ذكرى ميلاد: عرار.. لا تبقني إلى زمن

25 مايو 2018
(مصطفى وهبي التل، عرار)
+ الخط -

كلّما استذكرك الشعراء والدارسون في ذكرى مولدك التي تصادف اليوم أو رحيلك التي تمرّ غداً، أضافوا كلاماً عنك لست أفهمه، أو أنه لا يطيب لي سماعه، فهم يريدونك شاعراً لبلدٍ أو شعب وربما عبّرت في لحظة عن ذلك، لكنك لم تطق في لحظات أخرى أن تنتمي إلا إلى "عرار" الذي ربما اخترته لقباً يشير إلى ذلك النرجس البري ذي الرائحة الطيبة، أو إلى بيت عمرو بن شأس الأسدي في ابنه عرار حين تعرّض للأذى من زوجة أبيه: أرادت عراراً بالهوان ومن يرد/ عراراً لعمري بالهوان فقد ظلم.

وأرادك آخرون في حلّة صاحب رؤية في التغيير، رافع شعارات مقاومة التخلف والاستعمار، وربما كنت كذلك في لحظة صدق أيضاً، لكنك لم تكن معنياً في لحظات بمشروع هنا أو مشروع هناك، كنت تبحث عن ذاتك التي أثقلها مألوف الشعر وسائد القول، وربما كان لك حين قلت: يا ربّ لا تبقني إلى زمن/ أكون فيه كلاّ على أحد/ خذ بيدي، قبل أن أقول لمن/ ألقاه حين القيام: خذ بيدي.

وكان لك ذلك فرحلت في الخمسين، متجرّداً من اسمك الأول مصطفى وهبي التل، وعشت كما تهوى وتحب بكلّ ما فيك من تناقض في الرأي والموقف والوجد، ولا يساورني الشك أنك لم تلتفت إلى مدّاح أو ذمّام لا همّ له سوى أن يجد لك مكاناً أو مكانةً يصنفك على أساسها.

وعن سابق إصرار وترصّد، كتبت القصيدة تمثيلاً لجميع تلك الحالات المتناقضة والمتضادة في مضمونها وإحالاتها، أنت الجوّال الذي لا ينتابه خوف أو جبن من أن يتحدّث عن أبسط الأشياء وأقلها أهمية، تهجو السلطة بأقذع كلام ثم تعود إلى حضنها حتى لو كانت عودتك تعبيراً عن تقلّبات مزاجك المعهودة، أو أن تطلب طلباً لابن أو قريب.

وتذهب إلى "خرابيش" النور ملاذك من كلّ هذا النفاق في السياسة والتمدّن والتديّن، وتجد بينهم حريتك المنشودة، لكنك تؤوب في آخر النهار إلى تلك الوظيفة التي أردتها ولم تردها في آن، معلّماً وحاكماً إدارياً ومأموراً في محكمة ثم رئيس كتّابها، ثم رئيس تشريفات في الديوان العالي، تدخل من منصب لتغادره منه إلى السجن الذي ستخرج منه لتتسلّم منصباً آخر.

كم وودت أن أقول لك أنك قمت بكلّ ذلك دون حسابات سابقة أو لاحقة تهجو النظام وتمدحه ساعة نطق شيطانك أو ملاكك -لا فرق- لكنها أصبحت سنّة سلكها بعدك كثيرون، لكنهم تمايزوا عنك حيث هم يهجون السلطة وهم خارجها لتضمّهم تحت جناحها، ويعيدون الكرّة مرة ومرتين وثلاث.

يا عرار، كلّ يريد أن يؤوّل صعلكتك على هواه، ضدّ قوى التعصّب الديني أو ضدّ استبداد السلطة أو ضدّ المستعمر أو ضدّ الأعراف الاجتماعية أو طوع جغرافيا أو أيديولوجية، لكن كأنني أسمعك اليوم تردّ عليهم: "قالوا: لشعرك عشاق بودهم/ أن يجمعوا بعضه في شبه ديوان/ فقلت : شعري أشلاء مبعثرة/ كأنها عمرِيَ في كل ميدان".

المساهمون