بدأت قطر مطلع الشهر الجاري، أعمال توسعة حقل الشمال للغاز الطبيعي، الذي يعتبر أكبر حقل للغاز المصاحب في العالم، ما يشكل بداية مرحلة جديدة، تّمكن دولة قطر من تلبية حاجة الأسواق العالمية، وخاصة الأوروبية، من الغاز الطبيعي، في ظل أزمة الطاقة الناجمة عن الغزو الروسي المتواصل لأوكرانيا منذ فبراير/شباط 2022.
وقال خبراء نفط لـ"العربي الجديد" إن المشروع التوسعي ذي التكلفة المليارية يتجاوز حدود قطر، وسيساهم بشكل كبير في استقرار ومرونة أسواق الغاز الطبيعي المسال العالمية، ولفتوا إلى أن توسعة حقل الشمال والتي سترفع إنتاج قطر من الغاز الطبيعي من 77 مليون طن سنوياً إلى 126 مليوناً في نهاية 2026، ستساهم في تعزيز التنويع الاقتصادي، واستقطاب المزيد من الاستثمارات الأجنبية إلى الدولة الخليجية، وخلق فرص للوظائف وتعزيز التنمية الاقتصادية المستدامة.
ويرى وزير الدولة لشؤون الطاقة القطري، الرئيس التنفيذي لشركة قطر للطاقة، سعد بن شريدة الكعبي، أن مشروع توسعة حقل الشمال يمثل قفزة نحو تعزيز ريادة بلاده في مجال الطاقة.
وقال في كلمة خلال حفل وضع حجر أساس المشروع، يوم 2 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، إن التوسعة تعكس الأهداف المتمثلة بالاستثمار الأمثل لثروات قطر الطبيعية، والتزامها بتزويد العالم بمصدر أنظف للطاقة، وعلى مدى عقود.
على الصعيد المحلي، أكد الكعبي أن للمشروع تأثيرات قريبة وبعيدة المدى تنعكس على جميع قطاعات الاقتصاد القطري وسيعزز إيرادات الدولة بشكل كبير، مشيراً إلى أن هذه التوسعة تأتي في فترة حاسمة، حيث يحتل الغاز الطبيعي موقعاً محورياً في مزيج الطاقة في عالم يعاني من التقلبات الجيوسياسية ويحتاج بشدة إلى مصادر للطاقة النظيفة تتماشى مع الأهداف البيئية العالمية.
تعزيز مكانة قطر الطاقوية
ويقول الخبير الاقتصادي، مراد كواشي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن حقل الشمال، سينتج ما يقارب 7.9 مليارات متر مكعب من مكثفات الغاز، إضافة إلى إنتاج كميات من الإيثان والهيليوم وغيرهما، وهذا كله يدخل في إنتاج مشتقات طاقوية ستعزز من المكانة الطاقوية لدولة قطر والتي ستسيطر على سوق الغاز خلال السنوات القادمة.
ولفت إلى أن قطر ستصبح رقماً مهماً جداً في معادلة الاقتصاد الغازي على المستوى العالمي.
وعن عوائد التوسعة على الاقتصاد القطري، يرى كواشي أن هذا المشروع التاريخي سيزيد من الأهمية الاستراتيجية لدولة قطر، كورقة طاقة بامتياز، وسيعود على الدولة الخليجية بعوائد وفوائد كثيرة، وسيزيد من قوة وصلابة الاقتصاد القطري، ومن القوة التفاوضية لدولة قطر على المستوى العالمي.
لماذا؟ عن هذا السؤال يجيب الخبير بأن الحروب والأزمات التي تضغط على الاقتصاد العالمي حالياً خاصة من خلال أزمة الطاقة، حيث تعاني أوروبا كثيراً من شح في مصادرها، وهذا المشروع يزيد من الأهمية الاستراتيجية لدولة قطر على المستوى السياسي والدبلوماسي والاقتصادي معاً.
ولفت إلى ضرورة العمل على تطوير وإنشاء موانئ جديدة ومحطات تستقبل الغاز المسال الذي تصدره قطر عبر البواخر، إضافة إلى التفكير في إنشاء أنابيب للتصدير المباشر رغم أن الاستراتيجية القطرية تعتمد بشكل أكبر على التصدير عبر الناقلات البحرية المخصصة لنقل الغاز المسال.
وفي أول صفقة بعد وضع حجر الأساس لمشروع التوسعة، وقعت "قطر للطاقة" و"توتال إنرجيز"، في 11 أكتوبر الجاري، اتفاقيتي بيع وشراء طويلتي الأمد، لتوريد ما يصل إلى 3.5 ملايين طن سنوياً من الغاز الطبيعي المسال من قطر إلى فرنسا.
وبموجب الاتفاقيتين، سيتم تسليم شحنات الغاز إلى محطة استقبال فوس كاڤاوو (Fos Cavaou) للغاز الطبيعي المسال في جنوب فرنسا اعتباراً من العام 2026 ولمدة 27 عاماً.
وسيجري تزويد كميات الغاز الطبيعي المسال من قبل الشركتين المشتركتين بين قطر للطاقة و"توتال إنيرجيز" واللتين تمتلكان حصصاً في مشروعي توسعة حقل الشمال الشرقي وحقل الشمال الجنوبي.
في السياق، قال وزير الدولة لشؤون الطاقة القطري إن توقيع الاتفاقيتين يؤكد التزام قطر للطاقة المستمر تجاه الأسواق الأوروبية بشكل عام، وتجاه السوق الفرنسية على وجه الخصوص، مؤكداً "التزام قطر للطاقة بضمان إمدادات طاقة مستمرة وموثوق بها إلى أوروبا وبقية أنحاء العالم يستند إلى استثماراتها الكبيرة.
تعزيز الاقتصاد القطري
ويرى الباحث في مجال النفط والغاز نصر أبو نبوت في حديث مع "العربي الجديد"، أن توسعة حقل الشمال في قطر مشروع استثماري هائل وذو أهمية استراتيجية كبيرة، سيكون له تأثير كبير على الاقتصاد القطري وسيعزز مكانتها كمورد عالمي للغاز الطبيعي ومنتج للمكثفات ومنتجات البترول، كما سيعزز من الإيرادات ويساهم في تمويل مشاريع تنموية بما في ذلك البنية التحتية والخدمات العامة.
وأوضح أن قطر هي واحدة من أكبر منتجي ومصدري الغاز الطبيعي في العالم، والغاز القطري يعتبر مصدراً هاماً للدخل الوطني وله أهمية استراتيجية على مستوى العالم، والغاز القطري كان وما زال يلعب دوراً مهماً في سوق الطاقة العالمي، وقد أثرت قرارات قطر وسياساتها بشكل كبير في أسعار وتوزيع الغاز الطبيعي في مختلف أنحاء العالم.
ولفت أبو نبوت إلى أن قطر تمتلك بنية تحتية متطورة، تمكنها من تصدير الغاز الطبيعي إلى الأسواق العالمية بكفاءة، من خلال الاستثمار في محطات الغاز وخطوط الأنابيب وسفن النقل، مؤكداً أن قطر قادرة على تلبية الطلب العالمي على الغاز الطبيعي والمنتجات ذات الصلة.
ويأتي وضع حجر الأساس لانطلاق توسعة حقل الشمال في إطار هدف استراتيجي لدولة قطر وحجز مكانة لها على المستوى الدولي، لتأمين سلاسل وامدادات الطاقة بعد أزمة الحرب الروسية الأوكرانية المتواصلة منذ مطلع العام 2022، وما أصاب حركة الإنتاج والاقتصاد العالمي من آثار تضخمية وارتفاع في أكلاف الإنتاج والنقل.
فمشروع توسِعة حقل الشمال يأتي استجابة لحاجة الأسواق من الغاز، خاصة في ظل المتغيرات التي يشهدها قطاع الطاقة، واستعمال الغاز كوقود للمرحلة الانتقالية باعتباره من مصادر الطاقة النظيفة، وفقاً لأستاذ العلاقات الدولية الاقتصادية رائد المصري.
أسواق جديدة للغاز القطري
وحول البلدان المستهدفة من تسويق كميات الغاز الناجمة عن توسعة حقل الشمال، يقول المصري لـ"العربي الجديد" إن الأسواق الآسيوية غالباً وجهة قطر بعقود آجلة، فالصين والهند وكوريا الجنوبية واليابان، لديهم تقاليد كبيرة في التعامل مع قطر، على اعتبارها من أكبر الموردين للغاز القطري، إضافة إلى الأسواق في أوروبا وفي منطقة البحر الأبيض المتوسط مع توجه العديد من الدول لبناء محطات لاستقبال الغاز المسال.
ولفت إلى أن تاريخ قطاع الطاقة في قطر أثبت أن الدولة شريك موثوق به، وأمدَّت الأسواق بمختلف المنتجات رغم المتغيرات التي شهدتها الأسواق والمتغيرات الجيوسياسية إقليمياً ودولياً، مستخدمة في ذلك إدارة لسلسلة عمليات متكاملة في صناعة الغاز تبدأ من الإنتاج وصولاً إلى إعادة التسييل بعد نقله عبر أسطولها من الناقلات بجميع الأحجام والذي يعد الأضخم في العالم.
وأشار إلى أن اختيار قطر للطاقة شركات عالمية مرموقة كشركاء في هذا المشروع، ومنهم "توتال إنرجيز" و"شل" و"كونوكو فيليبس" و"إكسون موبيل" و"إيني" و"سينوبك" و"سي إن بي سي"، سيكون له دور محوري في ضمان نجاح المشروع وتحقيق أهدافه الرامية إلى إنتاج غاز طبيعي مسال يعتبر الافضل والأكثر أماناً وموثوقية بيئية على مستوى العالم.
ويقوم المشروع على 6 خطوط إنتاج عملاقة تبلغ الطاقة الإنتاجية لكل منها 8 ملايين طن سنوياً من الغاز الطبيعي المسال، مما سيضيف 48 مليون طن سنوياً إلى إمدادات الغاز الطبيعي المسال العالمية، ويشكل إنتاج قطر من الغاز الطبيعي المسال نحو 40% من إنتاج الطاقة العالمي.
وإضافة إلى الغاز الطبيعي، سينتج المشروع 6500 طن يومياً من غاز الإيثان، يُستخدم في الصناعات البتروكيماوية المحلية، وينتج زهاء 200 ألف برميل يومياً من غاز البترول المسال (البروبان والبيوتان)، وقرابة 450 ألف برميل يومياً من المكثفات، إلى جانب كميات كبيرة من غاز الهيليوم والكبريت النقي.
محلياً، يرى المصري أنه سيكون للتوسعة تأثيرات عبر تعزيز إيرادات الدولة بشكل كبير، في الوقت الذي يعاني العالم من تقلبات جيوسياسية ويحتاج بشدة إلى مصادر للطاقة النظيفة تتماشى مع الأهداف البيئية العالمية، إضافة إلى أنه يعطي ويخلق العديد من الوظائف في قطر.
فهذه الكميات الإضافية من الغاز الطبيعي تعطي دولة قطر دوراً كبيراً في تعزيز أمن الطاقة، وانتقال عملي وواقعي إلى طاقة منخفضة الكربون، وضمان الوصول العادل إلى طاقة أنظف من أجل نمو مستدام ومستقبل أفضل للجميع.
أكبر مشروع للغاز قيد الإنشاء في العالم
وحقل غاز الشمال هو حقل غاز طبيعي يعد أكبر حقل غاز في العالم، إذ يضم 50.97 تريليون متر مكعب من الغاز الطبيعي، ونحو 50 مليار برميل (7.9 مليارات متر مكعب) من مكثفات الغاز الطبيعي، وتبلغ مساحة الحقل نحو 9700 كيلومتر مربع، منها 6 آلاف في مياه قطر الإقليمية، والباقي في الجانب الإيراني، واكتشف الحقل عام 1971 وبدأ الإنتاج فيه عام 1989.
وحسب وكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني العالمية، تبلغ التكلفة الإجمالية لمرحلتي مشروع توسعة حقل الشمال وهو أكبر مشروع للغاز قيد الإنشاء في العالم، تبلغ 43 مليار دولار، فيما تبلغ تكلفة المرحلة الأولى للتوسعة التي انطلق العمل في تنفيذها مستوى 28.8 مليار دولار، وتستهدف زيادة الطاقة الإنتاجية من الغاز في القطاع الشرقي بهدف رفع طاقة دولة قطر الإنتاجية من الغاز الطبيعي المسال من 77 مليون طن سنوياً إلى 110 ملايين طن سنوياً.
ومن المتوقع أن يبدأ الحقل الإنتاج قبل نهاية العام 2025، وأن يصل إجمالي الإنتاج إلى نحو 1.4 مليون برميل نفط مكافئ يومياً.
وفي المقابل، تبلغ تكلفة تنفيذ المرحلة الثانية لمشروع توسعة حقل الشمال مستوى 14.2 مليار دولار، وتستهدف زيادة الطاقة الإنتاجية من الغاز في القطاع الجنوبي لحقل الشمال، بهدف رفع الطاقة الإنتاجية للغاز الطبيعي المسال في قطر من 110 ملايين طن سنوياً إلى 126 مليوناً، ويتوقع بدء الإنتاج في نهاية 2026.
ويتضمن المشروع بناء خطي إنتاج عملاقين إضافيين بسعة 8 ملايين طن سنوياً لكل منهما، إضافة إلى المرافق البحرية والبرية المرتبطة بهما.
ويحتوي مشروع التوسعة على منظومة لاسترجاع الغاز المتبخر أثناء الشحن، وهو ما سيقلل من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بنحو مليون طن مكافئ سنوياً من غاز ثاني أكسيد الكربون، كما سيعمل المشروع على توفير 10.7 ملايين متر مكعب من المياه سنوياً من خلال تدوير وإعادة استعمال 75% من مياه الصرف الصناعي، وكذلك سيتم تقليل انبعاثات أكاسيد النيتروجين بنسبة 40%.
ومن المقرر توفير جزء كبير من احتياجات المشروع من الطاقة الكهربائية من شبكة الكهرباء الوطنية في قطر.