مخاطر القروض المصرية تتزايد مع قفزة الدين الخارجي إلى 163 مليار دولار

06 ابريل 2023
الديون تفاقم معيشة المصريين (Getty)
+ الخط -

فوجئ المواطنون بقفزة الدين الخارجي لمصر بنسبة 5.5% خلال الربع الأخير من العام الماضي ليصل إلى 162.9 مليار دولار بنهاية ديسمبر/ كانون الأول 2022 مقابل 154.9 مليار دولار في سبتمبر/ أيلول الماضي، في ظل تعهدات حكومية في أغسطس/ آب الماضي، بوقف الاقتراض والمشروعات التي تمول بالعملة الصعبة لمواجهة الأزمة المالية الخانقة.
تأتي زيادة الديون في وقت قدمت فيه الحكومة المشروع الأولى للموازنة العامة للبرلمان، مستهدفة خفض الدين العام وخاصة الخارجي، وقصر الاقتراض في حدود الأموال اللازمة لاستمرار دعم البرامج الاجتماعية الملتزمة بها مع صندوق النقد الدولي، وسداد أقساط الديون، بما يضمن خفض معدلات الدين من 96% من إجمالي الناتج القومي إلى 93%، نهاية عام 2024.
أثار الدين المفاجئ دهشة برلمانية، وحفيظة سياسيين من مختلف التيارات، الذين أبدوا غضبهم من تكتم الحكومة على أرقام الدين الرسمي، التي تلتزم بتوفيرها لجهات التمويل الدولية وتحجبها عن جهات الرقابة البرلمانية والشعبية.
فوجئ المشرعون بأن الحكومة أرسلت إليهم البيان الأولي للموازنة، تظهر فيه تراجعا للديون الخارجية بنهاية العام المالي 2021/ 2022، إلى 145.5 مليار دولار، وعدم إبلاغهم بتفاصيل القرض الذي حصلت عليه من صندوق النقد الدولي رغم نشره بالصحف، المقدر بنحو 3 مليارات دولار، صرفت الدفعة الأول منه في مطلع يناير/ كانون الثاني الماضي، بقيمة 347 مليار دولار.

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

لم توضح بيانات الحكومة المفاجئة سبب تحرك الديون، بينما يشير محللون ماليون إلى رصدهم وجود هذه المبالغ، في ديسمبر/ كانون الأول 2022، عندما اتجهت الحكومة إلى التخفيض في قيمة العملة، قبل إقرار اتفاقها الأخير مع صندوق النقد الموقع بنهاية ديسمبر الماضي، في إطار استهداف "سعر صرف مرن" أفقد الجنيه نحو 20% من قيمته منذ بداية العام الجاري، دون أن يعرفوا مصدر تلك الأموال.
قال محللون ماليون لـ"العربي الجديد": مبلغ الدين المفاجئ يفسر لنا حقيقة الأموال التي مكنت الحكومة من الإفراج عن البضائع المتراكمة بالموانئ التي بلغت قيمتها نحو 14 مليار دولار في يناير الماضي، حيث أفرجت عن 80% من البضائع خلال شهر، ولم تظهر في التعاملات البنكية إيرادات بالدولار، إلا 950 مليون دولار، وهو ما أحدث دهشة لدى المراقبين، الذي شغلتهم التسهيلات البنكية دون متابعة التدفق المفاجئ للعملات الأجنبية.

أصدرت الحكومة صكوكا بقيمة 1.5 مليار دولار، في فبراير، وحصلت على الدفعة الأولى من صندوق النقد، وتنتظر الدفعة الثانية من الصندوق خلال أيام،

أصدرت الحكومة صكوكا سيادية بقيمة 1.5 مليار دولار، في فبراير الماضي، وحصلت على الدفعة الأولى من صندوق النقد، وتنتظر الدفعة الثانية من الصندوق خلال أيام، بالإضافة إلى قرض للتنمية المستدامة من الصندوق بقيمة 1.3 مليار دولار، وتمويل من البنك الإسلامي للتنمية لشراء القمح والمنتجات البترولية بقيمة ملياري دولار، وإتمام صفقات بيع الأصول العامة تقدر حصيلتها بنحو 2.3 مليار دولار قبل يوليو/ تموز 2023، مقابل التزامها بسداد 9 مليارات دولار مستحقة السداد خلال عام 2023، لسداد فوائد وأقساط ديون، والحاجة الماسة لنحو 41 مليار دولار لتغطية العجز في الحساب الجاري.
يتوقع صندوق النقد الدولي وجود عجز في موارد العملة الصعبة يقدر بنحو 18 مليار دولار سنويا حتى عام 2026. ويطلب الصندوق تغطية العجز عبر بيع المزيد من الشركات العامة والحكومية بقيمة 40 مليار دولار على الأقل خلال 4 سنوات، مقابل تعهد من الحكومة بعدم اللجوء إلى المزيد من القروض، ليضمن سداد مستحقاته المتراكمة منذ بدء تعويم الجنيه عام 2016، فاقت 27 مليار دولار، والتزام الحكومة بسداد ودائع دول الخليج بالبنك المركزي بقيمة 28 مليار دولار عام 2026.
طالبت أستاذة الاقتصاد بجامعة عين شمس والبرلمانية السابقة يمن الحماقي الحكومة بالتوقف عن طلب المزيد من القروض، قائلة: أصبحت ميزانية الدولة لا تحتمل المزيد من فوائد خدمات الدين، التي تبتلع نحو 60% من مصادر الموازنة العامة حاليا، دون أن تقدر على دفع الدين نفسه.

وأضافت في تصريح لـ"العربي الجديد": يمكن للدولة أن تعتمد على مواردها الذاتية في دعم الأنشطة الإنتاجية، وفي حال الضرورة، يمكن اللجوء إلى قروض لمشروعات صناعية ومستلزمات إنتاجية تدر عائدا بالدولار من عوائد التصدير، بما يضمن تضييق الفجوة بين الصادرات والواردات.
يحذر الباحث الاقتصادي ونائب رئيس التحالف الشعبي الاشتراكي إلهامي الميرغني، في حديثه لــ"العربي الجديد"، من التوسع المنفلت في الديون الخارجية، في ظل تفاقم ضغوط الديون المحلية، بما يضع أعباءً جسيمة على الاقتصاد والقرار الوطني.
يبدي الميرغني دهشته من التصاعد المفاجئ في الديون الخارجية التي ارتفعت من 46.1 مليار دولار عام 2014، إلى 108.7 مليارات دولار عام 2019، لتصل إلى 155.7 مليار دولار في سبتمبر/ أيلول 2022، تعادل 4.6 تريليونات جنيه بالسعر الرسمي، ثم يفاجئنا البنك المركزي بأنها بلغت 162.9 مليار دولار في نهاية مارس/ آذار (5.1 تريليونات جنيه)، وأوضح أن الأرقام تبين وجود انفلات في الديون الخارجية منذ عام 2014، تجاوزت قيمتها 116.8 مليار دولار، بخلاف قروض حصلت عليها هيئات وشركات حكومية، بضمان وزارة المالية، اقترضتها الحكومة في غياب الرقابة من المجالس التشريعية.

الحكومة لجأت إلى المزيد من الاستدانة مع بداية العام الحالي لقروض بقيمة تريليون و523.6 مليار جنيه، لاستكمال موازنة عام 2022-2023

ويشير الميرغني إلى أن الأرقام تكشف عن اقتراض الحكومة نحو 17 مليار دولار عام 2022، بما يوازي 523.6 مليار جنيه، في مخالفة للدستور بمادته رقم 127 التي تنص على أنه "لا يجوز للسلطة التنفيذية الاقتراض أو الحصول على تمويل أو الارتباط بمشروع غير مدرج في الموازنة العامة المعتمدة، يترتب عليه إنفاق مبالغ من الخزانة العامة للدولة لمدة مقبلة، إلا بعد موافقة مجلس النواب"، موكداً أن هذا النص معطل لأن كل الديون تتم في غياب الرقابة البرلمانية وبمخالفة للدستور.

يشرح الميرغني أن الحكومة لجأت إلى المزيد من الاستدانة مع بداية العام الحالي لقروض بقيمة تريليون و523.6 مليار جنيه، لاستكمال موازنة عام 2022-2023، وسداد فوائد بقيمة 690.2 مليار جنيه، والكارثة أنها توجه الاقتراض بضمان الأصول المصرية المنتجة والمدرة للعملات الصعبة، بما يمثل خسارة كبيرة للثروات السيادية وحقوق الأجيال القادمة.

موقف
التحديثات الحية

ويلفت الميرغني إلى أن مخاطر الديون الخارجية تزداد بدون دراسات جدوى، في غياب الرقابة البرلمانية والشعبية، وبدون معرفة لأهميتها والعوائد المتوقعة منها، والتدفقات المالية التي يمكن أن تساهم في سدادها، كما تحصل عليها الحكومة بشروط مجحفة تدفع إلى تعويم الجنيه وتقليص الدعم ودور الدولة في السيطرة على الأسواق، وتخفيض الإنفاق على التعليم والصحة.

أضاف الخبير الاقتصادي أن أغلب الديون موجهة لمشروعات غير ربحية ولن تدر عائدا على المديين القصير والمتوسط بما يجعلها عبئا على السياسة المالية.

يحذر الباحث الاقتصادي ونائب رئيس التحالف الشعبي الاشتراكي إلهامي الميرغني، في حديثه لــ"العربي الجديد"، من التوسع المنفلت في الديون الخارجية

ويبدى الميرغني تعجبه من تعويل الحكومة على الدعم الخليجي رغم تراجع بعض الدول عن دعم مصر ماليا، وإعلانها عدم تقديم أي قروض جديدة بلا ضمانات، في وقت تقفز فيه معدلات الديون، مدفوعة بالسياسات نفسها المتبعة منذ عام 2014، التي أدت إلى تراجع الإنتاج الزراعي والصناعي لصالح أكبر مسجد وأوسع طريق وأطول كوبري بينما يزيد الاعتماد على الخارج بتبعاته الاقتصادية والسياسية.
أبدى الداعمون الماليون من دول الخليج، الذين قدموا هبات سخية وقروضا غير مشروطة بمليارات الدولارات إلى الاقتصاد المصري على مدار 10 سنوات، امتعاضهم عن عدم توظيف تلك الأموال في مشروعات تفيد المواطنين الذين يعانون من الفقر والبطالة والغلاء.

المساهمون