دول كبرى تتحسب لأزمة كهرباء ... وخطر جديد قادم من روسيا

دول كبرى تتحسب لأزمة كهرباء... وخطر جدديد قادم من روسيا

20 يونيو 2022
بوتين في اجتماع مع المدير العام لشركة روسأتوم أليكسي ليخاتشيف (Getty)
+ الخط -

تصاعدت المخاوف في كثير من دول العالم من أزمة كهرباء في الصيف، حتى وصل الأمر بدول كبرى مثل أستراليا إلى أن تطلب من السكان خفض استهلاك الكهرباء تجنبا لانقطاع التيار، في حين عادت دول كبرى أخرى مثل ألمانيا إلى استخدام محطات التوليد التي تعمل بالفحم الحجري وتراجعت عن سياسات الطاقة النظيفة. وفي دولنا العربية، بدأت دول مثل العراق الاستعداد مبكرا لمواجهة أزمة انقطاع التيار.

ولا يتوقف أمر أزمة الكهرباء حول العالم، خاصة في أوروبا، على تراجع إمدادات الطاقة خاصة الغاز، بل ظهرت مشكلة أخرى، حيث تتخوف دول العالم من مواجهة جديدة في توليد الكهرباء خلال الشتاء المقبل، بسبب احتمال عرقلة روسيا إمدادات الوقود النووي للمحطات الكهربائية في أميركا وأوروبا. وفي حال حدوث سيناريو كهذا، فإن سعر رطل اليورانيوم ربما يرتفع من 60 إلى 200 دولار.

وحتى الآن، يجرى التركيز على الأخطار التي تواجه القوى الغربية من الحرب الروسية في أوكرانيا وتداعيات العقوبات المالية، من زوايا الأزمات التي نشأت بسبب ارتفاع أسعار النفط والغاز الطبيعي والغذاء.

لكن قلقاً ظهر لدى واشنطن وحلفائها من احتمال أن تشهر روسيا سلاح "الوقود النووي"، المشغل الرئيسي لمولدات الطاقة النووية والمستخدم بكثافة في توليد الكهرباء في كل من أوروبا وأميركا والعديد من دول المنطقة العربية، خاصة مصر وتركيا.

وحسب تقرير لمركز "سياسات الطاقة العالمية “بجامعة كولومبيا الأميركية في نيويورك، فإن الكونغرس الأميركي يناقش حالياً كيفية التعامل مع احتمال عرقلة إمدادات الوقود النووي الروسي لمحطات توليد الكهرباء النووية، خاصة إذا قررت موسكو استخدام الوقود النووي سلاحا جديدا إلى جانب الغاز والنفط في الحرب الروسية على أوكرانيا.
ويرى تقرير مركز "سياسات الطاقة العالمية" أنه يمكن أن تشعل روسيا أزمة جديدة في توليد الكهرباء بالدول الغربية، وهنالك مخاوف من أن تستخدم هذا السلاح في الشتاء المقبل، خاصة أن هنالك قلقا من استمرار الحرب مدة أطول من العام الجاري.

وتعتمد 32 دولة في العالم على روسيا في إمدادات الوقود النووي وبنسب متفاوتة، خاصة بعض الدول الأوروبية التي تخوض مواجهة رئيسية مع روسيا، حيث تعتمد فرنسا بنسبة 69% على الطاقة النووية الروسية، وهنغاريا بنسبة 46%، وفنلندا بنسبة 34%، والسويد بنسبة 31%.
على الجانب الآخر من الأطلسي، تعتمد أميركا بنسبة 20% من الكهرباء على التوليد النووي، ولا يستبعد خبراء أن تؤدي أي عرقلة في إمدادات الوقود النووي الروسي إلى ارتفاع جنوني في أسعار الغاز الطبيعي، البديل المثالي في توليد الكهرباء.
ووفق محللين، فإن المعضلة الرئيسية التي تواجه الدول الغربية هي أنها تسعى إلى تجفيف منابع تمويل آلة الحرب الروسية من دون أن تسبب المزيد من المتاعب لاقتصاداتها.

وحسب نشرة "كونفرسيشن" الأسترالية التي تعنى بالأبحاث الأكاديمية، فإن هنالك نحو 440 مفاعلا لتوليد الكهرباء تعمل بالطاقة النووية، وتنتج نحو 10% من إمدادات الكهرباء في العالم.

ولدى الولايات المتحدة أكبر عدد من المولدات النووية في العالم، حيث يوجد فيها نحو 93 مفاعلاً لتوليد الكهرباء نووياً، تليها فرنسا بنحو 56 مفاعلاً نووياً، والصين نحو 53 مفاعلاً نووياً.
ورغم أن روسيا ليست من المنتجين الكبار لليورانيوم، حيث تنتج نحو 5% فقط من إجمالي الإنتاج العالمي، فإنها تسيطر على موارد اليورانيوم في منطقة آسيا الوسطى. حيث تأتي إمدادات العالم من اليورانيوم بمعظمها من كازاخستان التي تقع مباشرة تحت النفوذ الجيوسياسي والأمني والعسكري الروسي.

وتنتج كازاخستان نحو 40% من إجمالي الإنتاج العالمي من اليورانيوم، كما تنتج أوزبكستان وباقي دول آسيا الوسطى كميات كبيرة من اليورانيوم، حيث تقدر نشرة "كونفرسيشن" أن روسيا تهيمن على نحو 50% من الإنتاج العالمي من اليورانيوم عبر هيمنتها على آسيا الوسطى.
في مقابل ذلك، فإن إنتاج أوروبا وأميركا من اليورانيوم لا يتجاوز نسبة 1% من إجمالي الإنتاج العالمي. وتمر إمدادات اليورانيوم من كازاخستان إلى روسيا، التي تقوم بمعالجته وبيعه في الأسواق العالمية.

وربما يكون اليورانيوم، إلى جانب ثروات الذهب والمعادن الأخرى، سبب تدخل روسيا العسكري المباشر في آسيا الوسطى ووضع مجموعة كبيرة من القواعد العسكرية في أراضيها وتعيين حكام البلاد. وهذه الهيمنة على آسيا الوسطى هي التي جعلت منها قوى عظمى في إمدادات اليورانيوم في العالم.

وحسب بيانات رسمية، تحوز روسيا على نسبة 43% من إجمالي إنتاج اليورانيوم المخصب في العالم، أي اليورانيوم الذي يستخدم في الوقود النووي، مقارنة بالولايات المتحدة التي تحوز على نسبة 7% فقط.

ووفق بيانات مركز سياسات الطاقة العالمية، فإن الولايات المتحدة تعتمد بنسبة تراوح بين 16 إلى 20% على استيراد إمدادات اليورانيوم الخام من روسيا. وتقوم الشركات الأميركية بمعالجته محلياً لاستخدامه في توليد الكهرباء.
ويرى خبراء أنه في حال عرقلت روسيا إمدادات اليورانيوم للدول الغربية كما تفعل حالياً مع القمح والغاز الطبيعي، فإن ذلك سيعني عملياً مواجهة الدول الغربية أزمات حقيقية في توليد الكهرباء، خاصة فرنسا، التي تعتمد بنسبة 60% في مفاعلات توليد الطاقة النووية على استيراد الوقود الروسي.

وربما يفسر هذا سر تردد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في إغلاق باب المفاوضات مع روسيا، وحرصه على ترك الباب مفتوحاً أمام تسوية للأزمة مع أوكرانيا. وحسب نشرة " كونفرسيشن"، فإن أية أزمة تنشأ من عرقلة واردات الوقود النووي الروسي، لن تُحلّ في وقت قصير، وربما تستمر نحو عامين على الأقل.

وكانت الحرب الروسية في أوكرانيا قد دفعت أسعار اليورانيوم إلى أعلى مستوياتها خلال العام الجاري، حيث كانت الأسعار متدنية جداً بسبب كارثة مفاعل فوكوشيما في اليابان، التي هزت الثقة في استخدام الطاقة النووية في توليد الطاقة، خاصة في ألمانيا التي أوقفت المفاعلات النووية واعتمدت على الغاز الطبيعي. وكانت نتيجة ذلك توقيع عقد إنشاء "نورد ستريم ــ2" لتعويض الفاقد في الطاقة النووية التي أغلقت محطاتها.
وخلال العقد الماضي، ومنذ كارثة مفاعل فوكوشيما، شهدت أسعار اليورانيوم هبوطاً حاداً، حيث تراوح، حسب نشرة "كيمكو" الأميركية المتخصصة في سوق الوقود النووي وأسعار اليورانيوم، سعر رطل اليورانيوم بين 20 و30 دولاراً في أفضل الأحوال.

لكن الأسعار بدأت تتحرك وبشكل جنوني في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا، حيث ارتفعت الأسعار إلى 60 دولاراً ثم إلى 65 دولاراً في إبريل/ نيسان الماضي، حسب نشرة " كيمكو".

ويتوقع خبراء في تجارة اليورانيوم أن ترتفع الأسعار وبشكل جنوني في حال عرقلت روسيا إمدادات اليورانيوم المخصب أو اليورانيوم الخام، وأن تصل إلى 200 دولار للرطل الواحد، قبل أن تتراجع إلى مائة دولار.

لكن هذه الأسعار الجنونية المتوقعة تعتمد على حدوث حالة من الذعر في سوق اليورانيوم العالمي، وفي حال عجزت الولايات المتحدة وحلفائها في الغرب عن إقناع المنتجين في أفريقيا بالمساعدة على تخطي أزمة النقص المريع في اليورانيوم.

ورغم أن الولايات المتحدة ستكون من بين كبار الدول المتضررة من عرقلة موسكو إمدادات اليورانيوم الخام في العالم، إلا أنها ستفتح فرصاً تجارية واسعة لشركاتها التي تملك الخبرات التقنية في مجال معالجة اليورانيوم لصالح الدول العالمية، التي تعاني من نقص الوقود النووي لمفاعلاتها.

كما أن أزمة إمدادات اليورانيوم ستفتح الباب مجدداً أمام إمكان ترك آسيا الوسطى، الغنية باليورانيوم والمعادن والطاقة، النفوذ الروسي، وما إذا كانت واشنطن ستعمل على محاصرة نفوذ موسكو في أفريقيا.

ويذكر أن أسعار الغاز الطبيعي التي تضاعفت خلال العام الجاري بسبب الحرب الروسية في أوكرانيا، ربما ستجبر العديد من الدول إلى اللجوء إلى استخدام التوليد النووي في تغذية شبكات الكهرباء.
في هذا الصدد، قال نائب رئيس معهد الطاقة النووية جون كوتيك، لنشرة "أي أن أن" التي تهتم بأخبار اليورانيوم واستثماراته، إن استخدام اليورانيوم في توليد الطاقة الكهربائية يواصل الارتفاع في العالم، وإن استخداماته في توليد الطاقة النظيفة بلغت نسبة 10% من إجمالي توليد الكهرباء، وهو بهذه النسبة يمثل ثاني أكبر مصدر لتوليد الطاقة التي لا تعتمد على الوقود الإحفوري.

وعلى الرغم من أن هذا الرقم قد لا يرتفع خلال العام الجاري وفقاً لحساب عدد المولدات النووية تحت التشييد، لكن الخبير كوتيك لاحظ أن هنالك رغبة لدى دول العالم في بناء المزيد من محطات توليد الكهرباء عبر المفاعلات النووية خلال العقود المقبلة.

المساهمون