تونس تتجه لوقف التعامل مع صندوق النقد الدولي

16 أكتوبر 2023
إصلاحات صندوق النقد تدفع إلى مزيد من الغلاء (ياسين غادي/ الاناضول)
+ الخط -

بعد أكثر من سنة على توصل تونس إلى اتفاق مبدئي مع صندوق النقد الدولي بشأن برنامج تمويل بقيمة 1.9 مليار دولار، تتجه السلطات نحو صرف النظر عن التعاون مع مؤسسة التمويل الدولية، تجنباً للكلفة الاجتماعية الباهظة للإصلاحات التي يطالب بها الصندوق مقابل صرف القرض.
ومؤخراً، قال وزير الخارجية التونسي نبيل عمار، في تصريح صحافي، إن لدى بلاده بدائل عن صندوق النقد الدولي، مشيرا إلى أن "هناك عملا دؤوبا على مستوى الوزارات وهياكل الدولة من أجل الإصلاح".

وأضاف أن "ثمار هذا العمل ستظهر في الفترة القادمة وسيرى الجميع نتائجها". وبحسب الوزير، فإن "قنوات الحوار مفتوحة دائماً مع صندوق النقد الدولي، لكن لتونس خطوطا حمراء" معتبرا أن "صندوق النقد يجب أن يكون في خدمة البلدان النامية والتي تمر بصعوبات وليس العكس".

قيس سعيّد أعلن رسمياً رفض شروط صندوق النقد ومنها خفض الرواتب ورغع الدعم عن الخبز والوقود، قائلاً إنها تمس الطبقات الضعيفة

ومنذ أكثر من عام، خاضت تونس مفاوضات صعبة على مستوى الخبراء مع صندوق النقد، انتهى بالتوصل في سبتمبر/ أيلول 2022 إلى اتفاق مبدئي، يمنح تونس حق النفاذ إلى تمويلات بقيمة 1.9 مليار دولار مشروطة ببرنامج إصلاح اقتصادي يشمل رفع الدعم عن الغذاء والطاقة وخفض كتلة الرواتب.
لكن الرئيس قيس سعيّد أعلن رسمياً رفض شروط صندوق النقد، قائلاً إنها تمس الطبقات الضعيفة.

وقوبل موقف الرئيس التونسي بدعم من الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظمة نقابية في تونس)، رغم حاجة البلاد إلى تمويلات خارجية تزيد عن 4.6 مليارات دولار وفق قانون موازنة 2023.

كما دعا سعيّد إلى التعويل على الإمكانيات الذاتية للدولة من أجل توفير تدابير مالية تحول دون سقوط تونس في دائرة التخلف عن سداد قروضها الخارجية، مع مواصلة تأمين واردات المواد الأساسية. بينما تختلف تقييمات الخبراء الماليين حول مدى قدرة البلاد على مواصلة تسيير نفقاتها الأساسية في غياب الاتفاق مع صندوق النقد.
ويرى الخبير المالي مراد الحطاب أن فرضية توقيع تونس على اتفاق مالي مع مؤسسة الإقراض الدولية أصبحت شبه لاغية، بينما احتياجات التمويل من القروض الخارجية وفق موازنة العام الحالي تفوق 14 مليار دينار (حوالي 4.6 مليارات دولار).
ويقول الحطاب لـ"العربي الجديد" إن تونس نجحت إلى حدود نهاية سبتمبر/ أيلول الماضي في سداد 81% من أقساط ديونها الخارجية وتأمين واردات الغذاء والطاقة من دون الحاجة إلى تمويلات صندوق النقد.
ويرجّح الخبير المالي ألا تعتمد الحكومة على فرضيات تمويل الموازنة عبر قروض صندوق النقد الدولي خلال عام 2024، لا سيما في ظل اللجوء إلى السوق الداخلية لتعبئة موارد بكلفة أقل.

مراد الحطاب لـ"العربي الجديد": تونس نجحت إلى حدود نهاية سبتمبر/ أيلول الماضي في سداد 81% من أقساط ديونها

وفي يونيو/حزيران الماضي، أبلغ الرئيس التونسي مديرة صندوق النقد الدولي، خلال اجتماع في باريس، أن شروط الصندوق لتقديم الدعم المالي للدولة الواقعة في شمال أفريقيا تهدد بإثارة اضطرابات اجتماعية.

وأكد أن أي خفض في الدعم، بخاصة الطاقة والغذاء، يمكن أن تكون له تداعيات خطيرة، مذكراً بالاحتجاجات الدامية التي هزت تونس عام 1983 بعد أن رفعت الحكومة آنذاك سعر الخبز.

لكن تونس عاشت خلال الأشهر الماضية على وقع أزمة تموين متفاقمة تتوسع معها يومياً قائمة المواد المختفية من السوق.

وتضغط أزمة شح السيولة وصعوبات التموين على احتياطي النقد الأجنبي لدى البنك المركزي، الذي يتمسك باستقلاليته وسط محاولات لتغيير فصول في قانونه الأساسي بما يسمح للحكومة بالاقتراض المباشر من احتياطي البنك لتمويل الموازنة، من دون المرور عبر السوق المالية الداخلية وفق ما ينص عليه القانون الحالي.
ويرى الخبير في السياسات المالية معز حديدان أن شروط إتمام الاتفاق المالي مع صندوق النقد لم تعد متوفرة، وهو ما يؤيد فرضية التخلي نهائيا عن هذا الاتفاق.

ويقول حديدان لـ"العربي الجديد" إن رصيد البنك المركزي التونسي سيخسر خلال الشهر القادم ما لا يقل عن 8 أيام من مخصصات الاستيراد بعد تسديد قرض بقيمة 500 مليون يورو، سبق أن حصلت عليه تونس من السوق المالية الدولية بنسبة فائدة عالية تقدر بـ6.75%.
ويضيف حديدان أن رصيد العملة الصعبة لدى البنك المركزي سيكون ملاذ الحكومة لتسديد ما تبقى من القروض الخارجية المستحقة خلال الأشهر المتبقية من العام الحالي في غياب أي تمويلات خارجية أخرى. ومن دون خطة إنقاذ مالي، تواجه تونس أزمة شاملة في ميزان المدفوعات، وفق محللين.

المساهمون