للمشهد الثقافي الجزائري قصّة طويلة وحزينة مع الجوائز الأدبية، فعدا "جائزة علي معاشي لإبداعات الشباب" التي تأسّست عام 2007 واستمرّت إلى اليوم، لا تكاد الجوائز تُطلَق حتى تتوقّف بعد فترة وجيزة.
في الماضي القريب أمثلةٌ كثيرة على ذلك؛ خُذ مثلاً: "جائزة مالك حدّاد للرواية العربية" التي توقّفت في دورتها الرابعة، عام 2007، بعد انسحاب الروائية أحلام مستغانمي من الإشراف عليها، أو "جائزة أبوليوس" التي كانت "المكتبة الوطنية" تمنحها في فترة مديرها السابق، أمين الزاوي، للأعمال الروائية المكتوبة بالعربية والأمازيغية والفرنسية، وأيضاً، جائزتا "الهاشمي سعيداني للرواية" و"مفدي زكريا المغاربية للشعر" اللتان توقّفتا بعد رحيل مؤسّسهما الطاهر وطاّر في 2010. المصير نفسُه عرفته "جائزة المكتبيين" التي كانت تُمنح على هامش "معرض الجزائر الدولي للكتاب"، ثمّ توقّفت.
العام الماضي، أعلنت "الوكالة الجزائرية للنشر والإشهار"، وهي مؤسّسة حكومية، عن إطلاق جائزة جديدة تُمنح للروايات المكتوبة بالعربية والأمازيغية والفرنسية، وتحمل اسم الروائية الجزائرية آسيا جبّار (1936 - 2015).
ومع أن المتابعين للحياة الثقافية، الذين يشكّكون عادةً في المبادرات التي تأتي بها جهات رسمية، تساءلوا عمّ إذا كان ذلك يعكس رغبةً حقيقية في إطلاق جائزة أدبية كبيرة تراهن على الاستمرارية وملء الفراغ، أم أنه مجرّد أمر مناسباتي لردّ الاعتبار إلى صاحبة "العطش" والاحتفاء بها بعد أسابيع قليلة على رحيلها آنذاك، إلّا أن اسم جبّار كان كافياً لوضع تلك التساؤلات جانباً؛ بدليل الإقبال الكبير على الجائزة، التي تبلغ قيمتها ثلاثة ملايين دينار جزائري، أي ما يعادل ثلاثين ألف دولار، لتكون بذلك الجائزة الأكبر، من الناحية المادية، في تاريخ الجوائز الأدبية في الجزائر.
حُدّد "معرض الكتاب" كموعدٍ لإعلان نتائج الجائزة وتسليمها. وبالفعل، سُلّمت خلال الدورة السابقة من المعرض إلى ثلاثة فائزين؛ هم: عبد الوهاب عيساوي عن روايته "سييرا دي مورتي" بالعربية، ورشيد بوخروب عن "تيسيلينت أوغانين" بالأمازيغية، وأمين آيت هادي عن "بعيداً عن الفجر" بالفرنسية.
لكن المعرض عاد هذا العام من دون أن تعود "آسيا جبّار" معه، ما أثار انتقاداتٍ وتساؤلاتٍ عمَّ إذا كانت الجائزة قد توقّفت في هذا الوقت القياسي، أم أن الأمر يتعلّق بحسابات أخرى، وقد كان لافتاً تصريح مدير المعرض، حميدو مسعودي، وهو أيضاً مدير "المؤسّسة الوطنية للفنون المطبعية"، الشريكة في الجائزة، أن "الوكالة الجزائرية للنشر والإشهار" اتّخذت القرار من دون استشارته.
قبل يومين، أعلن وزير الثقافة، عز الدين ميهوبي، أن الجائزة أُجّلت إلى كانون الثاني/ ديسمبر المقبل، مبرّراً ذلك بأن "لجنة التحكيم وجدت صعوبات في تقييم الأعمال المرشّحة في الآجال المحّددة، لتتويج الفائزين بها خلال الدورة الواحدة والعشرين من المعرض".
يبدو غريباً ألّا تتمكّن لجنة التحكيم من تقييم الأعمال في الآجال المحدّدة، خصوصاً أن الترشيحات، مهما كانت كثيرةً، فهي لن تتجاوز العشرات، كما يُفترض أن القائمين على الجائزة منحوا للّجنة وقتاً كافياً لقراءة الأعمال المرشّحة وتقييمها؛ إذ جرت العادة، في مختلف الجوائز العربية والأجنبية، أن يُفتح باب الترشيحات للدورة المقبلة بمجرّد إعلان نتائج الجائزة.
لكن وجه الغرابة سينتفي، حين تُعلن "الوكالة الجزائرية للنشر والإشهار"، أمس الأربعاء، عن تنصيب لجنة تحكيم الدورة الثانية للجائزة، والذي جرى في السادس من تشرين الأول/ أكتوبر الجاري.
أخفقت الجائزة، إذن، في الحفاظ على موعد قار بعد دورة واحدة فقط، وبيّنت حقيقة الاهتمام بالجائزة، وباسم آسيا جبّار. وقد يقول قائل "أن تأتي متأخّراً أفضل من ألّا تأتي"، لكن الخوف أن يكون هذا التأخير عرضاً لغياب آخر.