إضعاف الجنيه المصري

06 يوليو 2015
البنك المركزي المصري (أرشيف/Getty)
+ الخط -

لا أعرف ما هي الأسباب التي دفعت البنك المركزي المصري في هذا التوقيت للعودة إلى سياسة إضعاف قيمة الجنيه أمام الدولار، بعد أن توقعنا توقفه، ولو مؤقتاً، عن تطبيق هذه السياسة التي تم من خلالها خفض قيمة العملة المحلية إلى 7.83 جنيهات للدولار، وهو أقل سعر في تاريخها.

أمس الأحد، سمح البنك المركزي للجنيه المصري بالانخفاض للمرة الثانية، بقيمة 10 قروش، في مزاد يتم من خلاله تلبية احتياجات البنوك وعملائها الدولارية، كما اتخذ خطوة مماثلة، الخميس الماضي. وبذلك فقد الجنيه 20 قرشا من قيمته أمام الدولار، وبما يعادل %2.5.

الخطوة قد تكون مستغربة من قبل البعض، خاصة وأنه لا يوجد طلب كبير على الدولار في الوقت الحالي، بعد انتهاء التجار من استيراد احتياجات شهر رمضان. كما أن الأوضاع في السوق السوداء هادئة جداً، فالسعر في السوقين الرسمي وغير الرسمي متقارب ويكاد يكون واحد.

بل إن الأسباب المنطقية لخفض البنك المركزي المصري قيمة الجنيه بمعدل 20 قرشا في يومين، تبدو غير موجودة، فالدول تخفض عملاتها لأسباب عدة، منها السعي لجذب مزيد من السياح الأجانب والاستثمارات الخارجية، وزيادة صادراتها، وتعظيم مواردها من النقد الأجنبي.

لكن السؤال المطروح هنا هو: هل الظروف أو المناخ في مصر مهيأ لتحقيق مثل هذه الأهداف، سواء المتعلقة بالسياحة أو الصادرات أو الاستثمارات الأجنبية؟ فكلنا نعرف الظروف الصعبة التي تمر بها مصر، سواء الأمنية أو السياسية أو تلك المتعلقة بمنطقة سيناء، وبالتالي فإن قدرة البلاد علي تحقيق هدف زيادة موارد النقد الأجنبي عبر خفض قيمة العملة يبدو مسألة صعبة المنال.

إذا تركنا الأسباب الموضوعية التي قد تدفع البنك المركزي إلى خفض قيمة العملة المحلية، وتطرقنا إلى أسباب أخرى، منها مثلا هدف الحد من ظاهرة تهريب الأموال إلى الخارج، أو أن البنك المركزي يسعى إلى الحد من خروج الاستثمارات الخارجية عن طريق خفض قيمة الأموال التي يحولها الأجانب للخارج بالنقد الأجنبي.

لكن تبدو هذه الأسباب الأخيرة غير مقنعة لتفسير قرار البنك المركزي المصري الخاص بالعودة لسياسة خفض قيمة الجنيه المصري أمام الدولار، وهنا قد نصل للتفسير المنطقي والمقبول اقتصادياً، فالبنك المركزي المصري ربما يطبق سياسة جديدة تستهدف التخلي عن دعم الجنيه  أمام الدولار والدفاع عنه، والوصول إلى سعر أكثر عدلاً يتم من خلاله الحفاظ علي احتياطي النقد الأجنبي، ويكون مقبولاً من وجهة نظر المستثمرين الأجانب، وفي حال صحة هذه الفرضية فإن البنك المركزي يعمل في هذه الحالة علي تفادى السيناريو الذي حدث عقب ثورة 25 يناير والذي أدي إلي فقدان احتياطي البلاد من النقد الأجنبي نحو 16 مليار دولار في غضون شهور قليلة بسبب سياسة الدفاع عن الجنيه.

لا أقول إن هذه السياسة التي طبقها البنك المركزي عقب ثورة 25 يناير كانت خاطئة أو تناسب الوقت الحالي، فصانع القرار كان يسعي في ذلك الوقت لتحقيق عدة أهداف من أبرزها دعم استقرار سوق الصرف رغم هروب الاستثمارات الأجنبية خاصة المستثمرة في البورصة وأدوات الدين الحكومية، وتلبية احتياجات السوق من السلع عن طريق تغطية واردات البلاد واحتياجات المستوردين الدولارية خاصة مستوردي السلع الضرورية، مع ضرورة الحفاظ علي ثقة المستثمرين الأجانب، وبالتالي ضمان عودتهم لمصر بشكل سريع عقب عودة الاستقرار السياسي والأمني للبلاد، كما أن ما يصلح في العام 2011 من سياسات نقدية ومالية قد لا يصلح لهذه الأيام.

بشكل عام ورغم كل الأهداف التي يسعى البنك المركزي إلى تحقيقها عبر خفض قيمة الجنيه أمام الدولار، وبغض النظر عن الأسباب الحقيقية وراء قرار السلطات النقدية في مصر، إلا أنه تجب الإشارة هنا إلى أن رفع سعر العملة الأميركية في السوق المحلية سيؤدي إلى حدوث ارتفاعات كبيرة في أسعار السلع خاصة السلع الغذائية، خاصة وأن مصر تستورد أكثر من 70% من احتياجاتها الغذائية، وهو ما ينعكس سلباً على المواطن الذي بات يكتوي بنيران الأسعار التي لا ترحمه.

اقرأ أيضاً: رسمياً.. الدولار في مصر بـ 7.83 جنيهات

المساهمون