الدعم الشائك في ليبيا... خطوة حكومية غير مضمونة لإنهاء ملف المحروقات

28 مارس 2021
السيارات تصطف أمام محطة وقود في طرابلس التي تشهد نقصاً في البنزين (فرانس برس)
+ الخط -

قرر رئيس مجلس الوزراء الليبي عبد الحميد الدبيبة، تشكيل لجنة لتحديد مصير رفع الدعم عن المحروقات، من أجل وقف الهدر المالي في هذا القطاع، عبر محاربة ظاهرة تهريب الوقود الرخيص إلى الخارج، فيما تظهر دراسة رسمية اطلعت عليها "العربي الجديد" أن من المقترح زيادة أسعار المحروقات بنسبة تتجاوز 600%.

وبينما تؤكد الحكومة، أن رفع الدعم عن المحروقات يأتي في إطار إصلاحات اقتصادية للبلد الذي واجه العديد من الصعوبات في ظل الصراع وتراجع عائدات تصدير النفط الذي يعد المورد الأساسي له، إلا أن مواقع التواصل الاجتماعي، شهدت رفضا واسعا لهذه الخطوة.

وأعرب مواطنون وخبراء اقتصاد عن مخاوفهم من تداعيات رفع الدعم، داعين إلى ضرورة العمل على حزمة من المعالجات للقطاع المصرفي من خلال توفير السيولة النقدية قبل اعتماد القرار، بالإضافة إلى العمل على تحسين الوضع المعيشي تفاديا للمزيد من انهياره ومواجهة المواطن لموجة تضخم جديدة.

وبحسب بيان صادر عن وزارة المالية، قرر رئيس الوزراء، مساء الجمعة، تشكيل لجنة برئاسة وزير الاقتصاد، وعضوية وزيري المالية والدولة للشؤون الاقتصادية، لـ"وضع مقترح لرفع الدعم عن المحروقات واستبداله بالدعم النقدي".

وتباينت تعليقات خبراء الاقتصاد حيال ضرورة رفع الدعم عن المحروقات لوقف الهدر المالي وكبح عجز الموازنة العامة للدولة، إلا أن المخاوف من عدم وجود قرارات من شأنها حماية الفقراء ومحدودي الدخل من تداعيات هذه الخطوة كان الأكثر حضوراً في المشهد.

يقول خبير الاقتصاد، عبد السلام زيدان لـ"العربي الجديد" إن "مثل هذه القرارات خطوة جيدة في اتجاه الإصلاح الاقتصادي، فالهدف الرئيس للحكومة من وراء هذا القرار هو محاربة ظاهرة تهريب الوقود إلى خارج البلاد من خلاله موازنته مع أسعار دول الجوار".

ويضيف زيدان أنه "حتى الآن فالقرار يتحدث عن لجنة لوضع مقترح ما يعني أننا لم نرَ كيفية المعالجة لإشكالية دعم المحروقات، لكن أهم جانب في الخطوة أن تتوفر على جدول زمني يوضح مراحل رفع الدعم".

أما الخبيرة الاقتصادية، عافية الجروي، فتحذر من تبعات هذا القرار على مستوى معيشة المواطن إذا لم تسبقه العديد من الإجراءات، مشيرة إلى أهمية إعادة صرف "منحة الأسر وعلاوة الأبناء والزوجة كطريق لرفع دخول المواطنين" قبل رفع الدعم عن المحروقات.

وتصف الجروي، قرار الحكومة ببحث رفع الدعم عن المحروات بأنه يأتي في إطار "إجراءات هشة تقوم على توفر السيولة النقدية"، مضيفة: "هذه الخطط ليست جديدة ولم تتمكن الحكومات السابقة بما فيها النظام السابق من تطبيقها، وبالتالي ما الذي استجد لدى الحكومة الحالية".

وكان مجلس الوزراء في حكومة الوفاق الوطني السابقة، قد أقر من حيث المبدأ في إبريل/ نيسان من العام الماضي، رفع الدعم عن المحروقات مع تفعيل علاوة العائلة ومنحة الزوجة والأولاد ودعم المعاشات التقاعدية، ومنحة الباحثين عن العمل وغيرها من إعانات لدعم معيشة المواطين، إلا أن الخطوة لم تطبق على أرض الواقع.

وتقول الخبيرة الاقتصادية إن "رفع أسعار الوقود يعني ارتفاع رسوم الكهرباء وأيضا منتجات الشركات وهنا مكمن الخطر الذي لم تتبنه له الحكومة"، مضيفة أن "الأمر يتطلب سلطة قوية للسيطرة على جشع التجار الذين سيعمدون لتخزين السلع بهدف رفع أسعارها بينما أجهزة الدولة ضعيفة".

وتشير إلى ضرورة محاربة تهريب الوقود، عبر سيطرة الحكومة على المنافذ الحدودية ونشر شرطة خاصة بمكافحة التهريب، قبل المضي إلى رفع الدعم عن المحروقات.

لكن مصدرا حكوميا يكشف عن إصرار حكومة الوحدة الوطنية على إنهاء الملف، متوقعا رفع الدعم بشكل كلي، خلال الربع الثاني من العام الجاري (من بداية إبريل/ نيسان حتى نهاية يونيو/حزيران)، مؤكدا أن الحكومة لا تستطيع توفير الدعم بسعر لتر بنزين بقيمة 0.15 دينار، بينما يكلف الدولة نحو 4.5 دنانير ( حوالي دولار).

وبحسب دراسة لوزارة الاقتصاد بشأن رفع الدعم على المحروقات، اطلعت عليها "العربي الجديد"، من المقترح زيادة سعر لتر البنزين من 0.15 ديناراً إلى 1.1 دينار، بزيادة تبلغ نسبتها 660%، ولتر الديزل من 0.15 دينار إلى 1.250 دينار، وسعر استبدال أسطوانة غاز الطهو من 1.5 دينار إلى 10 دنانير.

وتأتي مساعي الحكومة لرفع الدعم عن المحروقات، في الوقت الذي تشهد فيه العاصمة طرابلس والعديد من المناطق المجاورة نقصا في الوقود، بينما يؤكد سكان في مناطق نائية انقطاع الإمدادات بشكل شبه كامل منذ ما يزيد عن شهر، فيما يباع لتر البنزين في السوق السوداء بنحو دينارين ونصف الدينار.

ويقول الخبير الاقتصادي، عطية الفيتوري في حديث مع "العربي الجديد": "يجب على الدولة وضع برنامج شامل بشأن كيفية إدارة ملف الدعم، مع توفير دعم نقدي للمواطنين ووضع آلية مالية للوصول الدعم النقدي لمن يستحق".

ويتخوف كثيرون من انفلات أكبر في الأسواق، لا سيما بعد أن تسبب الخفض الحاد في قيمة الدينار مطلع العام الجاري إلى ارتفاع كبير في أسعار مختلف السلع والخدمات.

وتشهد الأسواق ارتباكاً كبيراً منذ أن بدأ البنك المركزي مطلع العام الجاري، تطبيق سعر جديد للصرف يبلغ 4.48 دنانير للدولار الواحد، بينما كان السعر الرسمي يبلغ 1.4 دينار للدولار قبل هذه الخطوة، ليقترب السعر الرسمي من القيمة التي يُجرى التعامل بها في السوق السوداء.

ويرى الخبير الاقتصادي، أبوبكر الهادي، أن ملف رفع الدعم عن المحروقات "ثقيل جدا على حكومة الوحدة الوطنية لأن الحكومات المتعاقبة منذ 2012 لم تستطيع الإقدام على هذه الخطوة بسبب المخاوف من الآثار الاجتماعية المترتبة على الرفع كلي عن الدعم".

وفي السياق، يقول مدير مركز أويا للدراسات الاقتصادية، أحمد أبولسين، إن هناك مخاوف من عدم قدرة المواطن على تحمل الآثار المترتبة على زيادة أسعار المحروقات وتداعياتها، مشيرا إلى وجود عجز يصل إلى 40% في القدرة الإنفاقية للأسرة الليبية على بعض خدمات المرافق العامة مثل الوقود والمياه والكهرباء بتسعيرتها الحالية.

ويؤكد أبولسين، على أهمية معالجة تداعيات رفع الدعم أولا على الطبقات الأفقر في المجتمع، مشيرا إلى ان الأمر لن يكون سهلا خاصة في ظل غياب الدراسات الحكومية حول الفئات الفقيرة وكيفية تقييمها وكذلك قيمة الدعم النقدي للفئات المستحقة.

ويتابع أنه "من الضروري منح المستهدفين مبلغا نقديا مساويا للفارق بين السعر المدعوم والسعر العالمي للمحروقات، بعد مراعاة معدل التضخم.

المساهمون