فخ إغراءات عودة المستثمرين لسورية: النظام يقدم ضمانات أبرزها عدم المصادرة

03 يونيو 2021
تدهور كبير للصناعات والحرف السورية (لؤي بشارة/فرانس برس)
+ الخط -

بدأ نظام بشار الأسد، بعد بقائه على كرسي السلطة الموروثة لفترة رئاسية رابعة وإعلان الأسبوع الماضي فوزه بانتخابات، تصفها المعارضة بالمسرحية، التحضير لاسترجاع رجال الأعمال والرساميل المهاجرة، خاصة من الدول العربية والإقليمية المجاورة.
ويكشف مستثمرون سوريون مقيمون في مصر وتركيا والسودان، لـ"العربي الجديد"، بدء تواصل "غير رسمي" معهم وتقديم الإغراءات والضمانات لنقل أعمالهم ورساميلهم إلى سورية، مضيفين أن مجالس رجال الأعمال المشتركة، وهي تنظيم غير حكومي، بدأت بتشكيل لجان، بالتعاون مع اتحاد غرف التجارة والصناعة وممثلين عن وزارة سورية، لتلتقي برجال الأعمال والصناعيين السوريين "لإيجاد تسوية للعودة".
وفي المقابل، تكشف مصادر رفيعة المستوى من دمشق، أن مجلس الوزراء في حكومة بشار الأسد، شكل لجنة للنقاش مع المستثمرين الذين غادروا سورية بعد عام 2011 "لتشجيعهم ودعوتهم إلى العودة إلى البلاد" بعد أن بات وضع الصناعة السورية "مزرياً"، على حسب وصف وزير الصناعة بحكومة الأسد، زياد صباغ، خلال مناقشة تشكيل اللجنة، وفق ما نقلت المصادر.

رئيس مجلس رجال الأعمال السوري المصري المشترك، خلدون الموقع يقود مفاوضات لإعادة مستثمرين سوريين من القاهرة

وتضيف المصادر، التي رفضت ذكر اسمها، لـ"العربي الجديد"، أن حكومة الأسد "ارتأت" خلال اجتماعها الأخير الأسبوع الماضي، أن الحل الوحيد لعودة الإنتاج المحلي وتخفيف فاتورة الاستيراد التي تستنزف القطع الأجنبي "هو عودة الرساميل السورية بأي شكل".
ويقول مستثمر سوري بقطاع النسيج في مدينة 6 أكتوبر بمصر، لـ"العربي الجديد"، إن التفاوض مستمر مع رجال الأعمال السوريين "منذ عامين للعودة إلى سورية"، لكن فترة ما بعد الانتخابات الأخيرة، تعاظمت، بقيادة رئيس مجلس رجال الأعمال السوري المصري المشترك، خلدون الموقع، للعودة وتقديم ضمانات وتعهدات "بطي صفحة الماضي".

ويؤكد المستثمر السوري، الذي طلب عدم ذكر اسمه، أن المزاج العام للمستثمرين السوريين بمصر "رافض العودة إلى سورية"، خاصة من كان لهم رأي في عنف النظام في مواجهة الثورة، مشيراً إلى أن خلدون الموقع يرمي بوعود وضمانات تشمل عدم الاعتقال "حتى لمن انتقد النظام والإفراج عن الأموال والممتلكات المحجوزة".
لكن الواقع الاقتصادي في سورية، بحسب المستثمر السوري، "غير مشجع على العودة، بصرف النظر عن السياسة، فتكاليف الإنتاج مرتفعة جداً، في ظل عدم توافر الطاقة والمواد الأولية وارتفاع أجر العمالة المتخصصة المتبقية داخل سورية، هذا إن لم نأت على تراجع القدرة الشرائية وضيق السوق المحلية، ما يعني أن أي استثمار أو عودة إلى سورية "مكللة بالخسائر والمخاطر".
ولم يخف رجل الأعمال السوري، "دراسة بعض المستثمرين العودة إلى سورية، خاصة بواقع ما يقال عن عودة العلاقات السورية مع الدول العربية، ما يعني أن رأس المال السوري المهاجر سيصبح محاصراً وفي خطر"، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن الإغراءات تتزايد هذه الأيام "تصل إلى حصص في إعادة الإعمار".

قدرت الأموال التي خرجت من سورية منذ العام 2011 بنحو 160 مليار دولار، أكثرها إلى لبنان ومصر وتركيا والإمارات

ومن تركيا، يؤكد أحد رجال الأعمال في قطاع التجميل والعطور، استحالة عودته إلى سورية، قائلاً: "أنا حصلت على جنسية تركية، وحتى لو لم أحصل عليها، لا يمكن أن أفكر في العودة"، مشيراً خلال حديثه لـ"العربي الجديد" إلى أن الواقع السياسي والاقتصادي في سورية، لا يشجع.
ويضيف: "أي مجنون يذهب للاستثمار في سورية حالياً، فإن لم نتوقف عند القتل والظلم، فالعمالة هاجرت والمنشآت دُمرت ولا يوجد بنى تحتية ومواد أولية، كما أن التضييق على التصدير وحيازة العملات الأجنبية، يصل حدود السجن لسبع سنوات، فمن يفكر أن يترك مناخاً جاذباً في تركيا ويخاطر بحياته وأمواله في سورية؟".
ويضيف المصدر، الذي وطّن منشأة لصناعة العطور ومواد التجميل برأسمال تأسيسي يبلغ 500 ألف دولار بريف إسطنبول، تصل منتجاتنا اليوم إلى أقطار عربية وأفريقية وأوروبية، ونلقى دعماً للتصدير وعدالة في المنافسة بالسوق التركية، كيف نهدم ما بنيناه خلال السنوات الماضية، لنذهب ونساهم في تقوية نظام الأسد وندفع الخسائر من أموالنا؟
وفي رده على سؤال: هل تم التواصل من قبل محسوبين على نظام الأسد مع المستثمرين السوريين بتركيا؟ يقول المصدر: تصلنا تلميحات بشكل مستمر وتزايدت هذه الفترة، من سوريين في تركيا لهم علاقات مع النظام "لكن الرفض سمة عامة لكثير من المستثمرين في تركيا".

ومن جانبه، أكد مستثمر بقطاع الغذائيات في الخرطوم، صهيب مصطفى، لـ"العربي الجديد"، "استحالة العودة إلى سورية، ولو صفيت أعمالي"، على حد قوله.
وأضاف مصطفى أن "ما الدعوات والإغراءات الصادرة من النظام سوى فخاخ". ويعتبر المستثمر السوري أن أعماله في السودان ناجحة، متوقعاً عدم تضيّق السودان بالسوريين، كما أشاع البعض قبل أشهر أن الخرطوم تريد ترحيل السوريين.
وليست فكرة دعوة رجال الأعمال السوريين بالدول المجاورة للعودة إلى سورية، جديدة على نظام الأسد، بحسب الاقتصادي السوري محمود حسين، بل تتكرر، خاصة في مصر، نظراً لضخامة رأسمال السوريين، موزعاً على استثمار العقارات والمصانع والمطاعم ومحلات تجارية.
ويذكّر حسين، في حديثه لـ"العربي الجديد"، بأن نظام الأسد شكل لجنة في فبراير/شباط 2019، بعد المؤتمر الصناعي بدمشق، لإغراء الصناعيين السوريين، خاصة في مصر، للعودة إلى سورية، ولكن وقتذاك، لم يتم تقديم أي ضمانات حول جدولة القروض المتعثرة ولا الأموال والمنشآت المحجوز عليها احتياطياً "لكن الوضع ربما تغيّر بعد صدور قانون الاستثمار الجديد".
ويقول: "أما اليوم، وبعد صدور قانون الاستثمار الجديد، ربما تبدأ بعض الأموال بالعودة، خاصة في الدول التي أعادت علاقاتها مع الأسد، ومنها الإمارات، أو لاحقاً مصر والسعودية".

أكد مستثمر بقطاع الغذائيات في الخرطوم، صهيب مصطفى، لـ"العربي الجديد"، "استحالة العودة إلى سورية، ولو صفيت أعمالي"

وحول حجم الأموال السورية التي هاجرت بعد اندلاع ثورة 2011، يقول الاقتصادي السوري إنه لا يوجد إحصاء أو رقم دقيق، لكن مراكز بحثية، منها مركز مداد من داخل سورية، قدرت الأموال التي خرجت من سورية بنحو 160 مليار دولار، أكثرها إلى لبنان ومصر وتركيا والإمارات.
وكان نظام بشار الأسد قد أصدر، الشهر الماضي، قانون الاستثمار رقم 18 لعام 2021، وهو، بحسب تصريح وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية، محمد سامر الخليل، يعكس سياسة الدولة التنموية ويضمن تحقيق بيئة استثمارية تشجع رؤوس الأموال الخارجية وتحمي رؤوس الأموال المحلية.

وفيما اعتبره مراقبون رسالة إلى رأس المال السوري المهاجر والهارب، قال خليل: إن القانون ركز على آلية تسوية المنازعات، مع إدخال الطرق الودية والتحكيم، إضافة إلى القضاء المختص.

كما أن مواد القانون تؤكد على مبدأ تكافؤ الفرص والمعاملة العادلة بين جميع المستثمرين، إضافة إلى حرية الاستثمار، ومنع الاحتكار في مختلف النشاطات الاقتصادية.

المساهمون