كريستيان ليندنر: ضابط نفقات الموازنة الألمانية

12 يوليو 2023
وزير المالية الألماني كريستيان ليندنر (توبياس شوارتز/ فرانس برس)
+ الخط -

كان له دور كبير في كبح نزوع ألمانيا نحو توسيع الإنفاق تحت تأثير الجائحة، وهو اليوم يدفع حليفه في الائتلاف الحكومي إلى العودة للقاعدة الذهبية التي يحرص عليها الألمان والقاضية بمحاصرة عجز الموازنة.

هو وزير المالية المنتمي للحزب الديمقراطي الحر، كريستيان ليندنر، الذي وصف، رغم احتلال حزبه المركز الثالث في الانتخابات السابقة، بـ "صانع الملوك"، حيث كان دوره حاسما في تشكيل التحالف الذي يضم، كذلك الحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب الخضر.

لم يخف عند التوصل إلى اتفاق التحالف قبل عامين مع الحزب الديمقراطي الاشتراكي وحزب الخضر، وجهات النظر المتباينة بين الأحزاب الثلاثة، وقال ذلك صراحة، قبل أن يؤكد على التزامه بالعمل على كبح الاستدانة.

كان وراء التخفيضات الأخيرة في النفقات التي قررتها الحكومة في مشروع الموازنة. فهو يتصور أنه تجب العودة إلى وضع مالي طبيعي، معتبرا أنه "لا تستطيع الدولة أن تحل كل شيء بالمال".

يعتبر ليندنر أنه لا يمكن المضي في إنفاق المزيد من المال في إطار سياسة توسعية للدولة، فيما رأى مراقبون أن المفاوضات معه من أجل إعداد الموازنة كانت صعبة، خاصة مع حلفائه في الحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب الخضر. يريد ليندنر العودة إلى ما يعتبر وضعا موازنيا في ألمانيا.

فمنذ 2011 ضمّن العملاق الأوروبي في دستوره قاعدة تقضي بعدم تجاوز الاقتراض السنوي 0.35 في المائة من الناتج الإجمالي المحلي، غير أن هذه القاعدة علقت في ظل الجائحة. ويؤكد وزير المالية أنه "لا يمكن تمويل كل ما ما هو شعبي"، ما يعني أن العديد من المشاريع التي دافع عنها حزب الخضر ستتم التضحية بها على مذبح "الأرثوذكسية الموازنية".

سيفضي ذلك إلى تقليص الإنفاق على الحد الأدنى الاجتماعي الذي دافع عنه حزب الخضر في برنامج التحالف إلى ملياري يورو، بعدما كان الحزب يطالب بتخصيص 12 مليار يورو لهذا البند.

ويقضي مشروع الموازنة بأن تقلص كل وزارة نفقاتها 3.5 مليارات ونصف مليار يورو، باستثناء وزارة الدفاع التي رفعت موازنتها 1.7 مليار يورو، طبقا لالتزامات سابقة تجاه حلف الناتو.

وُلد كريستيان ليندنر عام 1979 بمنطقة رينانيا في غرب ألمانيا، وترعرع في كنف والدته بعد طلاقها من والده، والتحق بالحزب الليبرالي الديمقراطي في سن السادسة عشرة، وإلى جانب نشاطه السياسي، تمكن من إكمال دراسته الجامعية في العلوم السياسية، كما أصبح ضابطاً احتياطياً في سلاح الجو.

في عام 2009 أصبح ليندنر عضواً في البرلمان الألماني، وفي نفس العام أصبح الأمين العام للحزب الليبرالي. وفي سن الرابعة والثلاثين فقط، أصبح زعيماً لليبراليين بعد فشل الحزب لأول مرة في تخطي حاجز الـ5 في المائة الذي يمكنه من دخول البرلمان في عام 2013. أسس شركة متخصصة في الاستشارات بالعلاقات العامة.

غير أنّ تجربته في مجال الأعمال لم تكن ناجحة، فعاشق السيارات، ما لبث أن جعل من السياسة نشاطه الأول، إذ استطاع أن يحيي الحزب الليبرالي الديمقراطي الذي تراجع في الساحة السياسية الألمانية، وهو ما تجلى في انتخابات 2013. في أوائل عام 2015، ظهر ليندنر على الصفحات الأولى للصحف، بعدما دافع بحماس أمام المجلس التشريعي حول أهمية ريادة الأعمال وكيف يستحق رواد الأعمال الفاشلون فرصة ثانية، عندها رد عليه أحد أعضاء الحزب الاشتراكي الديمقراطي: "هذا الفشل هو شيء لديك خبرة فيه".

رد ليندنر: "هذا الشخص بالذات فضل أن يكون لديه وظيفة آمنة في الخدمة العامة طوال حياته، بدلاً من التجرؤ على تأسيس شركة". قارنه البعض بوزير المالية الألماني أولاف شولتز، الذي تحمل مسؤولية المالية في حكومة أنجيلا ميركل، والذي رغم حرصه على التوازنات المالية، أجاز مخطط إنعاش بقيمة 750 مليار يورو، في ظل الجائحة.

إلا أن مراقبين يرون أن ألمانيا تتوفر على هوامش مالية من أجل التخفيف من ضغط القواعد الموازنية الصارمة، ويقول المنتقدون أن الهوامش المالية تسمح للحكومة بالمناورة، خاصة في ظل توافر صناديق خاصة تتيح لها من دون انزياحات موازنية، تقديم مساعدات للشركات والأسر لخفض ارتفاع الأسعار. بل إن أحد تلك الصناديق سمح للمستشار أولاف شولتز بصرف 100 مليار يورو من أجل إعادة تأهيل الجيش الألماني.

المساهمون