الجنيه يخيف المصريين: اندفاع لاكتناز الدولار والذهب وشهادات الادخار

17 يناير 2024
الذهب يستمد قوته من ضعف الجنيه (Getty)
+ الخط -

تشهد الأسواق المصرية هروباً من الجنيه واندفاعاً غير مسبوق من المواطنين على شراء الذهب والدولار وزحاماً شديداً على البنوك العامة لاقتناء شهادات ذات العائد المرتفع بنسبة 27%، في بلد يشهد ارتفاعاً هائلاً في أسعار السلع الأساسية واختفاء بعضها، منها السكر والأرز، ويتهافت أصحاب المدخرات على طلب الذهب والدولار والمنتجات البنكية، في طوابير تطول لأمتار، أمام البنوك ومحلات الذهب، وتكثر أسواق تداول العملة الصعبة بعيداً عن الأجهزة الرقابية، في مشاهد مثيرة، تعكس حجم القلق الذي أصاب ملايين المستهلكين في سوق ضخم، قوامه 105 ملايين نسمة، يواجه تراجعاً في النمو وركوداً مستمراً في الشركات غير النفطية، مستمراً منذ 37 شهراً، بسبب نقص العملة الصعبة وندرة الاستثمارات الموجهة للأنشطة الاقتصادية وارتفاع التضخم ومعدلات الفائدة.  

يتداول الذهب عند سعر أعلى من المتوسط العالمي بنسبة 10% بقيمة خام الذهب، وفقاً لأسعار الدولار بالسوق الموازية، تفوق 40% عند التحويلات الرسمية بالدولار، الذي يشهد قفزات بسوق الذهب، رفعته إلى 59.13 جنيهاً ظهر أمس. سجل متوسط سعر الغرام عيار 24 نحو 3851 جنيهاً، وعيار 21 الأكثر انتشاراً 3370 جنيهاً في حين تراجع سعر الأونصة إلى 2025 دولاراً، في شاشات التداول العالمية، ومحلياً بنحو 119 ألفاً و779 جنيهاً.  

يبحث أصحاب المدخرات عن الدولار، للاحتفاظ به خارج القطاع المصرفي، بما دفع أسعاره إلى مستويات هائلة، حيث بلغ الدولار 58.17 جنيهاً أمس، بزيادة 80% عن سعره السائد في البنوك منذ مارس 2023، عند مستوى أقل من 31 جنيهاً.   

في دولة تصنف ضمن الدول مرتبة متدنية بين الدول متوسطة الدخل، يندفع المدخرون نحو البنوك بحثاً عن أقل معدلات مخاطر في استثمار الأموال، والنمو المستمر بقيمة المدخرات، بالتزامن مع رفع الفائدة على المدخرات، وطرح منتجات تبدو مرتفعة العائد لامتصاص السيولة من السوق، في إطار سياسة نقدية متشددة يقودها البنك المركزي للسيطرة على معدلات التضخم القياسية، وجذب أصحاب المدخرات بالجنيه إلى السوق المصرفية، في وقت تتوقع الأسواق تعويماً جديداً، وتحركات بسعر الصرف تدفع إلى خفض الجنيه.  

التضخم وهبوط الجنيه

ويقبل أصحاب الدخل الثابت، وغير القادرين على ضخ أموالهم في مشروعات استثمارية وتجارية بديلة، على شراء الشهادات والمنتجات البنكية ذات العائد مرتفع يصل إلى 27%، في ظل متوسط 33% خلال 2023، بما يعرض المدخرات للتآكل.  

تؤدي الارتفاعات المتواصلة في معدلات التضخم إلى تآكل القوة الشرائية للدخول، مع الضغط على الأفراد للحفاظ على معدلات ادخار مرتفعة لزيادة الدخل، بنفس مستوى زيادة الأسعار، في ظروف يصعب توافرها وفقاً لتحليل إحصائي أجرته الدكتورة هبة الليثي أستاذ الإحصاء بجامعة القاهرة. سجل التضخم متوسطاً يفوق 33%، على مدار عام 2023، بينما تراوحت الزيادة في الرواتب ما بين 15% للعاملين بالقطاع الإداري و25% لأصحاب المعاشات والكوادر الخاصة.   

تشير دراسة أجراها المركز "حلول للسياسات البديلة" بالجامعة الأميركية إلى وجود فئات قادرة على الادخار في الذهب والعقارات والمنتجات البنكية، رغم الوضع الاقتصادي الصعب، مع ظهور تأثيرات غير عادلة للأزمات الاقتصادية، في طبقات المجتمع وأنماطها الادخارية، حيث ارتفعت معدلات الادخار في الطبقة الأغنى وانخفضت إلى الطبقات الأقل دخلاً.

سجلت الدراسة، حصلت "العربي الجديد" على نسخة منها، شراء المصريين نحو 46.4 طناً من الذهب خلال الفترة من يناير إلى سبتمبر 2023، مقابل 38.5 طناً لنفس الفترة عام 2022، بزيادة 20.5%، رغم زيادة سعر الذهب بنسبة 220%، خلال الفترة بين عامي 2021 و2023، حيث ارتفع متوسط سعر الغرام عيار 21 الأكثر شيوعاً من معدل 807 جنيهات إلى 2570 جنيهاً.  

تشير بيانات شعبة الذهب بالغرف التجارية إلى أن حجم الطلب على السبائك والجنيهات الذهبية، التي يحرص المصريون على اكتنازها، شهد نمواً مع بداية عام 2023، بلغت 24.9 طناً ذهباً، بنسبة ارتفاع 87.3% خلال الفترة من يناير إلى سبتمبر 2023، عن نفس الفترة من عام 2022، في حين انخفض الطلب على المشغولات والمصوغات ذات الأوزان الخفيفة. سجلت أسعار الذهب عيار 24، خلال 2023، ارتفاعاً بنسبة 74.5%، بعد زيادة سعره من مستوى 1886 جنيهاً إلى نحو 3290 جنيهاً بنهاية العام.   

تظهر النشرة الإحصائية للبنك المركزي زيادة بحجم الودائع العائلية خلال الفترة من 2028 إلى 2023، بنسبة 79.3%، حيث بلغت عام 2018، 1.8 تريليون جنيه، وتخطت 2.2 تريليون عام 2019، و2.8 تريليون 2020 وبلغت 3.6 تريليونات عام 2021، و4.4 تريليونات 2021 وصلت إلى 4.7 تريليونات جنيه عام 2023.  

طرحت البنوك الحكومية شهادات استثمار ذات العائد المرتفع لمدة عام مطلع يناير 2023، بفائدة سنوية 25%، وبعد انقضاء مدتها خلال الشهر الجاري أصدرت شهادات لمدة عام آخر، بفائدة 27%، لضمان عدم خروج سيولة تقدر بنحو 560 مليار جنيه قيمة الشهادات وفوائدها التي طرحت 2023.  

الطلب على العقار

تناولت الدراسة رؤية لمحللين عقاريين تظهر نمواً في الطلب السنوي على العقار بنسبة 34%، في موسم ذروة الطلب خلال يوليو 2023، بما يمثل نمواً في الطلب بنسبة 100%، خلال الفترة من يناير إلى سبتمبر 2023، وبنسبة 125%، عن نفس الفترة من عام 2022.

بلغت قيمة المبيعات في أهم الشركات العقارية نحو 142 مليار جنيه، عام 2023، ارتفاعاً من 63 مليار جنيه عن عام 2022، بما يعكس زيادة الطلب على العقار كوعاء ادخاري لفئة مستهدفي الاستثمار على المدى البعيد. يشير مطورون عقاريون إلى أن ارتفاع تكلفة مواد البناء عام 2023، بما يفوق ضعف قيمتها عن 2022، أدى إلى ارتفاع نسبة التضخم في سعر العقارات بنسبة 80%، بما دفع المشترين إلى الإحجام النسبي عن توجيه استثماراتهم في القطاع العقاري، مع تفضيلهم اقتناء الذهب أو تخزين الدولار.

 

يؤكد فتح الله فوزي رئيس لجنة الإسكان والتطوير العقاري بجمعية رجال الأعمال أن العقار سيظل في نظر المصريين من أهم الأوعية الاستثمارية، رغم تحمله تكلفة العديد من الضرائب والرسوم، وارتفاع التضخم التي أصابت الأسواق بشدة، خلال العامين الماضيين، لأن قيمته تتصاعد وتظل على المدى الطويل أفضل أداء من عوائد الادخار النقدي أو اكتناز الذهب.  

تؤكد دراسة مركز حلول للسياسات البديلة أنه رغم ارتفاع الطلب على الأوعية الادخارية ومع ارتفاع ودائع القطاع العائلي بنسبة 50%، خلال الفترة من يونيو 2020 إلى يونيو 2022، فإن معدلات الادخار العامة لا تزال دون المستوى المطلوب للتأثير بالإيجاب في التنمية الاقتصادية للبلاد. بلغ معدل الادخار عام 2022 نحو 13%، أقل بنسبة 7% عن المعدل العالمي، مدفوعاً بانخفاض وسوء توزيع الدخول والتصاعد المستمر بمعدلات التضخم، مع زيادة معدلات الاستهلاك.  

تشير الدراسة إلى أهمية زيادة معدلات الادخار في تكوين رأس المال اللازم لتمويل المشروعات الاستثمارية وزيادة الطاقة الإنتاجية والتنمية الاقتصادية، حيث توجد علاقة طردية بين النمو والادخار، وبين زيادة معدلات التشغيل والبطالة، بالإضافة إلى دور رأس المال في زيادة الطلب على السلع والخدمات التي تساهم في تسريع العجلة الإنتاجية واستمرارية دوران رأس المال.

المساهمون