وقَّع الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، على قانون المالية لعام 2022 في 31 ديسمبر/كانون الأوّل الماضي، بغية وضع حدٍّ رسمي للدعم المباشر الذي أفاد الأغنياء أكثر بكثير من الفقراء، ووسَّع الفجوة بين الاثنين، وكذا استبدال دعم السلع الأساسية بمساعدات مباشرة للأسر الأكثر احتياجاً.
ومن المقرر أن يتمّ تنفيذ القانون، بالرغم من الافتقار إلى جهاز إحصائي موثوق به وكامل، لاستهداف أولئك الذين يحتاجون حقّاً إلى الدعم، وذلك علاوة على توسُّع القطاع غير الرسمي، إلى درجة يستحيل فيها تحديد ما يكسبه فعلاً أولئك الذين ينشطون فيه، لاسيَّما من الفئات المتوسِّطة والفقيرة المعنية بالدعم المستهدف.
عقب التوقيع على قانون المالية لعام 2022، قرَّرت المخابز رفع سعر رغيف الخبز المُدعَّم بشكل غير قانوني من 10 دنانير (0.07 دولار) إلى 15 ديناراً (0.11 دولار)، كخطوة استباقية لحماية هامش أرباحهم، خصوصاً في ظلّ ارتفاع التكاليف المرتبطة بصناعة الخبز.
أقدم بعض سائقي سيارات الأجرة بشكل ارتجالي على رفع الأسعار، مبرِّرين ذلك بالغلاء الفاحش الذي بدأ يضرب أطنابه في الأسواق الجزائرية ويكاد يصيب كل سلعة
كما أقدم بعض سائقي سيارات الأجرة بشكل ارتجالي على رفع الأسعار، مبرِّرين ذلك بالغلاء الفاحش الذي بدأ يضرب أطنابه في الأسواق الجزائرية ويكاد يصيب كل سلعة.
وارتفعت أسعار الخضار والفواكه والمعجنات ومشتقات الألبان، واختفت بعض المنتجات الغذائية مثل الزيت والسكر والحليب المُعلَّب من أرفف المحلات التجارية بسبب النقص الحادّ في العرض، رغبة المنتجين في رفع الأسعار، القيود الحكومية على شراء المواد الوسيطة، سياسة كبح الواردات للتفاخر بميزان تجاري موجب ولو عنوة، الاحتكار والسلوكيات الكيدية للمضاربين، والفوضى التي تسبَّب بها تهافت المستهلكين بشكل غير عقلاني على شراء كميات أكبر من تلك المواد بغرض تخزينها ومخافة نفادها.
يتسبَّب كل من غياب الرقابة وسلوكيات المنتجين والمضاربين والمحتكرين الأنانيين في الضغط على القدرة الشرائية للمواطنين، والمسّ بالاستقرار الاجتماعي للشرائح الفقيرة والمتوسِّطة، وتكريس أجواء القلق وعدم اليقين.
وتعكس هذه الحالة بداية أعراض تقويض السلم الاجتماعي وانفجار شعبي وشيك؛ وإذا ازداد ارتفاع منسوب البؤس والتذمُّر والغضب الشعبي يوماً بعد يوم سيؤدِّي لا محالة إلى انطلاق شرارة المظاهرات الرافضة لغلاء الأسعار، وتفجير مواجهة شعبية مع السلطة، وإحداث ارتباك سياسي واستئناف الحراك الشعبي وإعادته إلى زخمه السابق بعد أن تمكَّنت جائحة كورونا من إخماده.
بطبيعة الحال سيمسّ تنفيذ الدعم المنصوص عليه في قانون المالية لعام 2022 أسعار المحروقات، الأمر الذي سينجرّ عنه وبشكل آلي تأثير كرة الثلج المتدحرجة التي تتجمَّع حولها زيادات في أسعار سلع وخدمات أخرى وتتعاظم كلما تحرَّكت في منزلق التضخّم، وستكون الفترة القادمة حبلى بالتطوُّرات، فهل ستختار الحكومة المماطلة في التطبيق الآني للدعم المستهدف؟ أم ستختار التطبيق التدريجي الذي قد يمتدّ على مدى عامين أو ثلاثة أعوام وربما أكثر؟
ستكون الفترة القادمة حبلى بالتطوُّرات، فهل ستختار الحكومة المماطلة في التطبيق الآني للدعم المستهدف؟ أم ستختار التطبيق التدريجي الذي قد يمتدّ على مدى عامين أو ثلاثة أعوام وربما أكثر؟
عند النظر إلى النصف المملوء من الكأس، تمَّ رفع الأجور ابتداءً من أول يناير/كانون الثاني الجاري، نتيجة تخفيض الضريبة على الدخل الإجمالي في إطار إجراءات قانون المالية لعام 2022، حيث استفادت أكبر شريحة من الموظفين في القطاع الحكومي من زيادات تتراوح ما بين 2500 دينار (17.86 دولارا) و3600 دينار (25.71 دولارا).
كما سيستفيد موظفو القطاع العام من زيادات في رواتبهم بسبب رفع النقطة الاستدلالية، حيث أعلن الوزير الأول وزير المالية، أيمن بن عبد الرحمان، يوم 6 يناير 2022 أنّ مراجعة النقطة الاستدلالية في الوظيف العمومي ستدخل حيِّز التنفيذ قبل نهاية شهر إبريل/نيسان المقبل.
وتشير التوقُّعات إلى رفع تلك النقطة من 45 ديناراً (0.32 دولار) إلى 65 ديناراً (0.46 دولار)، مما يحقِّق زيادة في الراتب تتراوح بين 4000 دينار (28.57 دولاراً) و15 ألف دينار (107.15 دولارات).
وفي ما يتعلّق بمكافحة البطالة، تضمَّن قانون المالية لسنة 2022 الذي وقَّعه الرئيس تبون تخصيص منح للبطالة تُمنح للبطالين طالبي الشغل لأوّل مرّة والمسجَّلين لدى مصالح الوكالة الوطنية للتشغيل.
وبحسب المدير العام لهذه الوكالة، ستشمل منحة البطالة حوالي 800 ألف عاطل عن العمل، وتتراوح قيمة المنحة الشهرية بين 8000 دينار (57.15 دولارا) و15 ألف دينار (107.15 دولارات) حسب المستوى التعليمي للعاطل عن العمل، والمنطقة الجغرافية التي يقطن بها، إذ خصَّصت الجزائر مبلغاً قدره 142 مليار دينار (750 مليون دولار) لعملية توزيع منح البطالة على مستحقِّيها.
عند النظر إلى النصف الفارغ من الكأس، لن يؤتي رفع النقطة الاستدلالية لأقلّ من 100 دينار (0.71 دولار) أكله، ولن يحقِّق التحسُّن المرجو في القدرة الشرائية التي أنهكها الغلاء الفاحش وأرهقها التضخّم المتوحِّش.
لن تتمكَّن الزيادات البسيطة الناتجة عن تخفيض الضريبة على الدخل الإجمالي من تعويض أغلب الموظفين ن خسارتهم الكبيرة في القوة الشرائية
ولن تتمكَّن تلك الزيادات البسيطة الناتجة عن تخفيض الضريبة على الدخل الإجمالي من تعويض أغلب الموظفين العموميين عن خسارتهم الكبيرة في القوة الشرائية، خاصّة في ظلّ ارتفاع معدل التضخّم.
فقد كشف محافظ البنك المركزي الجزائري، رستم فاضلي، عن وصول معدل التضخّم إلى 9.2 بالمائة في نهاية شهر أكتوبر/تشرين الأوّل 2021، وهي حقيقة لاحظها الجزائريون منذ بداية العام الماضي، حين ارتفعت أسعار العديد من المنتجات الاستهلاكية بما يتجاوز الـ 100 بالمائة، وستتواصل تلك الزيادات خلال العام الجاري لعوامل أخرى، كارتفاع أسعار الغذاء في السوق الدولية، التضخّم المستورد، الاعتماد المفرط على الاستيراد، والانخفاض المستمرّ لقيمة الدينار.
وبالرغم من أهمية تخصيص منح بطالة للعاطلين عن العمل، فإنّها لا تعدو كونها مجرَّد مسكِّنات مؤقَّتة وغير فعّالة في تأمين الحدّ الأدنى من العيش الكريم للشباب البطال والتخفيف من حدّة الفقر والحرمان والتقليل من التفاوت الاجتماعي.
ومن الواضح أنّ هناك حاجة ماسة لمزيد من الجهود الحكومية لتشجيع القطاع الخاص وجذب الاستثمارات وتشجيع كافة الأنشطة التي من شأنها خلق فرص عمل جديدة للشباب الجزائري وتخفيض نسبة البطالة البالغة 11.5 بالمائة.
خلاصة القول، من المُتوقَّع أن يكون العام الجديد محفوفاً بالشكوك حول تطوُّر القوة الشرائية والتوظيف وتحسين ظروف الفئات المستضعفة الهشّة الأكثر احتياجاً، نتيجة الغموض الذي يكتنف كيفية تنفيذ إصلاح الدعم المنصوص عليه في قانون المالية لعام 2022 وآليات استهداف الأسر ذات الدخل المنخفض والمعدوم، والتي من دونها لن تكون هناك جدوى من تنفيذ هذا الدعم المستهدف، فالافتقار للآلية المناسبة للتطبيق يجعل من أي سياسة إصلاحية مجرَّد خطوة إلى الأمام وخطوات إلى الوراء.