البصل أصبح قضية رأي عام سوري.. والشحنة المصرية موضع تشكيك

06 مارس 2023
البصل السوري لم يكن منافساً للبصل المصري والباكستاني والهندي في الموسم الماضي (فرانس برس)
+ الخط -

تتالت ردود حكومة بشار الأسد بعد حملة الامتعاض والانتقادات بالشارع السوري بسبب ندرة البصل وارتفاع سعر الكيلوغرام إلى 16 ألف ليرة، قبل أن تتحول أسهم السوريين إلى شحنة البصل المصري التي استوردتها وزارة التجارة السورية، الأسبوع الماضي، لتسد بعض الخلل بعرض المادة، بعدما صدّرت الحكومة في الموسم السابق إنتاج السوريين سعياً وراء الدولار ورفعت تكاليف الإنتاج الزراعي، لتقع سورية المنتجة أضعاف حاجة استهلاكها ضحية شح البصل. (دولار السوق السوداء = 7400 للشراء و7475 للمبيع).

وقالت وزارة الزراعة بحكومة الأسد، اليوم، رداً على حظر بعض الدول استيراد البصل المصري بسبب الأثر المتبقي للمبيدات، إن استيراد البصل من مصر تم وفق اشتراطات الصحة النباتية السورية وهي خالية من كافة الآفات الخاضعة للوائح وتم فحص الشحنات من قبل مركز الحجر الصحي النباتي في منفذ الدخول في مرفأ طرطوس بعد تدقيق كافة الوثائق المرفقة، وخاصة الشهادة الصحية النباتية إضافة إلى أخذ عينات وإرسالها إلى المخابر المختصة المعتمدة (نيماتودا، أمراض فيروسية وغيرها)، حيث بينت النتائج خلوها من الآفات وبالتالي تم الإفراج عنها أصولاً.

وأضافت أن خبر حظر استيراد البصل من مصر بسبب الأثر المتبقي للمبيدات قديم "منذ أكثر من 4 سنوات" وتم التواصل مع إدارة الحجر الزراعي في مصر وتبين أن هذا قرار قديم صدر بحظر مؤقت على البصل، وتم إلغاؤه بعد صدوره بشهرين، وحالياً لا يوجد أي حظر من أي دولة في العالم على استيراد البصل المصري.

وحول "سمسرة الحكومة" جراء الشحنة المصرية وبيع البصل بالصالات الحكومية بسعر مرتفع (6 آلاف للكيلوغرام)، قال وزير التجارة الداخلية عمرو سالم إن تكاليف كيلوغرام البصل 4700 ليرة واصل إلى مرفأ طرطوس، مبيناً خلال تصريحات، اليوم، أن "السورية للتجارة" وزعت البصل، بعد شحنه، على 400 صالة مع ازدياد عدد الصالات يومياً، ما يزيد من تكاليف النقل، مشيراً إلى أنه وبالإضافة إلى هذه التكاليف هناك أجور عمال وفرز وعتالة وتكاليف الصالات، وتبقى للمؤسسة أرباح 5% فقط في كل كيلوغرام.

ولاقى توزيع البصل عبر البطاقة الذكية انتقادات واسعة وشعور السوريين بالإذلال، بررته وزارة التموين بتحقيق عدالة التوزيع وضبط الهدر والفساد.

ورد الوزير أن التوزيع عبر "البطاقة الذكية" هي الوسيلة الوحيدة للتأكد من أن المواطن فقط هو الذي حصل على البصل بهذا السعر وخصوصاً مع اقتراب شهر رمضان المبارك، مضيفا: "أنا جاهز لمناقشة أي فكرة تضمن حق المواطن دون استغلاله من قِبل تجار الأزمات، وليس من إذلال بالأمر. أنا اشتريت كيلوغرام بصل على بطاقتي ولم أشعر أني مذلول وأنا لست مدعوما لكن أشتري من صالاتنا لأنني أثق بها".

ولم يحل استيراد ألفي طن بصل من مصر الأزمة المتفاقمة بالسوق السورية بعد نفاد البصل وارتفاع سعر الكيلوغرام الواحد إلى 16 ألف ليرة بالعاصمة السورية دمشق، متفوقاً بسعره على الموز والتفاح، ما دفع وزارة التجارة الداخلية بحكومة بشار الأسد لإضافة بيع البصل عبر البطاقة الذكية وبالصالات الحكومية بسعر 6 آلاف ليرة للكيلوغرام، ما خلق طوابير جديدة تسعى للحصول على البصل بالمدن السورية، لتضاف إلى طوابير الساعين للخبز والمشتقات النفطية.

وفي حين أكدت حكومة الأسد أن خطوة بيع البصل عبر البطاقة الذكية "مؤقتة ريثما يطرح الموسم"، أضافت خلال بيان أن بيع البصل المستورد عبر المنافذ الحكومية هدفه "منع الفساد واحتكار التجار وبيعه للمستهلك بأسعار مرتفعة"، محددة كمية كيلوغرام واحد فقط للأسرة السورية كل أسبوع.

وترى المهندسة الزراعية بتول الأحمد أن تخبط قرارات الحكومة وعدم وجود سياسة اقتصادية هي أسباب الأزمة، لأن سورية تنتج من مادة البصل أضعاف حاجة الاستهلاك المحلي، لكن تخسير الفلاح، حسب تعبيرها، من خلال رفع مستلزمات الإنتاج الزراعي دفع العديد من الفلاحين للابتعاد عن زراعة البصل، خاصة بعد الموسم السابق الذي مني خلاله مزارعو البصل بخسائر كبيرة حيث لم يصل سعر الكيلوغرام إلى 500 ليرة، في حين أن تكاليف الإنتاج مرتفعة، خاصة المحروقات، التي وصل سعر الليتر منها إلى 10 آلاف ليرة سورية.

وتضيف المتخصصة السورية متحدثة لـ"العربي الجديد"، أن سماح حكومة الأسد بتصدير البصل في العام الماضي، لتحصيل القطع الأجنبي، بصرف النظر عن حاجة السوق أو تخزين المادة، أدى إلى زيادة الأزمة ووصول سعر كيلوعرام البصل إلى أكثر من 15 ألف ليرة بدمشق، متسائلة بالوقت نفسه عن سبب عدم استجرار الحكومة للموسم وتخزينه، إذا كان الإنتاج كبيراً في العام الماضي ليتم طرحه عند تراجع المعروض بالسوق.

وشهدت دمشق أمس طوابير السوريين أمام صالات المؤسسة الحكومية (السورية للتجارة) ينتظرون للحصول على كيلوغرام من البصل بالسعر المدعوم، بعد وصول شحنات الاستيراد من جمهورية مصر، في حين ما زال سعر كيلوغرام البصل بالسوق السورية نحو 12 ألف ليرة، بحسب مصادر تحدثت لـ"العربي الجديد".

ويقول مدير "السورية للتجارة" زياد هزاع، خلال تصريحات إذاعية نقلتها "شام اف ام"، إنه يمكن لكل عائلة الحصول على كيلوغرام واحد من البصل ليتمكن الجميع من الحصول على المادة، مشيراً إلى أنه بعد النصف الأول من شهر آذار/ مارس سيتوفر البصل بكثافة لأنه حينها سيتم البدء بإنتاج البصل الفريك وسيكون الإنتاج وفيراً.

بدوره، برر وزير الزراعة بحكومة الأسد حسان قطنا، أمس، خلال تصريحات، الأزمة بأن إنتاج سورية لهذا الموسم من البصل لم يزد عن 42 ألف طن، وأن الصادرات فقط 118 طنا، ومن ثم تم إيقاف التصدير.

ويتساءل الاقتصادي السوري حسين جميل بقوله إنه لطالما كان الإنتاج قليلاً فلماذا سمحت الحكومة بتصدير البصل؟، مشيراً خلال حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى أن مجلس الوزراء وافق في أيار/ مايو من العام الماضي على تصدير البصل والثوم وزيت الزيتون، وهذه السلع يحتاجها السوق المحلي ويتشهى السوريون استهلاكها نتيجة ارتفاع الأسعار "ليوقفوا تصدير المنتجات وغذاء الشعب ليزيد العرض وتكسر الأسعار".

ويضيف جميل أن قرار تصدير الحمضيات اليوم، سيقلل المادة من السوق وتعاد أزمة البصل كما تكررت أزمة البطاطا والطماطم خلال المواسم السابقة، معتبراً أن النظر إلى دولار التصدير فقط، فيه سوء ائتمان وقصاص من السوريين (راتب السوري يشتري 7 كيلوغرامات من البصل!!)، مشيراً إلى أن سعر استيراد البصل اليوم أعلى من سعر تصديره، فهل سنرى محاسبة للجنة الاقتصادية التي أقرت تصدير البصل بالأمس وسمحت باستيراده اليوم؟

ويعيب الاقتصادي السوري على الحكومة التي تبيع البصل ضمن المواد المدعومة وعبر البطاقة الذكية، مشيراً إلى أنه منذ عام 2018، حينما أدخلت حكومة الأسد المواد المدعومة ضمن البطاقة الذكية، وكلفت شركة "تكامل" بالمشروع، والفساد مستشر وتفاوت العرض والطلب يتزايد، كما أن الأسعار تضاعفت "هذا إذا لم نسأل لمن شركة تكامل أو كيف يأكل العازبون أو من لا يمتلكون دفتر عائلة البصل؟".

ويكشف جميل أن البصل السوري لم يكن منافساً للبصل المصري والباكستاني والهندي في الموسم الماضي، ولو كان منافساً لسمحت حكومة الأسد بتصدير كامل الإنتاج لتحصل على الدولار و"ليس صحيحاً أن الحكومة أوقفت التصدير في الموسم السابق والصادرات هي فقط 118 طنا"، مستشهداً بفتح سقوف تصدير زيت الزيتون والأغنام السورية رغم الحاجة المحلية وارتفاع الأسعار.

المساهمون