تباطؤ شغل العقارات التجارية يهدد البنوك حول العالم

01 فبراير 2024
أغلب العقارات التجارية بأميركا أصبحت بلا موظفين (Getty)
+ الخط -

بعد مرور ما يقرب من عام على الأزمة المصرفية التي أدت إلى انهيار ثلاثة بنوك إقليمية أميركية، والاستحواذ الطارئ على بنك كريدي سويس في أوروبا، عادت المخاوف مرة أخرى إلى القطاع المصرفي، بالتزامن مع تصاعد الخسائر في الإقراض المقدم لقطاع العقارات التجارية، التي أصبحت خاوية على عروشها، مع استمرار رغبة الموظفين في العمل من منازلهم، وسعادة الشركات بتقليص النفقات.

ولم يقتصر الأمر على بنوك دولة واحدة، وإنما امتد ليشمل بنوكاً عاملة في مناطق متباعدة، مثل نيويورك وطوكيو وزيوريخ، وفقاً لتقارير حديثة، تحدثت عنها شبكة "سي أن أن" الإخبارية.

ويوم الأربعاء، انخفضت أسهم شركة New York Community Bancorp  بنسبة 38%، وهي مؤسسة مالية تقدم قروضاً لعملائها، بعد أن أعلنت عن خسارة قدرها 252 مليون دولار في الربع الأخير من العام الماضي. وخصص البنك الإقليمي 552 مليون دولار في الربع الرابع لاستيعاب خسائر القروض، ارتفاعا من 62 مليون دولار في الربع السابق.

وقالت الشركة إن الزيادة ترجع جزئيا إلى الخسائر المتوقعة على قرض يستخدم لتمويل مبنى إداري.

وساهم تراجع سهم البنك في انخفاض مؤشر KBW للبنوك الإقليمية بنسبة 6% يوم الأربعاء، وهو أكبر انخفاض يومي له منذ مايو/أيار الماضي، الذي شهد تسجيل بنك "فيرست ريببليك First Republic"، ومقره الرئيسي في ولاية كاليفورنيا، كثالث ضحية مصرفية أميركية العام الماضي.

وواصل المؤشر تراجعه في تعاملات الخميس، منخفضاً بنسبة 4.8% في بداية اليوم، قبل أن يعوض جزءاً من تلك الخسائر في وقت لاحق. وساهم في تراجع المؤشر يوم الخميس تكبد أسهم "بنك نيويورك التجاري"، وكذلك البنوك الإقليمية الأخرى، خسائر حادة، بعد الإعلان عن نتائج أعمال سيئة. وانخفضت أسهم "بنك نيويورك التجاري" بنسبة 13% تقريبًا، وبنك "كاليفورنيا" بنسبة 8%، وبنك "يونايتد" بنسبة 8% في الساعات الأولى من التداول.

وقال بنك "نيويورك التجاري" في بيان أرباحه إن جزءا كبيرا من خسائره  كان مرتبطا بالمباني التجارية، التي تستخدم كمكاتب لموظفي الشركات. وأشار الرئيس التنفيذي توماس كانجيمي، في مكالمة مع المستثمرين، إلى "نقاط الضعف العامة في نشاط مبيعات المكاتب في جميع أنحاء البلاد".

ومنذ اندلاع أزمة المصارف الإقليمية في الربيع الماضي، بقي المستثمرون والمنظمون في حالة تأهب قصوى، لملاحظة تجدد الضغوط على البنوك، بسبب انكشافهم لسوق العقارات التجارية المتعثرة.

وانخفضت قيمة العديد من المباني مع تمسك ملايين العمال بالعمل عن بعد في عصر الوباء، مما ترك أجزاء كبيرة من المساحات المكتبية شاغرة أو غير مستغلة. وفي الوقت نفسه، صعبت أسعار الفائدة المرتفعة تاريخيا على مطوري العقارات التجارية سداد أقساط القروض الضخمة التي حصلوا عليها لتمويل المشروعات.

وقال بنك أوزورا الياباني يوم الخميس إن القروض المعدومة المرتبطة بمكاتب الولايات المتحدة هي المسؤولة جزئيا عن خسائره السنوية المتوقعة، والبالغة 28 مليار ين (190 مليون دولار) العام الماضي، بعد أن كان البنك يتوقع في السابق تحقيق ربحا صافيا قدره 24 مليار ين (160 مليون دولار). وأدت الأخبار إلى انخفاض سعر سهم البنك بأكثر من 21%.

وقال البنك إن الأمر سيستغرق عامًا أو عامين آخرين حتى "يستقر" سوق العقارات التجارية الأميركية، مع عودة المزيد من الأشخاص إلى العمل من المكتب، ومع تحول بنك الاحتياط الفيدرالي من رفع أسعار الفائدة إلى خفضها.

وتتزايد الخسائر في أوروبا أيضاً، حيث أعلن البنك السويسري الخاص ومدير الثروات "جوليوس باير" اليوم الخميس أن أرباحه المعدلة انخفضت بنسبة 55% العام الماضي، بسبب خسارته 586 مليون فرنك سويسري (680 مليون دولار) على القروض المقدمة إلى "تكتل أوروبي" واحد. وأعلن رئيسه البنك التنفيذي فيليب ريكنباشر رحيله في أعقاب الإعلان عن الخسائر.

ورفض جوليوس باير تأكيد هوية الشركة، ولكن وفقًا لتقرير رويترز، فإن تلك الشركة هي Signa Group، وهي شركة تطوير عقاري نمساوية اشترت في عام 2019 جزءًا من مبنى كرايسلر الشهير في نيويورك. وأكدت رويترز أن العديد من الشركات التابعة لـ Signa تقدمت بطلبات لإشهار إفلاسها في ديسمبر/كانون الأول.

ويستعد اللاعبون الأكبر حجماً لتحمل الخسائر المرتبطة بالعقارات التجارية، حيث قال "دويتشه بنك"، أكبر بنك في ألمانيا، اليوم الخميس، إنه خصص 123 مليون يورو (133 مليون دولار) خلال الربع الأخير لاستيعاب حالات التخلف عن السداد المحتملة لقروضه العقارية التجارية في الولايات المتحدة. وهذا أكثر من أربعة أضعاف المبلغ الذي خصصه البنك خلال الفترة المماثلة من عام 2022.

وقال فيليب لولور، المدير الإداري لأبحاث الأسواق في شركة Wilshire Indexes، لشبكة "سي أن أن" الإخبارية إن الاضطرابات الأخيرة من غير المرجح أن تهز البنوك الكبيرة ذات الكفاءة الرأسمالية هذه المرة.

وقال لشبكة "سي أن أن": "لا ينبغي للمرء أن يشعر بالرضا عن النفس"، مشيراً إلى أن إدارة البنوك في العام الماضي "بدأت بتموجات صغيرة تم البناء عليها سريعاً".

قال لولور: "قد يكون هذا بمثابة تكرار لما رأيناه العام الماضي، وقد تكون هناك عدوى، لكن يمكن أن يقتصر ذلك على عدد من البنوك الصغيرة، ولا يمتد إلى البنوك ذات الوزن داخل النظام المصرفي".

المساهمون