اتفاقات رئيسي في دمشق.. إيران تُحكم قبضتها الاقتصادية على سورية بمشروعات طويلة الأجل

03 مايو 2023
تستهدف إيران الحصول على حصة مهمة في إعادة إعمار سورية (فرانس برس)
+ الخط -

حضر الاقتصاد بقوة في أجندة زيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، التي بدأت اليوم الأربعاء لسورية، حيث تأتي، وفق تصريحات رئيسي، في سياق "تعزيز وتقوية العلاقات الاقتصادية والسياسية والأمنية"، بينما أكد متحدث حكومي أنّ هدفها "اقتصادي".

وذكرت وكالة "سانا" التابعة للنظام السوري ووسائل إعلام إيرانية، أنّ رئيسي ورئيس النظام السوري بشار الأسد، وقّعا مذكرة تفاهم للتعاون الاستراتيجي الشامل طويل الأمد، تشمل النفط والسكك الحديدية والزراعة، ومجالات أخرى.  

وكان بشار الأسد التقى رئيسي الذي وصل إلى دمشق على رأس وفد وزاري، في زيارة رسمية تستمر يومين في "قصر الشعب" بدمشق قبل عقد جولة مباحثات موسعة بمشاركة وزارية من الجانبين.

وقال الأسد خلال اللقاء إن علاقات نظامه مع إيران "غنية بالمضمون، غنية بالتجارب، وغنية بالرؤية التي كونتها، ولأنها كذلك كانت خلال الفترات العصيبة علاقة مستقرة وثابتة بالرغم من العواصف الشديدة".

من جهته، اعتبر رئيسي، أن سورية تجاوزت مصاعب كثيرة، قائلا: "نستطيع القول إنكم عبرتم كل هذه المشاكل وحققتم الانتصار رغم التهديدات والعقوبات التي فرضت ضدكم".

وشارك في المباحثات من جانب النظام، وزير الخارجية، فيصل المقداد، ووزير الاقتصاد، محمد سامر الخليل، ووزير الدفاع، علي محمود عباس. ومن الجانب الإيراني، وزير الخارجية، أمير حسين عبد اللهيان، ووزير الطرق وبناء المدن، مهرداد بذر باش، ووزير الدفاع، محمد رضا آشتياني، ووزير النفط، جواد أوجي.

هيمنة إيرانية

ورجّح المستشار الاقتصادي السوري أسامة قاضي، أن تزيد هيمنة إيران على سورية، بعد زيارة الرئيس الإيراني، وتوقيع الاتفاقات الاقتصادية طويلة الأجل، التي ستُدرَج ضمن الديون المدرجة على سورية باسم خطوط الائتمان، ما يعني برأيه "زيادة سيطرة إيران وتبعية النظام السوري".

ولفت قاضي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ الاتفاقات المعلنة تضمنت بناء محطات لتوليد الكهرباء بكلفة مليار يورو، واتفاقات لتصنيع الفوسفات، وأخرى لمنشآت لتصنيع الحبيبات البلاستيكية.

وأكد أنّ اتفاقات أخرى سيجري التطرق إليها مروراً، أو ربما يجري التكتم على بعضها، مضيفاً أنّ هناك اتفاقات أخرى لاستثمار الفوسفات السوري، بعد إلغاء الاتفاق سابقاً ومنح الفوسفات لروسيا، إضافة إلى اتفاقات أخرى تتعلق بمنح إيران قيادة عملية الإعمار التي يطمح نظام الأسد إلى انطلاقها بعد التطبيع العربي، ومحاولات إعادة الإنتاج الإقليمية.

اقتصاد دولي
التحديثات الحية

وقال المتحدّث باسم الحكومة الإيرانية علي بهادري جهرمي، في طهران، أمس الثلاثاء، إنّ الزيارة تأتي تلبية لدعوة من الأسد، وترتدي "أهمية استراتيجية" للبلدين، وهدفها "اقتصادي".

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني، في طهران، الاثنين، إنّ "سورية دخلت مرحلة إعادة الإعمار، وإيران جاهزة لتكون مع الحكومة السورية في هذه المرحلة أيضاً"، كما كانت إلى جانبها "في القتال ضد الإرهاب"، الذي اعتبره "مثالاً ناجحاً على التعاون بين الدولتين". 

"اتفاقات استراتيجية"

ويرى الاقتصادي السوري عبد الناصر الجاسم، أنّ "خطوة الاتفاقات مع الجانب الإيراني، فضلاً عن الهيمنة وشرعية الاحتلال، تكمن في ما يُسمى اتفاقات استراتيجية، لأنّ نصوصها وموادها تبقى سرية، ما يعني منح إيران حرية السيطرة والتحكم بالمشاريع والثروات السورية، وبمن سيدخل بعملية إعادة الإعمار لاحقاً".

وكشف الجاسم، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ الجانبين وقّعا اتفاقات التعاون الاقتصادي في قطاعات الكهرباء، والنفط، والفوسفات، وزيادة التبادل التجاري، وزيادة تدفق السياح، إضافة إلى اتفاقات أخرى بعناوين ثقافية وعلمية، وغير مستبعد إحياء الاتفاقات السابقة التي لم تنفذ، مثل اتفاق إحداث مصرف إيراني في سورية، أو منح طهران استثمار مشغل ثالث للخلوي.

وخلال استقباله، الأسبوع الماضي، وفداً اقتصادياً ترأسه وزير الطرق والمدن الإيراني مهرداد بذرباش، في دمشق، اعتبر الأسد أنّ "ترجمة العمق في العلاقة السياسية بين سورية وإيران إلى حالة مماثلة في العلاقة الاقتصادية، مسألة ضرورية، ويجب أن تستمر حكومتا البلدين في العمل عليها لتقويتها وزيادة نموها".

خط ائتماني للكهرباء وسداد الديون

وتكشف مصادر من دمشق، أنّ طهران والنظام السوري "اتفقا على توجيه الخط الائتماني، من النفط فقط، إلى الكهرباء أيضاً"، مشيرة إلى توقيع اتفاقات لإقامة محطات كهربائية عدة، فضلاً عن "صياغة شكل التعاون الاستثماري الجديد".

وتتطلع إيران، وفق المصادر الخاصة لـ"العربي الجديد"، إلى استرداد ديونها السابقة التي منحت للنظام وفق خطوط الائتمان، من خلال الأرباح بمشاريع الفوسفات والنفط والكهرباء، والتعويض عن بعض الديون، من خلال منح إيران عقارات وأراضي بالمدن الرئيسية، سواء من ملكية الدولة أو مصادرات المحجوز على ممتلكاتهم من المعارضين.

وتضيف المصادر التي طلبت عدم الكشف عن هويتها، أنّ "ما رأيتموه من اتفاقات هو المعلَن فقط، لكن الأراضي والتملك الإيراني ومشاريع الفوسفات والطاقة، لن تعلن كاملة، ومنها طلب إيران استثمار 5 آلاف هكتار من الأراضي الزراعية"، مؤكدة أنّ إيران "تشترط استرداد ديونها من حصة سورية بالاستثمارات، البالغة 16 مليار دولار".

وأضافت أنّه ستجري على هامش الزيارة "مفاوضات حول خط ائتماني إيراني جديد لسورية، يُستثمَر في قطاع الكهرباء" المتداعي، إذ تتجاوز ساعات التقنين الكهربائي في سورية عشرين ساعة يومياً.

وفتحت إيران منذ عام 2011 خطاً ائتمانياً لتأمين احتياجات سورية من النفط خصوصاً. ووقّع البلدان اتفاقات ثنائية في مجالات عدة خلال السنوات الماضية.

وبلغت قيمة صادرات إيران إلى سورية العام الماضي، وفقاً لأرقام رسمية إيرانية، نحو 147 ألف طن من البضائع غير النفطية، بقيمة 243 مليوناً و168 ألف دولار، مسجلة نمواً بنسبة 10.6% من حيث الوزن و11.4% من حيث القيمة، قياساً بالعام الذي سبقه.

 وترى مصادر أخرى أن من أهم أهداف الزيارة بحث كيفية سداد الديون المترتبة على النظام السوري لإيران، إضافة إلى تأكيد حضور إيران في مجمل المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية في سورية، حيث تتزامن الزيارة مع المساعي العربية للانفتاح على النظام السوري.

وقال الصحافي محمد العيد لـ"العربي الجديد" إن إيران تثير قضية الديون في هذا الوقت لضمان حصة للشركات الإيرانية حال تحرك عجلة إعادة الإعمار بأموال المعونات العربية للنظام.

ولفت العيد إلى أن هذه القضية أثيرت بشكل مفصل خلال الزيارة الأخيرة لوزير الطرق وبناء المدن، مهرداد بذر باش إلى دمشق واجتماعات اللجنة الاقتصادية السورية- الإيرانية، حيث أوضح الوزير الإيراني أنه جرى تشكيل العديد من اللجان التخصصية، من بينها لجنة تعنى بمتابعة الديون، بهدف إجراء تحقيق دقيق لحجمها، بعد اتفاقات سابقة تتعلق بـ"إعطاء أراضٍ كبديل لهذه الديون" مشيرا إلى أن الجانب الإيراني "يشعر بظروف سورية، ولكن يوجد في إيران بعض القوانين يجب الإجابة عن أسئلتها".

وقدمت مقترحات خلال هذه الاجتماعات بتأسيس بنك مشترك بين الجانبين، والتعامل بالعملة المحلية لهما.

وتعد زيارة رئيسي الأولى إلى سورية منذ اندلاع الثورة فيها عام 2011، لكن رئيس النظام السوري زار طهران مرتين خلال هذه الفترة، والتقى رئيسي خلال الزيارة الثانية في مايو/أيار من العام الماضي.

المساهمون