البرلمان اللبناني يناقش موازنة 2022: استمرارية في الترقيع

البرلمان اللبناني يناقش موازنة 2022: استمرارية في الترقيع ومحاولة لإرضاء صندوق النقد

16 سبتمبر 2022
تردي الأوضاع المعيشية في لبنان يتفاقم مع انهيار الليرة (حسين بيضون/ العربي الجديد)
+ الخط -

عقد البرلمان اللبناني الخميس جلسة عامة لمناقشة مشروع الموازنة لعام 2022، بعدما أرجئت الأربعاء لعدم اكتمال النصاب، وذلك بالتزامن مع سلسلة تحركات شهدها محيط مجلس النواب لمتقاعدي القوى المسلحة والمودعين، والاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين، وغيرهم من الروابط والجمعيات، رفضاً لإقرار الموازنة بالصيغة الموضوعة قيد الدرس.

وعبّرت الكتل النيابية خلال الجلسة التي انطلقت صباحاً واستكملت في ساعات المساء، قبل أن ترفع اليوم الجمعة، عن موقفها من مشروع الموازنة، بحيث ساد شبه إجماع بضرورة ردّها إلى الحكومة باعتبارها تفتقد إلى الرؤية الاقتصادية والاجتماعية، وتقتصر على لعبة أرقام من دون أن تستند إلى خطة إنقاذية فعلية، وذلك في وقتٍ تمرّ البلاد بأسوأ أزمة اقتصادية وانهيار غير مسبوق لقيمة العملة الوطنية مقابل ارتفاع كبير في سعر صرف الدولار وزيادة معدلات الفقر والبطالة والجوع، مع العلم أن الكتل النيابية هي نفسها ممثلة في الحكومة صاحبة مشروع الموازنة المردود.

ووزعت لجنة المال والموازنة النيابية تقريرها حول الموازنة المحالة من قبل الحكومة، وأشارت إلى تحديد الواردات العادية لتغطية نفقات موازنة العام 2022، فالواردات العادية أو الذاتية تبلغ 39.109.172.000.000 ليرة، فيما تبلغ الواردات الاستثنائية 8.219.684.107.000 ليرة لبنانية. 

وتوقفت اللجنة أمام مدى واقعية الواردات المقدرة، لاسيما في ضوء حالة الانكماش التي يعاني الاقتصاد اللبناني منها منذ عدة سنوات، والتي تفاقمت من جراء أحداث 17 تشرين الأول 2019، وجائحة كورونا وانفجار مرفأ بيروت، والانخفاض الهائل في سعر صرف العملة الوطنية، فطلبت من وزارة المالية إفادتها عن ذلك، ولاسيما عن سعر الصرف المعتمد في تقدير الواردات.

وقالت: "أعدت وزارة المالية عدة سيناريوهات عن مفاعيل سعر صرف يتراوح ما بين 12.000 ليرة، و16.000 ليرة و20.000 ليرة على تقدير الواردات، فتبين أنها لن تتجاوز الـ26.519 مليار ليرة في أحسن الحالات، أي بنقص عن الواردات المقدرة سابقاً تبلغ قيمته 12.600 مليار ليرة، وإذا ما علمنا أن التقدير المعدل في أحسن حالاته، يرفع قيمة عجز الموازنة إلى 20.728 تريليون ليرة، ويرفع نسبة هذا العجز إلى 43,8%، مما يعني أن مشروع موازنة العام 2022 فقد أبرز مقوماته وهو التوازن، لأن وارداته الذاتية لا تكفي حتى لتغطية أربعة أنواع حتمية من النفقات يبلغ مجموعها 28.386 مليار ليرة، وهي الرواتب والأجور في الإدارات العامة، المساهمة المخصصة للرواتب والأجور في المؤسسات العامة، المنافع الاجتماعية، خدمة الدين العام".

وأشارت إلى أن "الإرباك الحاصل لدى الحكومة حتى آخر لحظة، في تحديد سعر صرف الدولار الجمركي، وفي تحديد سعر صرف يقتصر تطبيقه على احتساب بعض الإيرادات والنفقات، وفي تقدير النفقات المعقولة حتى آخر السنة، قد حال دون التمكن من البت نهائياً بمشروع الموازنة، وأدى إلى ترك الأمر للهيئة العامة، فإما تبت به وإما تعيده إلى الحكومة، فالهيئة هي صاحبة القرار في هذا الشأن".

تقول محاسن مرسل، الباحثة اللبنانية بالجرائم المالية والاقتصادية، لـ"العربي الجديد"، إن الموازنة تأتي في إطار استمرارية الدولة في ممارسة سياسة الترقيع، فهي عبارة عن "فزلكة" ترفع شعار إصلاح الاقتصاد والاستقرار المالي والنقدي، في حين أن العقبة الأساسية التي تواجهها ولم تطرح معالجات لها، تكمن في تعددية سعر الصرف، فهناك السعر الذي اقترحه وزير المال باعتماد 20 ألف ليرة لبنانية للدولار باعتباره متوسط السعر، يقابله ميدانياً، سعر السوق السوداء، وسعر منصة صيرفة العائدة لمصرف لبنان، عدا عن السحوبات المتصلة بتعميمات البنك المركزي المرتبطة بالودائع الدولارية.

وتلفت مرسل إلى أن الموازنة التي أحيلت إلى مجلس النواب لا تتضمن معالجة لتعددية الصرف الذي عادة يحدَّد بناءً على حركة الاقتصاد، كما أنها لم تتطرق إلى موضوع الأمن الاجتماعي والفقر وطرق المعالجة، بل اكتفت بإقرار بعض المساعدات الطارئة للموظفين في القطاع العام، وزيادة موازنات الوزارات المعنية اجتماعياً، التي أساساً فقدت قيمتها في ظل ارتفاع سعر صرف الدولار واقتصاد أصبح مدولر بشكل كامل، مشيرة إلى أن "الموازنة لم تخاطب الواقع والتطلعات ولم تترافق مع خطة مالية تعد ممراً أساسياً للإنقاذ".

وذكّرت الباحثة اللبنانية بأن إقرار موازنة 2022 للبدء في استعادة المساءلة المالية، يعدّ من المطالب الأساسية المتوجبة على لبنان، والتي تعهّد القيام بها في الاتفاق الذي توصل إليه مع صندوق النقد الدولي على مستوى الخبراء، وعليه، العجلة بإتمام هذا الملف باعتبار أن المديرين التنفيذيين للصندوق سيجتمعون هذا الشهر في سبتمبر/أيلول الجاري، الأمر الذي من شأنه أن يعيد المفاوضات إلى نقطة الصفر في حال لم يقر البرلمان الموازنة.

وفقاً لذلك، تقول مرسل إن "الإنقاذ الفعلي يكون مرتبطا بخطة مالية واضحة المعالم، إذ نحن نتحدث عن فجوة مالية اتسعت إلى حدود 74 مليار دولار، ودين عام بـ40 مليار دولار في ظل انهيار الليرة اللبنانية، في واقعٍ يقابله غياب تام لأي سياسة علاجية لتوحيد سعر الصرف أو برنامج إصلاحي أو خطة إنقاذية". 

اقتصاد الناس
التحديثات الحية

وقال رئيس لجنة المال والموازنة النيابية النائب إبراهيم كنعان، في مداخلة له خلال الجلسة، إن الرؤية الاقتصادية والاجتماعية "تغيب عن الموازنة التي أتت خارج الموعد الدستوري" في ضوء ارتفاع معدل البطالة وانخفاض نسبة النمو وتدني نسبة الاعتمادات المخصصة للنفقات الاستثمارية.

وأشار كنعان، وهو ضمن "تكتل لبنان القوي"، برئاسة النائب جبران باسيل، إلى أن "السيناريوهات المعدة من وزارة المال لأسعار الصرف ما بين 12 ألفا و14 ألف ليرة لن تؤمن الواردات المطلوبة ما يفقد الموازنة التوازن لأن الواردات لا تكفي حتى لتغطية الرواتب والأجور والمساهمات المخصصة للرواتب والأجور والمنافع الاجتماعية وخدمة الدين، داعياً الحكومة ومصرف لبنان إلى تحمّل المسؤولية و"كفى هروباً من المسؤولية".

من جهته، قال رئيس كتلة "الوفاء للمقاومة"، (تمثل حزب الله برلمانياً)، النائب محمد رعد إن الحكومة ورئيسها ووزير المال يوسف الخليل، المحسوب على حركة أمل بزعامة نبيه بري حليف الحزب، يجب ألا يتباهوا بإنجاز مشروع الموازنة، كما ليس لنا أن نحمّلهم حصراً مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع في لبنان من تراجع يعود سببه أيضاً إلى الحكومات السابقة، مشدداً على أن الموازنة مجافية شكلاً للأصول المعتمدة.

بدورها، قالت النائبة بولا يعقوبيان في كتلة "النواب التغييريين" إن الموازنة تأخرت عن كل المهل الدستورية، وهي مجرد لعبة أرقام لا تستند إلى أي خطة.

كذلك، اعتبرت النائبة في تكتل "الجمهورية القوية"، ويمثل حزب القوات اللبنانية برلمانياً برئاسة سمير جعجع، غادة أيوب، أن مشروع الموازنة وضع لإرضاء صندوق النقد الدولي، فيما نحن نريد موازنة تضع المدماك الأول للإصلاح لوقف عملية اغتيال القطاع العام.

المساهمون