تركيا تترقب الانتخابات: "الاقتصاد الكلاسيكي" رهان المعارضة لتحدّي سياسات أردوغان

12 مايو 2023
يراهن كلجدار أوغلو على دعم الدول الغربية بحال فوزه (توناهان تورهان/ Getty)
+ الخط -

يبدو أنّ الاقتصاد هو الحصان الرئيسي لكسب الرهان في الانتخابات التركية المقررة يوم الأحد المقبل. وبينما يخوض الرئيس رجب طيب أردوغان معركته الرئاسية على إنجازات التقنية والقوة العسكرية وتحديث تركيا، تراهن المعارضة التركية على العودة إلى سياسات "الاقتصاد الكلاسيكي" والتقارب مع الغرب.

في هذا الشأن، وعد مرشح المعارضة التركية للرئاسة كمال كلجدار أوغلو أنه في حال فوزه سيعمل على تقوية علاقات تركيا مع الدول الغربية، عبر إحياء محاولة تركيا الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وتعزيز دورها في حلف شمال الأطلسي (الناتو).

ويأمل كلجدار أوغلو، عبر هذه الوعود، كسب أصوات الناخبين الشباب الذين سيصوتون لأول مرة في الانتخابات. وقال، في لقاء جماهيري أخيراً، إنّ "التقارب مع الغرب سياسة مهمة جداً بالنسبة لنا وبالنسبة لتركيا، وكذلك بالنسبة للاتحاد الأوروبي الذي نحاول أن نكون عضواً فيه، وكذلك للحضارة الغربية".

وعلى صعيد الاستثمارات الأجنبية، قال كلجدار أوغلو إنه سيحتفظ بالاستثمارات التركية في روسيا، لكنه سيلتزم بالقرارات الغربية فيما يتعلق بفرض عقوبات على موسكو، والتي تجعلها أكثر عزلة من ذي قبل.

وقال إنّ "تركيا عضو في الحلف الغربي وحلف شمال الأطلسي و(فلاديمير) بوتين يعرف ذلك جيداً. ويجب أن تمتثل تركيا للقرارات التي يتخذها الناتو".  

وسياسة التقارب مع الغرب والعودة إلى الاقتصاد الكلاسيكي"، تدعمها البنوك الاستثمارية الغربية والطبقة الأرستقراطية والأثرياء في تركيا.

وتحبذ الطبقة الغنية في تركيا عودة علاقاتها القوية مع البنوك الغربية التي كانت تحقق أرباحاً كبرى من الفائدة المرتفعة على القروض، التي حرمها منها أردوغان. كما دعت المعارضة التركية إلى إلغاء نظام الرئاسة التنفيذية في تركيا، الذي تم تقديمه في عام 2018، والذي تنظر له على أنه نظام الرجل الواحد الذي يكرّس سلطة أردوغان.

كما تعهد كلجدار أوغلو بالعودة إلى الديمقراطية البرلمانية مع ضمانات معززة، تحترم سيادة القانون والشفافية والمساءلة، الأمر الذي سيزيد من تدفق الاستثمارات الأجنبية إلى تركيا، وسيساعد على خفض علاوة المخاطرة في البلاد وتكاليف الاقتراض الخارجي.

ويتعهد تحالف الأحزاب الذي يقوده كلجدار أوغلو بزيادة معدل النمو الاقتصادي إلى 5% على الأقل على مدى خمس سنوات، ومضاعفة نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي إلى نحو 18 ألف دولار خلال فترة حكمهم، وخلق ما لا يقل عن 5 ملايين وظيفة جديدة، والحد بشكل كبير من معدل البطالة البالغ حالياً 10%.

كذلك وعد التحالف بخفض العجز إلى أقل من 10% في غضون عامين، وباستعادة استقلالية البنك المركزي، وتفعيل دوره في ضمان استقرار الأسعار، بالإضافة إلى جعل أسعار الفائدة تتماشى مع واقع السوق. وتعهد التحالف كذلك بتنشيط القطاع الزراعي في تركيا، في مواجهة تضخم أسعار المواد الغذائية المقلق، والذي بلغ 68% في مارس/ آذار الماضي.

وتشمل الأهداف الرئيسية الأخرى التي أعلنت عنها أحزاب المعارضة معالجة التفاوت في الدخل في البلاد، وتحفيز قطاعي الصناعة والسياحة لتعزيز عائدات العملة الصعبة، وتضييق عجز الحساب الجاري.

لكن محللين يرون أنّ خطط المعارضة تحتاج بالفعل إلى مراجعة بسبب خسائر كارثة زلزال فبراير/ شباط الماضي التي أودت بحياة أكثر من 50 ألف شخص ودمرت أو ألحقت أضراراً بالغة بـ650 ألف منزل وشركة، في وقت تتراوح فيه التكلفة التقديرية لإعادة الإعمار بين 100 مليار دولار و150 مليار دولار.

وفي هذا الصدد، اعترف إبراهيم جناكجي من حزب الديمقراطية والتقدم، وهو أحد أحزاب المعارضة المتحالفة، بأنّ الزيادة المرتقبة في الإنفاق العام المرتبط بالزلزال ووسائل تمويله "سيكون لها تأثير كبير على خطط المعارضة الاقتصادية".

وتلقي المعارضة باللوم في مشكلات تركيا الاقتصادية على السياسات الحكومية، خاصة بعد أن تولى أردوغان سلطات تنفيذية كاسحة في عام 2018، متحدياً نظرية "الاقتصاد الكلاسيكي".

ويرى أردوغان أنّ أسعار الفائدة المرتفعة تسببت في التضخم المرتفع الذي ضغط على البنك المركزي لخفض سعر الفائدة على حساب ارتفاع التضخم، حيث أجرى البنك سلسلة من التخفيضات منذ سبتمبر/ أيلول 2021، على حساب انخفاض العملة والتضخم الذي بلغ ذروته إلى 85.5% في أكتوبر/ تشرين الأول 2022، وفق البيانات الرسمية في تركيا.

ويحظى أردوغان بدعم قوي بين المحافظين والقوميين من أبناء القرى والطبقة العاملة. وتظهر استطلاعات رأي أنّ بإمكانه وبإمكان ائتلافه الحاكم الفوز بالانتخابات الرئاسية والبرلمانية.

وتقول الحكومة إنّ تدابير خفض الفائدة عززت الصادرات والاستثمارات، في إطار برنامج يحفز على حيازة المدخرات بالليرة. وضاعفت الحكومة الحد الأدنى للأجور خلال الأشهر الثمانية عشر الماضية، وأنفقت أموالاً قياسية على الدعم الاجتماعي، مما ساعد في الإبقاء على النمو الاقتصادي قوياً فوق 5% العام الماضي.

كما أنّ ثمة جوانب مثل الرعاية الصحية والبنية التحتية والوصول إلى الأسواق لا تزال قوية بعد تحسنها بشكل كبير إثر تولي أردوغان منصبه عام 2003، مما دعم حزب العدالة والتنمية الذي ينتمي إليه للفوز بأكثر من عشر دورات انتخابية منذ ذلك الحين.

وكتب سونر تشابتاي في كتابه الصادر عام 2021 بعنوان "سلطان في الخريف" أنّ أردوغان يتمتع "بقاعدة من المؤيدين المحبين والمخلصين (لأن) المواطنين تمتعوا بمستويات معيشية أفضل بكثير من... معظم فترات القرن العشرين".

وخلال السنوات الماضية في عهد أردوغان، زاد غلاء مستوى المعيشة وتدهورت الليرة وتراجعت مؤشرات الاقتصاد الكلي، حيث وصل عجز الحساب الجاري في تركيا، أو فجوة الصرف الأجنبي إلى ما يقرب من 50 مليار دولار العام الماضي، وهو ما يمثل أكثر من 5.5% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد. وتم تمويل العجز إلى حد كبير من خلال تدفقات العملات الأجنبية، وتراجع الاستثمارات الغربية في البلاد.

كما بلغ عجز الموازنة ما يقرب من 2% من الناتج المحلي الإجمالي العام الماضي، وفقاً للأرقام الرسمية. ومن المتوقع أن يتوسع العجز إلى 3.7% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2023.

لكن من المتوقع الآن زيادة الإنفاق العام وانخفاض الإيرادات الضريبية بعد زلزال 6 فبراير/ شباط، لتوسيع الفجوة بشكل أكبر إلى 6% على الأقل من الناتج المحلي الإجمالي.

المساهمون