقرب من عقدين، أن نتائج الربعين الثاني والثالث ستكون "أسوأ كثيراً مما يتصور الناس"، مشيراً إلى أن "السرعة التي تتغير بها تلك الأمور هي ما ينبغي أن يُقلق المستثمرين".

اقتصاد دولي
التحديثات الحية

ولا تقتصر التخوفات على الاستثمار في أسهم قطاع التكنولوجيا، حيث يعاني القطاع المالي أيضاً بعد نصف أول من العام شهد فقدان أهم شركاته ما يقرب من ربع قيمها، على خلفية رفع البنك الفيدرالي معدلات الفائدة على أمواله بنسبة 1.5% وتراجع الإنفاق والاقتراض الاستهلاكي للأميركيين.

وهذه الأيام، ستعلن بنوك وشركات أميركية كبرى نتائج أعمالها عن الربع الثاني من العام، وستكون على الأرجح أقل من التوقعات السابقة بسبب ضعف عمليات الاستحواذ، وانخفاض عمولات قروض الرهن العقاري، كما تراجع كل إيرادات القطاع خلال الربع الأخير مقارنةً بالمستويات التي تم تحقيقها خلال العام الماضي.

ولا يختلف الأمر كثيراً مع أسهم شركات القطاع الاستهلاكي، الذي شهد تراجع إنفاق الأميركيين بسبب تخوفات دخول الاقتصاد في ركود وكذلك استمرار ارتفاع معدل التضخم الذي جعل أغلبهم يفكر مرات عدة قبل اتخاذ قرار الشراء.

ويقول بيتر بوكفار، كبير مسؤولي الاستثمار لدى شركة الاستشارات بليكلي أدفايزوري، إن "الشارع لم يغير تقديراته رغم تراجع نمو الإيرادات، وانخفاض هوامش الربحية، وما زال المحللون متمسكين بتوقعاتهم السابقة"، مشيراً إلى أنه "إذا كان هناك توقيت صحيح لإعادة ضبط التوقعات، فهو الآن".

ورغم استمرار قوة بيانات سوق العمل، التي أعلنتها وزارة العمل الأميركية قبل أيام، وأظهرت إضافة الاقتصاد ما يقرب من 372 ألف وظيفة جديدة خلال يونيو/ حزيران، اعتبر محللون أن هذه الأخبار الجيدة ربما تكون سيئة بالنسبة للأسواق، وتحديداً سوق السندات الأميركية، كونها تطلق يد الفيدرالي لمزيد من رفع معدلات الفائدة، دون الأخذ في الاعتبار مخاوف السقوط في دوامة الركود.

وبينما يفضل مستثمرو السندات عدم الشراء في ظل وجود توقعات برفع معدلات الفائدة، قال رافاييل بوستيتش، رئيس البنك الفيدرالي في أطلانطا، إنه يدعم رفع الفائدة في الاجتماع المقبل بخمسٍ وسبعين نقطة أساس.
وأشار بوستيتش إلى الدعم الذي يوفره تقرير مثل الصادر عن إضافات سوق العمل الأخيرة لهذا التوجه، مؤكداً أن "استمرار قوة سوق العمل الأميركية، واقتراب معدل البطالة من أدنى مستوياته في أكثر من نصف قرن، مع استمرار معدل التضخم عند مستوياته المرتفعة، يدعم القيام بمزيد من الرفع لمعدلات الفائدة خلال الفترة القادمة".

ومن بين عوامل مخاوف الركود الاقتصادي، أظهرت تقارير حديثة حدوث تدفقات سلبية خلال شهر يونيو/ حزيران الماضي، للشهر الثاني على التوالي، في صناديق الاستثمار في الذهب المتداولة في الأسواق العالمية، بعد أن شهدت تلك الصناديق خروج ما تجاوزت قيمته 1.7 مليار دولار منها.

لكن خوان كارلوس أرتيجاس، مسؤول الأبحاث لدى مجلس الذهب العالمي، توقع حدوث انتعاشة قريبة في أسعار المعدن "مع توقعات تراجع أسعار الأسهم والسندات، كونه يعد سلعة التحوط الاستراتيجية الأولى في العالم".

المساهمون