دواء السوريين المرّ: ارتفاع في الأسعار وتزايد كلفة الاستشفاء

10 فبراير 2024
تراجع في الطلب على الأدوية (أنور عمرو/ فرانس برس)  
+ الخط -

 تقول السيدة" فطينة"، من منطقة "بالكلاسة" في حلب، إن تكاليف معالجة "الرشح" بعد تفشي الفيروس في فصل الشتاء تزيد عن أجرها الشهري، وهي المتقاعدة من إحدى شركات القطاع الحكومي (أجرها نحو 70 ألف ليرة، ما يعادل نحو خمسة دولارات أميركية)، ما دفعها للاكتفاء بالمشروبات الساخنة وعلاج "السيتامول" لتخفيف آلام الرأس.

وكشفت عبر اتصال أن سعر عبوة "الأزيثرومايسين" نحو 13 ألف ليرة، ومسكن السيتامول المنتج محلياً نحو 8000 ليرة، فيما يراوح ثمن دواء السعال بين 10 و15 ألف ليرة وحقن الرشح من أربع جرعات نحو 20 ألف ليرة سورية.

وتشير السيدة السورية إلى أنها مريضة ضغط دم، ولكن سعر العبوة التي تكفيها شهرياً "مقدور عليها"، لأن الأهم برأيها توفر الدواء بعد موجات الندرة في نهاية العام الماضي قبل رفع الأسعار، حيث كانت تعاني حينذاك لتأمين دوائها تهريباً وبسعر مرتفع، "يمكن أن تطبخ أي شيء ولكن العلاج محدد ولم يكن متوافراً بالصيدليات".

ومن العاصمة السورية دمشق يفيد لؤي ماليل (أعمال حرة)، بأن الأسرة التي يعاني أحد أفرادها مرضاً مزمناً تعيش أزمة في تأمين علاجه طيلة أيام الشهر، لأن تكاليف العلاج أعلى من الدخل، مبيناً أن سعر عبوتي دواء مرضى السكر نحو 70 ألف ليرة، في حين أدوية مرضى الكلى أو السرطان "كارثية إن لم يتبرع أولاد الحلال".

وحول دور المشافي الحكومية بتأمين علاجات تلك الأمراض أو غسيل الكلى الدوري لمرضى الكلى، يؤكد ماليل لـ"العربي الجديد"، أن مجرد الدخول إلى مشافي "المواساة أو المجتهد" بدمشق بحاجة إلى "واسطة كبيرة" ولا توجد كل الأدوية لمن يدخل، و"الأعذار مستمرة حول تعطّل الأجهزة وقلة الدواء"، كما أن مشفى "الأسد الجامعي" بات مأجوراً والدخول إلى قسم نصف المأجور أقرب إلى المستحيل.

رفع متواصل لأسعار الدواء

لا يستبعد تاجر الدواء أحمد صمودي رفع أسعار الدواء خلال الربع الأول من العام الحالي، إذا استمر تراجع سعر الليرة التي هوت إلى نحو 15 ألفاً مقابل الدولار، لأن مكونات الدواء والمواد الفعالة جميعها مستوردة من الخارج ولا يلقى الدواء دعماً ولا حتى بسعر الدولار الرسمي "دعك مما يقال عن دعم منصة المستوردات".

ويرى تاجر الدواء أن العلة بسعر العملة السورية المتدهورة، لأن سعر الدواء بسورية ورغم الرفع المستمر، لا يزال يساوي الأسعار في الدول المجاورة أو حتى أقل، "وإلا لنشط التهريب من الأردن ولبنان، في حين نرى أحياناً العكس، يخرج الدواء من سورية لبعض دول الجوار"، ويلفت في الوقت نفسه في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن تراجع عدد منشآت تصنيع الدواء يؤثر كثيراً على العرض والطلب والأسعار.

وحول وفرة الدواء، يؤكد المتخصص الصمودي أن الصيدليات اليوم لا تعاني من نقص الدواء، فـ"العرض كبير" ولكن حركة البيع، عدا المسكنات وأمراض الشتاء، محدودة جداً، "لأن الأسعار صراحة أكبر من القدرة الشرائية"، مبيناً سريان مبيع أنصاف العبوات الدوائية، والصيادلة يقبلون ذلك لتلبية حاجة المرضى ولتحريك المبيعات بواقع ركود كافة القطاعات.

وكانت حكومة بشار الأسد قد رفعت في العام الماضي أسعار الدواء ثلاث مرات، أولاها في يناير/ كانون الثاني 2023 بنسبة 50 في المائة، ومن ثم في آب/ أغسطس بنسبة 50 في المائة، ليأتي الرفع في نهاية العام بين 70 و100 في المائة، وهو ما ضاعف أسعار الأدوية لترتفع بأكثر من 1500 في المائة عن أسعار عام 2011، بحسب أحمد الصمودي.

موت بطيء

يبقى تأمين الأدوية المسكّنة للمرضى الموسميين "خلال الشتاء" ممكناً وإن كانت أسعاره مرتفعة، بيد أن الكارثة، كما يقول مواطنون، بالنسبة للمرضى الذين تقتضي حالاتهم الإقامة بالمشافي خلال عمليات الجراحة أو الولادة أو حتى علاج الأمراض الخطرة والمزمنة بواقع زيادة مصابي الحرب.

ويقول راشد محمد (اسم مستعار)، من العاصمة السورية دمشق: "أقسم بالله أحياناً يتمنى أهل المريض موته لتخفيف التكاليف"، مشيراً إلى أن فحصية الطبيب العام 50 ألف ليرة، وتصل إلى نحو 300 ألف ليرة للمتخصص.

ولكن، يستدرك، المصيبة ليست بالكشفية بل بالمشافي الخاصة، إذ تراوح إقامة المريض ليوم واحد بين 800 ألف ومليون ليرة، هذا عدا التصوير والتحليل وأسعار الأدوية، "فإذا دخل مريض بحالة خطرة لأيام فهذا يعني بيع ممتلكاته لتوفير كلفة الاستشفاء".

ويضيف محمد خلال اتصال مع "العربي الجديد"، أنه "أقول لكم أمراً حدث معنا قبل أيام، دخلت قريبتي مشفى خاصا بعد تدهور حالتها ووصولها حد الاختناق، أجروا لها تحليلات وصورا إشعاعية وفحص دم وأعطوها دم، فدفعنا خلال ستة أيام 10 ملايين ليرة، لنفاجأ بالنهاية بأنها مصابة بمتحور كورونا".

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

وتؤكد مصادر متطابقة أن كلفة الغرفة ليوم واحد في مشفى خاص، من دون عناية، مليون و600 ألف ليرة، أما مع العناية فـ10 ملايين ليرة ليوم واحد فقط من دون بدل الإقامة في غرفة، في حين كلفة عملية والصورة 100 ألف ليرة والمعاينة 100 ألف ليرة.

وتتباين أجور المشافي الخاصة على حسب شهرتها والأطباء العاملين فيها والأجهزة المستخدمة، إذ تصل أجور الاستشفاء والعناية في المشافي "الخمسة نجوم" إلى خمسة ملايين ليرة لليلة الواحدة، أما أجور الجراحة "فهي بمئات الملايين، فعملية الديسك وحدها تكلف 300 مليون ليرة"، وفق المصدر.

ويقول الطبيب إبراهيم شحود لـ"العربي الجديد"، إن متوسط تكاليف الإقامة بالمشافي الخاصة بدمشق بين 5 و7 ملايين ليرة، مقسمة إلى سلفة أثناء الدخول وإقامة وأجور سرير ومعاينة طبيب وأجهزة تنفس، ولكن تأتي تكاليف أخرى تتعلق بالتحاليل والتصوير، تضاف إلى الكلفة اليومية، وأما إن كانت الحالة بحاجة إلى جراحة فهناك حديث آخر.

وحول دور المشافي الحكومية في تقديم الخدمات إلى الفقراء وأصحاب الدخول المحدودة، يؤكد الطبيب شحود أنها موجودة، ولكن كفنادق من دون خدمة، أي يدخل المريض فلا يجد تدفئة ولا أجهزة ولا دواء، ويطلب إليه أن يحضر كل مستلزمات علاجه من الخارج، بما فيها وجبته الغذائية.

وأشار في الوقت نفسه إلى أن مشفى المواساة والأسد الجامعي بدمشق فيهما أقسام نصف مأجورة، ولكن دخول المرضى إليهما صعب ويتطلب انتظار الدور أحياناً لأشهر.

ويلفت الطبيب السوري إلى أن القارئ سيصدم بأن الأكلاف بملايين الليرات، لكن لا بد من التوضيح أن سعر صرف الدولار اليوم نحو 15 ألف ليرة، والأزمة برأيه بتهاوي سعر العملة وقلة الدخول، إذ إن "الدخل الشهري للموظف بين 200 و250 ألف ليرة، ولو قسنا أجور التشافي والجراحة اليوم على ما كانت عليه قبل عام 2011 بغير العملة السورية، فسنراها متقاربة، إن لم نقل أرخص".

وكشف أن أوضاع غالبية الأطباء ليست جيدة بسورية، فهم أولاً مواطنون يتحملون غلاء الأسعار بشكل عام وعدم توفر الخدمات، كاشفاً عن هجرة معظم الأطباء بعد الحرب، حيث "هاجر 500 طبيب سوري إلى الصومال فقط، من دون احتساب الدول الأخرى".

المساهمون