التنين الصيني يشعل الطلب على الغاز ... والأسواق تخشى انتقام الدب الروسي من الغرب

02 يناير 2023
استمرار الصراع الغربي مع روسيا يزيد توقعات صعود أسعار الغاز (فرانس برس)
+ الخط -

ظلّ الغاز الطبيعي العنوان الأبرز خلال العام المنقضي 2022، في ظل أزمة الطاقة العالمية، التي اشتعلت مع اندلاع الحرب الروسية في أوكرانيا وزخات العقوبات الغربية الواسعة ضد موسكو، التي زادت تعقد أزمة الإمدادات إلى أوروبا تحديداً، بينما كانت تعاني بالأساس من نقص التدفقات قبل الحرب، ما تسبب في قفزات قوية ومفاجئة في أسعار الطاقة.

ورغم توقعات العديد من المؤسسات المالية الدولية بتباطؤ الاقتصاد العالمي في 2023 ووصوله إلى حد الركود في مناطق متفرقة من العالم ما ينعكس هبوطاً على مستويات الطلب على الغاز وأسعاره، إلّا أنّ هناك العديد من الشواهد التي ترسم سيناريوهات مغايرة للوقود الأزرق، ليظلّ متصدراً المشهد في العام الجديد.

ولا تزال تبعات الحرب الروسية في أوكرانيا مستمرة، فضلاً عن دخول العقوبات الغربية على روسيا منعطفاً جديداً بفرض سقف على أسعار الغاز الروسي اعتباراً من فبراير/ شباط المقبل، الأمر الذي يثير مخاوف من رد فعل صادم للأسواق من جانب موسكو، بخاصة إذا ما تعرضت صادراتها لمزيد من الاختناق.

كما أنّ الصين تبدو عازمة على نفض قيود مواجهة كورونا وتنشيط النمو الاقتصادي الذي شهد تباطؤاً بفعل هذه القيود، ما يزيد من الطلب على الغاز الطبيعي، وذلك رغم المخاوف المتعاظمة عالمياً من عزل الصين عبر قيود على المسافرين منها.

وفي ظل هذه العوامل، ينظر المشترون لا سيما في أوروبا بريبة إلى إمدادات الغاز الأميركية، التي حلت بقوة في القارة الباردة العام الماضي، خاصة في ظل تدخل عوامل طبيعية تصل إلى حد القوة القاهرة، تتسبب في تعطل الإمدادات بشكل مفاجئ، فضلاً عن تأخر عمليات النقل وصعود التكاليف.

وخلال الأيام الماضية، عطلت موجة البرد القاسية التي شهدتها الولايات المتحدة الكثير من آبار الغاز وجمدت الأنابيب، لتستحضر ذكريات الموجة القطبية التي ضربت ولاية تكساس في شتاء 2021 وتسببت في أزمة طاقة في أكبر اقتصاد بالعالم وانقطاع التيار الكهربائي على نطاق واسع.

وكشفت العاصفة الثلجية التي وصفت بـ"عاصفة القرن" عن هشاشة منظومة الطاقة الأميركية، وفق ما نقلت وكالة بلومبيرغ الأميركية أخيراً عن مايكل ويبر، أستاذ موارد الطاقة في جامعة تكساس في أوستن.

وبينما ينظر إلى 2023 على أنه نقطة فاصلة بالنسبة لبدء حقبة جديدة من تحول ميزان القوى الاقتصادية في العالم بسبب التغيرات التي ستشهدها اقتصادات كبرى على غرار أوروبا والولايات المتحدة، وفق تقرير صادر أخيراً عن مركز الدراسات البريطاني "سي إي بي آر"، فإن خريطة مشتري الغاز وكذلك مواقع الإنتاج قد تشهد تحولات أوسع، اعتباراً من هذا العام، وفق تقرير صادر أخيراً عن وكالة الطاقة الدولية.

ومن المحتمل أن تشهد سوق الغاز تبايناً في اتجاهات الاستهلاك بين المناطق، إذ تقود آسيا والمحيط الهادئ إلى جانب الشرق الأوسط وأفريقيا نمو الطلب العالمي، في حين أن من المرجح تراجعه في أميركا الشمالية وأوروبا الغربية وأوراسيا بسبب الركود الاقتصادي المتوقع والتأثر بتداعيات الحرب الروسية والعقوبات المفروضة على موسكو.

وتتوقع وكالة الطاقة ارتفاع استهلاك الغاز الطبيعي في منطقة آسيا والمحيط الهادئ إلى 923 مليار متر مكعب خلال 2023، بعد تقديرات بنحو 895 مليار متر مكعب في 2022، بقيادة الصين، التي من المرجح أن تشهد زيادة 20 مليار متر مكعب في الطلب، ليسجل 390 مليار متر مكعب.

وتأتي توقعات تعافي الطلب على الغاز في الصين على خلفية الانفتاح التدريجي للاقتصاد وإلغاء قيود كورونا، على الرغم من أن ارتفاع أسعار الطاقة العالمية والمخاوف الاقتصادية ستستمر في الضغط على مستويات الاستهلاك.

في المقابل، تستمر آثار الحرب الروسية الأوكرانية بالضغط على استهلاك الغاز في أوروبا خلال 2023، إذ من المرجح انخفاضه إلى 531 مليار متر مكعب، مقابل 604 مليارات متر مكعب عام 2021، قبل بدء الحرب في أوكرانيا نهاية فبراير/ شباط من العام الماضي.

وتتوقع وكالة الطاقة هبوط الطلب على الغاز الطبيعي في أميركا الشمالية إلى 1102 مليار متر مكعب في العام الجديد مقارنة مع 1114 مليار متر مكعب خلال 2022. ويأتي ذلك مع توقعات انخفاض الطلب على الغاز في الولايات المتحدة إلى 876 مليار متر مكعب 2023، مقابل 890 مليار متر مكعب في 2022، بسبب التباطؤ الاقتصادي الذي قد يصل إلى حد الركود.

وفي تقرير لبنك الاستثمار الهولندي "أي إن جي" فإنّ صادرات الغاز الروسية إلى الاتحاد الأوروبي قد تهبط بنسبة 60% إلى 23 مليار متر مكعب في عام 2023، حال استمرار التدفق بالمستويات الحالية، بعد انخفاضها بأكثر من النصف إلى 60 مليار متر مكعب تقريباً في 2022.

ومن شأن هذا الانخفاض أن يعزز تجارة الغاز المسال العالمية بنسبة 4% في 2023. وتتوقع وكالة الطاقة ارتفاع واردات أوروبا من الغاز المسال إلى مستوى قياسي عند 177 مليار متر مكعب في العام الحالي. ورغم ذلك، فإنّ سوق الغاز الأوروبية قد تشهد عجزاً يصل إلى 27 مليار متر مكعب، في حالة الانقطاع التامّ لشحنات الغاز الروسي وعودة واردات الصين من الغاز المسال إلى مستويات 2021.

وتدفع هذه الأوضاع أسعار الغاز إلى البقاء عند مستويات مرتفعة ليظل عام 2023 عام الطاقة أيضاً مثلما كان العام الماضي، لتدور الكثير من الاقتصادات العالمية في فلكه، بخاصة أنّ موافقة دول الاتحاد الأوروبي في ديسمبر/كانون الأول الماضي، على وضع سقف لأسعار الغاز الروسي عند 180 يورو (191 دولاراً) لكلّ ميغاواط/ساعة، ودخول ذلك حيز التنفيذ في 15 فبراير/شباط المقبل، لن يحل عجز الإمدادات، بل يمكن أن يفاقم الأزمة في سوق الغاز الأوروبية، وفق تقرير لبنك الاستثمار الأميركي غولدمان ساكس.

وأصبحت آسيا بخاصة الصين، وجهة تصدير ذات أولوية للطاقة الروسية بعد أن انخفضت صادرات "غازبروم" إلى خارج دول الاتحاد السوفييتي السابق بما يقارب 50% العام الماضي إلى 100.9 مليار متر مكعب، وفق الرئيس التنفيذي للشركة ألكسندر ميلر نهاية الشهر الماضي.

لكن ميلر توقع أن ينمو الطلب العالمي على الغاز وأنّ شركة غازبروم تستعد لهذا النمو، مضيفا أنّ الصين من المقرر أن تمثل 40% من نمو الطلب العالمي على الغاز، وأنّ غازبروم تستعد للاستفادة من هذه التوقعات، إذ تخطط لزيادة صادراتها إلى الصين إلى 48 مليار متر مكعب "قريباً جداً".

وأعلنت الحكومة الصينية نهاية 2022 وقف إجراءات مطالبة المسافرين الوافدين بالحجر الصحي بداية من 8 يناير/كانون الثاني 2023، ما يُعد تطوراً كبيراً في تخفيف إجراءات مواجهة كورونا الصارمة منذ بداية ظهور الجائحة مطلع 2020.

ويتوقع مراقبون عودة النشاط الصناعي في الصين إلى الانتعاش، ما قد يؤدي إلى ارتفاع الطلب المحلي في أكبر دولة من حيث السكان بواقع 1.4 مليار نسمة تقريباً، وثاني أكبر اقتصاد في العالم.

ويتوقع أن تدفع هذه المؤشرات أسعار الغاز المسال في الأسواق الآسيوية لمواصلة مستوياتها المرتفعة المسجلة العام الماضي. وبلغ متوسط أسعار الغاز المسال على مؤشر "جيه كيه إم" الآسيوي قرابة 34 دولاراً لكل مليون وحدة حرارية بريطانية (وحدة قياس عالمية)، بنسبة ارتفاع تجاوزت 126% عن المتوسط البالغ حوالي 15 دولاراً للمليون وحدة حرارية في عام 2021.

ويتوقع محللون ارتفاع متوسط الأسعار إلى 36 دولاراً لكل مليون وحدة حرارية لعام 2023، كما يتوقع أن تزيد عن هذه المستويات في السوق الأوروبية المتعطشة للغاز في ظل استمرار الأزمة مع روسيا.

وأغلقت روسيا خط أنابيب "نورد ستريم 1" الناقل الرئيس للغاز إلى أوروبا بداية من 11 يوليو/تموز 2022 لأعمال الصيانة قبل إيقافه لأجل غير مسمى منذ نهاية أغسطس/آب الماضي، فضلاً عن توقف تدفقات الغاز من خلال خط أنابيب "يامال" عبر بولندا بدءاً من منتصف مايو/أيار الماضي.

ونتيجة لذلك، قفزت أسعار الغاز الأوروبية وفق المعيار الرئيس "تي تي إف" الهولندي إلى متوسط 40 دولاراً لكلّ مليون وحدة حرارية بريطانية خلال الأشهر الـ 11 الأولى من العام الماضي، بزيادة 7 مرات عن المتوسط في آخر 5 سنوات، وفق وكالة الطاقة الدولية.

وبلغت أسعار الغاز في أوروبا مستوى غير مسبوق، خلال أغسطس/آب 2022، عند 99 دولاراً لكلّ مليون وحدة حرارية (340 يورو لكلّ ميغاواط/ساعة)، مع إغلاق "نورد ستريم 1" وإيقاف بعض محطات التصدير في أميركا وأستراليا، قبل أن تهدأ منذ ذلك الحين لتكون في طريقها لتنهي ديسمبر أعلى قليلاً من 30 دولاراً.

المساهمون