السودان: انفلات بأسعار الألبان رغم الثروة الحيوانية

18 مارس 2021
منتجون يبررون زيادة الأسعار بارتفاع كلف الإنتاج (Getty)
+ الخط -

يدفع الغلاء المنفلت في السودان، المستهلكين للتخلي عن سلع غذائية رئيسية، بينما لا تلوح في الأفق بوادر انفراجة للأزمات المعيشية المتواصلة التي يشهدها البلد، الذي أقدمت الحكومة الانتقالية فيه، على البدء في تطبيق إجراءات اشترطها صندوق النقد الدولي لتحسين الوضع المالي للدولة، على رأسها تعويم الجنيه والتخلص من دعم الوقود، بينما يؤكد خبراء اقتصاد أن هذه الإجراءات تضع شريحة واسعة من المواطنين تحت ضغوط معيشية كبيرة لعدم توفر بدائل إنتاجية حقيقية.

وامتد الارتفاع الحاد في الأسعار إلى الألبان في الدولة الغنية بالثروة الحيوانية، حيث قفز سعر الرطل (يعادل 453 غراما) إلى نحو 120 جنيها (0.3 دولار) مقابل 50 جنيها، بزيادة وصلت نسبتها إلى 140%، ما أدى إلى عزوف الشرائح الضعيفة (الفقيرة) ومحدودي الدخل عن الشراء في ظل تراجع قدرتهم الشرائية.

يقول المواطن عابدين النور: "كنت أشتري في السابق 4 أرطال لأسرتي المكونة من خمسة أفراد يومياً بـ 200 جنيه، بينما اليوم أضطر إلى تخصيص 480 جنيها لشراء الكمية ذاتها"، مشيرا إلى أن الألبان من السلع الضرورية، خاصة الأطفال وكبار السن، وينبغي على الحكومة إيجاد حلول للغلاء خاصة في ظل عدم قدرة الكثير من الناس على هذه الأسعار.

وتظهر البيانات الرسمية تسارع وتيرة ارتفاع أسعار المستهلكين (التضخم) منذ بداية العام الماضي، حيث ارتفع على أساس سنوي في فبراير/ شباط الماضي إلى 331%، بينما كان في يناير/ كانون الثاني 2020 نحو 64.2%.

ويأتي الغلاء المتواصل بعد سلسلة من إجراءات حكومية تضمنت رفع أسعار الوقود في الأشهر الأخيرة من 2020، ثم تعويم سعر الجنيه أمام العملات الأجنبية في فبراير/ شباط الماضي، بينما يطالب صندوق النقد الدولي الحكومة الانتقالية بالمزيد من الإجراءات من أجل إعفاء السودان من ديونه.

ويصر صندوق النقد على تحرير سعر الصرف وإلغاء دعم الوقود، ورفع الضرائب، وزيادة تعرفة الكهرباء، معتبرا أن ذلك سيؤدي إلى تقليل التشوهات في الاقتصاد وتسهيل ضبط أوضاع المالية العامة.

لكن منى محمد بابكر وهي ربة منزل تقول إنها أضحت تعجز عن شراء سلع أساسية بسبب الغلاء والجشع، مشيرة في حديث مع "العربي الجديد" إلى أن الألبان وهي سلعة ضرورية لأطفالها خير مثال على ذلك.

وفي مقابل اتهام المنتجين والتجار بالجشع، يقول محمد عثمان الكردي، رئيس غرفة الألبان في اتحاد غرف الزراعة والإنتاج الحيواني بالخرطوم، إن "ارتفاع أسعار الألبان يرجع إلى زيادة مدخلات الإنتاج من علف أخضر ومركز (مصنع) وعناية بيطرية وعمالة"، مضيفا أن "تكلفة إنتاج الرطل الواحد تصل إلى 113.5 جنيهاً، بينما يصل إلى المستهلك النهائي بما بين 100 و120 جنيهاً".

ويتابع الكردي أن "المنتجين يتحملون خسائر يومية كبيرة، ما اضطر عدداً غير قليل منهم إلى ترك المهنة والتحول لمهن أخرى وقيام البعض بذبح الأبقار لعجزهم عن إطعامها ولتغطية خسائرهم، ما أدى لتراجع كمية القطيع المنتج للألبان من 165 ألف رأس في 2018 إلى 60 ألفاً فقط حالياً".

ويلقي منتجون بالمسؤولية على الحكومة في أزمة أسعار الألبان، حيث يقول محمد صديق دروس، عضو غرفة الألبان في اتحاد غرف الزراعة والإنتاج الحيواني، إن الحكومة تعمل على تصدير مدخلات الإنتاج للدول العربية خاصة الإمارات والسعودية، وبالتالي هي مسؤولة عن تراجع إنتاج الألبان في السودان من 700 طن إلى 200 طن أو أقل يومياً.

ويقول دروس لـ"العربي الجديد"، إن هناك العديد من الحلول لتطوير قطاع اللحوم والألبان بتخصيص الحكومة أراضي لإنشاء مراع للألبان وتمليكها للمنتجين ضمانا لاهتمامهم ببيئتها وتوفير الأدوية اللازمة والحد من تصدير المواد الخام اللازمة للأعلاف، مضيفا أنه من دون إيجاد حلول ستتفاقم المشكلة وتتصاعد أسعار الألبان بشكل يفوق القدرات الشرائية للمواطنين.

ووفق تقرير أخير لغرفة الألبان، فإن هناك العديد من المعوقات التي زادت من تفاقم الصعوبات التي يواجهها القطاع الحيواني، أبرزها تردي الأوضاع الاقتصادية وتأثيرات جائحة فيروس كورونا وفترة الإغلاق الشامل والانخفاض الكبير في قيمة العملة الوطنية مقابل الارتفاع في تكلفة الإنتاج.

ولطالما كان تعويم الجنيه السوداني مطلباً رئيسياً لصندوق النقد. وفي سابقة هي الأولى من نوعها، قفز سعر صرف الدولار إلى نحو سبعة أضعافه رسمياً أمام الجنيه، فور إعلان الحكومة الانتقالية تعويم سعر الصرف في 21 فبراير/ شباط الماضي، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع حاد في أسعار مختلف السلع، في البلد الذي يشهد بالأساس انفلاتاً في معدل التضخم.

ويقول حسين القوني، رئيس المجلس الاستشاري لجمعية حماية المستهلك: "ينبغي على الحكومة الانتقالية الجلوس مع منتجي الألبان وغرفة الإنتاج الحيواني والوزارات ذات الصلة، للوقوف على مسببات التكلفة الفعلية للإنتاج ووضع معالجات فورية لخفض أسعار الألبان التي صارت تشهد زيادات مطّردة اضطرت غالبية المواطنين للإحجام عن الشراء رغم أنها سلعة استراتيجية خاصة للأطفال".

ويضيف: "من الضروري أيضا إلغاء كافة الرسوم المفروضة على منتجي الألبان وإيقاف تمدد الوسطاء والذين ينتشرون في مواقع الإنتاج ويتسببون في قفزات الأسعار".

ويعيش المواطن السوداني أوضاعاً اقتصادية صعبة، إثر التدهور المستمر للاقتصاد القومي وعدم مقدرة الحكومة الانتقالية على السيطرة على الوضع المعيشي المتأزم.

واتخذت الحكومة إجراءات لتخفيف تداعيات الأزمة الاقتصادية الحادة عن طريق صرف مساعدة شهرية تبلغ خمسة دولارات من المقرر أن تصل في نهاية المطاف إلى 80% من السكان، وفق وزارة المالية التي أشارت أخيرا إلى أن هذه الإجراءات تهدف فقط إلى التخفيف من تأثير أي تضخم إضافي، لكن مواطنين أكدوا أن الزيادة المستمرة في الأسعار تلتهم أضعاف ما تعهدت به الحكومة لتخفيف التداعيات الناجمة عن قرارات تعويم الجنيه وإلغاء الدعم.

المساهمون