العمالة الأفغانية في باكستان تعاني من التردي الاقتصادي: غلاء وملاحقات

06 يونيو 2023
معظم العمال الأفغان يشتغلون مقابل أجر يومي ورواتب زهيدة في باكستان (Getty)
+ الخط -

لا فرص عمل، وملاحقات أمنية تؤرق الجميع.. هكذا أصبح حال مئات آلاف وربما ملايين الأفغان الذين يعيشون في باكستان، إذ بات يُنظر إليهم على أنهم عبء ثقيل على البلد الذي يغرق في دوامة انهيار اقتصادي ومالي ويدنو كثيراً من حافة الإفلاس، بينما كانوا قد هربوا من الدمار الذي لحق بمختلف القطاعات الاقتصادية في أفغانستان بسبب الحرب على مدار سنوات طويلة ماضية، وأخيراً عدم توفر فرص العمل منذ سيطرة طالبان على البلاد، وبقاء الصعوبات الاقتصادية والمعيشية على حالها.

اللاجئون الأفغان المسجلون فقط في باكستان يبلغ عددهم نحو 1.3 مليون شخص، وفق إحصاءات صادرة عن المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في يونيو/حزيران 2022، لكن تقديرات غير رسمية تشير إلى بلوغ إجماليهم نحو 3 ملايين شخص، موزعين على أطياف مختلفة، الأول يعيش بالأموال المستوردة من الخارج من أقاربهم وأفراد أسرهم، وطيف آخر يعيش بالتجارة ولهم أعمال تجارية لا بأس بها، وهم في حالة جيدة، رغم تأثرهم بالوضع المعيشي العام في باكستان، ولكن الطيف الثالث وهو بين الأول والثاني وهم العمال المياومون (العاملون بأجر يومي) أو الموظفون مقابل أجور شهرية زهيدة.

البحث عن الرزق

وشريحة العمال هذه ارتفعت وتيرتها وأعدادها في الأشهر الماضية في باكستان، حيث غادر الكثير من الأفغان البلاد وجاؤوا إلى الدولة المجاورة بحثاً عن الرزق بعد التقلبات السياسية، إثر سيطرة طالبان على كابول في أغسطس/آب 2021، حيث تعطلت المؤسسات الحكومية مثل الجيش والشرطة وغيرها، كما أغلقت كل المؤسسات الدولية أبوابها، بسبب عدم الاعتراف الدولي بحكومة طالبان، وتجميد الولايات المتحدة الأميركية الأصول الأفغانية، ووضع يدها على الاحتياطي النقدي الأجنبي، والذي تقدر قيمته بنحو 7 مليارات دولار، وهو ما جعل الكثير من الأفغان يهربون من البلاد لأحوال أمنية أو بحثاً عن العمل، خاصة الفئة التي عاشت سابقاً في باكستان ثم عادت إلى أفغانستان خلال عقدين ماضيين، حيث توجهت من جديد صوب باكستان.

يقول محمد حميد بشارت، الناشط الاجتماعي الأفغاني الذي يعيش حالياً في مدينة بيشاور الباكستانية الواقعة بالقرب من الحدود مع أفغانستان، لـ"العربي الجديد" إن موجة جديدة من اللاجئين الأفغان توجهت صوب باكستان، بعد سيطرة طالبان على أفغانستان، وهناك أسباب عدة وراء ذلك، مثل البحث عن تعليم البنات، فكثير من الأفغان جاؤوا إلى باكستان من أجل تعليم بناتهم، بعد أن أغلقت طالبان أبواب الجامعات والمدارس ما فوق الصف السادس، لكن الشريحة الكبيرة هي شريحة العمال، بعد أن تدهورت مؤسسات الدولة مثل الشرطة والجيش والاستخبارات، وأغلقت الكثير من المؤسسات الدولية أبوابها، هؤلاء جاؤوا إلى باكستان من أجل الحصول على لقمة العيش، وبحسب بعض الإحصائيات عدد هؤلاء يفوق 600 ألف شخص، في حين أن حوالي ثلاثة ملايين لاجئ أصلاً يعيشون في باكستان، بينهم عدد كبير من العمال المياومين والموظفين مقابل رواتب زهيدة.

اقتصاد دولي
التحديثات الحية

ويضيف بشارت أنه يعرف أعداداً كبيرة من رجال الشرطة والجيش الأفغاني السابق جاؤوا إلى باكستان فقط من أجل الحصول على عمل يومي، أو وظيفة في شركة، أو أي سوق، وهم الآن يعيشون في حالة غير جيدة لأسباب عدة، أهمها ملاحقات الشرطة المتواصلة، وأخذها المال منهم بذريعة أو أخرى، والمعروف أن جلهم يدخلون إلى باكستان بطريقة غير شرعية، وغالباً بدون جواز سفر وتأشيرة، ويدفعون الأموال من أجل عبور الحدود، وتحديداً عبر منفذ سبين بولدك الحدودي في جنوب غرب باكستان، وبعد الوصول يبدأون الحياة ولكن فجأة تبدأ ملاحقات الشرطة وأخذهم إلى السجن، وهو حصل في حق الكثيرين.

يتابع "في الأشهر الأولى من هذا العام رأينا حملات متعددة طاولت مختلف مناطق البلاد ضد اللاجئين الأفغان غير الشرعيين، وكانت شريحة العمال والموظفين هم أكثر من دفعوا الثمن، لأنهم لا بد أن يخرجوا من منازلهم وإلى الأسواق والمدن كي يحصلوا على العمل، من هنا كان لا بد من تعرضهم للشرطة، والأخيرة تأخذ منهم المال لتطلق سراحهم أو لتأخذهم إلى السجون، ونعرف أن ما زال هناك مئات الأفغان في سجون باكستان".

انشغال الشرطة بملاحقة أنصار خان

لكن بشارت قال إن "انشغال الشرطة منذ أكثر من شهر بملاحقة أنصار رئيس الوزراء السابق عمران خان، خفف من الملاحقات الأمنية بحق اللاجئين والعمال الأفغان في الأيام الماضية، ومع ذلك فإن العمال الأفغان لا يزالون في حالة من الخوف والقلق".

في هذا الشأن، قالت شاهده أمان، الأكاديمية الباكستانية ورئيسة القسم السياسي في جامعة بيشاور في مؤتمر دولي عقد في جامعة بيشاور في السابع من مايو/أيار الماضي، وشارك فيه مسؤولون باكستانيون ومندوبو المؤسسات المعنية بشؤون اللاجئين، إن معظم اللاجئين الأفغان محرمون من العمل في باكستان، ويحتاجون إلى أبسط مقومات الحياة.

وأكدت أمان أن "نسبة قليلة من الأفغان تحصل على العمل، منوهة بأن الباكستانيين أنفسهم محرمون هذه الأيام من العمل، فما بالك بالأفغان، الجميع متأثرون جراء الوضع المعيشي الهش، لكن الأفغان يواجهون بالإضافة إلى ذلك مشاكل أخرى كثيرة، يجب على المعنيين أن يصبوا اهتمامهم في هذا الاتجاه".

وقال اللاجئ الأفغاني محمد إبراهيم الذي عاد إلى باكستان، بعد أن غادرها منذ 20 عاماً لـ"العربي الجديد": "كانت حياتي جيدة في أفغانستان، إذ كان أبنائي الأربعة يعملون في الحكومة وفي الجيش، وكانت حياتنا تسير بشكل جيد، لكن بعد سيطرة طالبان على كابول انقلبت الأمور، وأصبح الجميع بلا عمل وبلا وظيفة، انتظرنا أشهراً لعل الأمور تتغير، وكان مصدر دخلنا الوحيد هو الأراضي الزراعية التي ورثتها عن أبي، لكن ما كانت تنتجه تلك الأراضي لم يكن يشكل ثلث احتياجات أسرتي، من هنا وبعد الاستشارة مع أبنائي قررنا أن نأتي مرة أخرى إلى باكستان، وكان هذا هو الخيار الوحيد أمامنا، إذ كانت لدينا بطاقات اللاجئين، وكنا مسجلين لدى الحكومة الباكستانية ومفوضية اللاجئين".

وأضاف "جئنا بعد رحلة شاقة إلى مدينة بيشاور، حيث كنا نعيش قبل ذلك، وبدأنا نشتغل في أماكن مختلفة، لقد ساعدتنا العلاقات السابقة، ولكن الوضع هذه المرة مختلف تماماً، لقد بدأنا من الصفر، ولم تكن الأمور بتلك السلاسة فيما يخص عمل اللاجئين، من هنا أرى أننا لم نجن الكثير من الفائدة من المجيء إلى باكستان، الغلاء هنا يقصم ظهورنا، بينما في أفغانستان كانت متطلبات الحياة رخيصة للغاية مقارنة بباكستان".

فرص عمل ضئيلة

وقال: "كما أن فرص العمل ضئيلة أو شبه معدومة، بينما أسرتنا كبيرة، ولا يمكن لشخص أو شخصين أن يوفرا الاحتياجات، من هنا نحتاج لأن يعمل جميع الأبناء، كما أن مشكلتنا الأساسية في باكستان هي إيجار المنزل، إنه مرتفع جداً، بينما في أفغانستان منزلنا في مدينة جلال آباد كان أحسن بكثير من المنزل الذي نعيش فيه حالياً، من هنا نفكر من جديد أن نعود إلى بلادنا، لكن تدريجياً حيث أرسل اثنين من أبنائي كي يبحثوا عن عمل مناسب، وعندما يحصلون عليه نرحل جميعاً لقد أخطأنا في قرار المجيء إلى باكستان".

لكن التاجر الأفغاني فضل من الله يقول لـ"العربي الجديد" إنه رغم كل المشاكل، فإن باكستان تعد الخيار الأفضل للعمال الأفغان ولمن يبحث عن الوظيفة المناسبة، خاصة فيما يتعلق بالأسواق والأعمال التجارية، خاصة في شمال وجنوب غرب البلاد، حيث تقطن أبناء القبائل البشتونية، وهم قبائل جنوب وشرق أفغانستان أيضاً.

المساهمون