عجز في الأسمدة والرقائق... الإمدادات المتراجعة تهدد غذاء العالم وصناعاته

01 فبراير 2022
مزارع مصري في محافظة المنوفية شمال القاهرة (محمد الشاهد، فرانس برس)
+ الخط -

عجزان حرجان في إمدادات سلعتي الأسمدة والرقائق الإلكترونية، يمكن أن يؤديا إلى إفساد الاقتصاد العالمي خلال العام الجاري 2022، ما يفرض على معظم الحكومات وكذلك الشركات الكبرى المتأثرة بهاتين السلعتين مراقبتهما عن كثب.

وفقًا للمركز الدولي لتطوير الأسمدة، يمكن أن تؤدي الأسعار المرتفعة للغاية لهذه السلعة الحيوية، إلى انخفاض الإنتاج الزراعي، ما يفاقم من موجات الغلاء التي لم تعد تعصف فقط بالمستهلكين في الدول ذات الموارد المحدودة، وإنما أيضا بالبلدان الغنية والاقتصادات المتقدمة.

وكان من المفترض أن يكون 2022 عام عودة الأمور إلى طبيعتها، بعدما أضرت جائحة فيروس كورونا على مدار العامين الماضيين بالإنتاج وسلاسل التوريد في الاقتصادات العالمية، لكن الوضع في ما يتعلق بإمدادات الأسمدة والرقائق الإلكترونية يسوء وفق مؤشرات شهر يناير/كانون الثاني الذي انقضى، أمس الإثنين، بينما من المرجح استمرار الأزمة خلال العام بأكمله، وفق تقرير لموقع "ZeroHedge" الاقتصادي المتخصص في رصد التطورات التجارية والمالية حول العالم.

تفاقم الجوع الحاد

من مزارع الذرة والبن والأفوكادو في أميركا الجنوبية إلى مزارع جوز الهند ونخيل الزيت في جنوب شرقي آسيا، تؤثر أسعار الأسمدة المرتفعة على المزارعين في جميع أنحاء العالم النامي، ما يجعل الزراعة أكثر تكلفة، مما يجبر الكثيرين على تقليص الإنتاج.

وهذا يعني أن فواتير البقالة يمكن أن ترتفع أكثر خلال العام الجاري، بعد عام ارتفعت فيه أسعار المواد الغذائية العالمية إلى أعلى مستوياتها في عقد من الزمان. وسيؤدي الارتفاع إلى تفاقم الجوع الحاد بالفعل في بعض أجزاء العالم، بسبب فقدان الوظائف المرتبط بالوباء، وإحباط جهود السياسيين ومحافظي البنوك المركزية لقمع التضخم.

وفقًا للمركز الدولي لتطوير الأسمدة، يمكن أن تؤدي أسعار الأسمدة المرتفعة للغاية إلى انخفاض الإنتاج الزراعي في أفريقيا وحدها "بما يعادل الاحتياجات الغذائية لـ 100 مليون شخص".

وفي يناير/ كانون الثاني الماضي، أشارت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو) إلى أنّها لا ترى مجالاً للتفاؤل باستقرار سوق الغذاء في 2022، إذ ارتفع متوسط مؤشر "الفاو" لأسعار الغذاء لعام 2021 بنسبة 28.1% عن العام السابق.

وقبل أيام قليلة، ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" في تقرير لها أن ارتفاع أسعار الأسمدة يلقي بثقله على المزارعين في جميع أنحاء العالم النامي، ما ينذر بالسوء.

نقص في الغذاء

وفي بيانات أوردتها وكالة بلومبيرغ الأميركية نهاية يناير/كانون الثاني، فإن أسعار الأسمدة ارتفعت ثلاثة أمثال خلال الشهور الـ18 الماضية، مشيرة إلى أن الكثير من المزارعين حول العالم يبحثون الاستغناء عن شراء الأسمدة هذا العام.

وتسجل منطقة أفريقيا جنوب الصحراء بالفعل أدنى معدلات استخدام الأسمدة في العالم، بمتوسط 12 كيلوغراما للهكتار الواحد (الهكتار يعادل 10 آلاف متر مربع)، مقارنة بالمتوسط العالمي الذي يبلغ 110 كيلوغرامات.

ونقلت بلومبيرغ، عن سيباستيان ندوفا، المسؤول في مجموعة "أفريكا فرتيليزر" للأبحاث قوله: "قد نرى سيناريو تتراجع فيه المحاصيل، وهو ما يعني إما أن تضطر الحكومة إلى تعديل ميزانياتها واستيراد الغذاء، أو حدوث نقص في الغذاء".

ولن يؤثر ارتفاع أسعار الأسمدة على الدول الفقيرة والاقتصادات النامية فقط وإنما على البلدان الغنية والاقتصادات الكبرى، ومنها الولايات المتحدة الأميركية، وفق تصريحات أخيرة للسناتور روجر مارشال عضو مجلس النواب، مشيرا إلى أن هذه الأزمة ستؤثر بشدة على أميركا أيضا.

وقال مارشال: "ليس سرا أن المزارعين يواجهون أزمة الأسمدة، إذ ارتفعت أسعار الأسمدة القائمة على الفوسفور والبوتاسيوم بأكثر من الضعف في ولاية كانساس (غرب وسط) بينما تضاعفت أسعار الأسمدة القائمة على النيتروجين أكثر من أربعة أضعاف".

وأضاف: "الأسمدة ضرورية ليس فقط لتغذية البلد، ولكن العالم، فهي تحتوي على العناصر الغذائية الأساسية للحياة النباتية، وبدونها ستعاني المحاصيل الزراعية الأميركية بسرعة وكذلك أسعار المواد الغذائية في متاجر البقالة المحلية، وهذه الأسعار المجنونة للأسمدة ستجعل من المستحيل على العديد من المزارعين الأميركيين زراعة المحاصيل بشكل مربح هذا العام، ما يعني أنه ستتم زراعة كميات أقل من الطعام".

سماد من النفايات في كوريا الشمالية

على الجانب الآخر من العالم، تطلب حكومة كوريا الشمالية من مواطنيها البدء في إنتاج سماد "محلي الصنع" من نفاياتهم. كما فرضت الصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم حواجز جمركية على مصدري الأسمدة لحماية الإمدادات المحلية وتلبية احتياجات المزارعين هناك. ومنذ ذلك الحين، والسوق الدولية للأسمدة تعاني، إذ تشهد صدمات غير مسبوقة في العرض وأسعاراً قياسية.

ترتبط أسعار الأسمدة في العالم ارتباطًا وثيقًا بالصادرات من الصين، التي تعد موردا رئيسيا لليوريا والكبريتات والفوسفات، وتشارك وحدها بحوالي 30% من تجارة الأسمدة العالمية.

وفي أوروبا يعاني الكثير من الشركات المنتجة في ظل أزمة الغاز التي تعصف بالقارة العجوز، إذ تعتمد أنواع رئيسية من الأسمدة على الغاز الطبيعي.

ويستهلك إنتاج كل طن من اليوريا والأمونيا حوالي 28 مليون وحدة حرارية (وحدة قياس الغاز). والغاز في حالة نقص شديد، ما اضطر مصانع الأسمدة في أوروبا إلى تقليص الإنتاج أو الإغلاق في بعض الحالات.

وارتفع مقياس أسعار الأمونيا في أوروبا الغربية، المستخدم في صناعة الأسمدة النيتروجينية، إلى أعلى مستوى في 13 عاماً، ليلامس ألف دولار للطن المتري.

ومن أزمة الأسمدة إلى أزمة أخرى يشهدها العام الجاري تتمثل في استمرار نقص الرقائق الإلكترونية (أشباه الموصلات)، التي يعتمد عليها الكثير من الصناعات المتطورة لاسيما السيارات والأجهزة الطبية والإلكترونية بمختلف أنواعها.

وفقًا لتقرير حديث صادر عن وزارة التجارة الأميركية نهاية يناير/ كانون الثاني الماضي، أصبحت مخزونات الرقائق في جميع أنحاء البلاد ضعيفة بشكل خطير.

وأشار التقرير إلى أن متوسط المخزون الذي يحتفظ به مستهلكو الرقائق (بما في ذلك شركات تصنيع السيارات أو مصنعو الأجهزة الطبية، كأمثلة) قد انخفض من 40 يومًا في عام 2019 إلى أقل من 5 أيام في عام 2021.

ويأتي نقص الرقائق بسبب أزمة سلاسل التوريد العالمية المستمرة منذ العام الماضي، بسبب تداعيات جائحة فيروس كورونا.

ووفق وزيرة التجارة الأميركية جينا رايماندو، فإن نقص الرقائق أدى إلى "خسارة 210 مليارات دولار في الإيرادات" لشركات صناعة السيارات فقط في 2021.

وبحسب موقع "ZeroHedge"، فإن الدعوات المطالبة بإنشاء المزيد من مصانع إنتاج الرقائق الإلكترونية بغرض زيادة المعروض العالمي لن تكون بهذه السهولة، مشيرا إلى أن بناء مصانع الرقائق يستغرق وقتًا طويلاً جداً، وقد تستغرق أزمة نقص الرقائق حتى عام 2023 قبل أن تعود الأمور إلى طبيعتها.

اختبار تاريخي لقطاع السيارات

وتعدُّ أزمة الرقائق اختباراً تاريخياً لقطاع السيارات، في الوقت الذي يحاول المنتجون تسريع التحول نحو السيارات الكهربائية الذكية.

وغالبية مصانع الرقائق الإلكترونية موجودة في آسيا، التي تستحوذ على 87% من الحصة السوقية لمصانع أشباه الموصلات، حيث تمثل تايوان وحدها حوالي 63%، بينما تتخوف الشركات التي تعتمد في صناعاتها على الرقائق من تأثر الإنتاج كذلك بالمناخ السياسي إذ تشهد العلاقات ين تايوان والصين توترات.

وكان حجم الاستثمار الأميركي في صناعة أشباه الموصلات بطيئاً، وتعتمد الصناعة الأميركية على الاستيراد من دول جنوب شرقي آسيا، خاصة تايوان. وتسببت الأزمة في تعطيل بعض خطوط إنتاج شركات السيارات خلال 2020 والأشهر الأولى من العام الماضي.

المساهمون