انتخابات المغرب.. مثقّفون بلا انتظارات

05 سبتمبر 2015
غرافيتي يمثّل صناديق الانتخابات، فاس (تصوير: جولي خوو)
+ الخط -

يشهد المغرب تنظيم الانتخابات الجماعية والجهوية، والتي تشكّل أولى انتخابات تُجرى بعد إطلاق الدستور الجديد سنة 2011 وإطلاق مشروع الجهوية الموسّعة.

في استطلاع لآراء مجموعة من المثقفين والكتّاب المغاربة، حاولت "العربي الجديد" أن تقترب من انشغالاتهم وآرائهم وانتظاراتهم من انتخابات 2015، رغم أن التفاعل قد انطلق مبكّراً في الوسائط الاجتماعية الإلكترونية، بحكم أنها تحوّلت، هي أيضاً، إلى فضاء لتسويق الخطابات السياسية والقيام بحملات انتخابية.

يمكن القول إن المثقفين في البلاد موزعون بين من يطالب بالتوجه إلى الاقتراع من أجل القطع على المفسدين والتصويت لصالح اليساريين - الدعوة التي لم تحرّك المياه الراكدة التي ظلت تميّز علاقة السياسي بالثقافي - وبين نسبة كبيرة من الكتّاب والأكاديميين لا تأمل الكثير، بل إنها ما لبثت أن أطلقت حملة "المقاطعة" النهائية لهذا الاستحقاق الانتخابي.

بالنسبة للمثقف المغربي، ظلت أسئلته مركّزة على غياب "سياسة ثقافية" واستراتيجية واضحة لدى الدولة في هذا الباب. ويبدو أن الاتجاه العام الذي كرّسه الانفصام والصراع بين السياسي والثقافي، لن يتوقف في هذه المحطة الانتخابية الجديدة، إذ عبّر العديد من المثقفين المغاربة عن أن لا شيء يشجّع اليوم على الانخراط في هذا المسلسل الجديد، ما دام لن يؤدي في النهاية إلا إلى تكريس النخب نفسها التي لا تعبّر عن طموحات الشعب المغربي في الحداثة والتقدّم.

السيناريست والسينمائي عبداللطيف نجيب، يرى أن موقعه كفاعل يضعه، أحياناً، في تعارض مع الفاعل السياسي، بحكم أن هذا الأخير يظل منشغلاً بالسلطة وبلوغ مراكز القرار. من جهة أخرى، يعتقد أن الاستحقاقات الجماعية بإمكانها أن ترسّخ درساً ديمقراطياً متمثلاً في تربية المجتمع على التشبّع بقيمها كوسيلةٍ تنظّم عملية التداول على السلطة.

وفي حين يبدي تخوّفه من حضور الوجوه نفسها ونزول الفاعلين القدامى إلى "ملعب الديمقراطية"، حسب تعبيره، يعتبر أن الصلاحيات التي مُنحت للجماعات المحلية في ظل القوانين والمواثيق الجديدة، يمكنها أن تكون طريقاً إلى التحديث والتنمية وترسيخ ثقافة حقوق الإنسان لحماية التعدد الثقافي واللغوي للمجتمع، رغم استمرار وصاية الداخلية وسياسة تمركز السلطة.

بالنسبة إلى المسرحي والباحث أحمد بلخيري، فانتظاراته صريحة في أن تكون وزارة الداخلية محايدة وأن لا تكون فاعلاً سياسياً بانحيازها الى هذا الطرف السياسي أو ذاك، وأن تقف بالمرصاد "ضد تجّار الانتخابات، أعداء الديمقراطية"، غير أنه يتساءل إن كانت هناك إرادة حقيقية للقيام بإصلاح حقيقي؟ فتلك هي المسألة.

بدوره، يتطلّع الروائي مصطفى لحبوبي إلى أن تتمكن الجماعات المحلية والجهوية الجديدة من تخصيص ميزانية تنهض بالحقل الثقافي وتساهم في تنمية الكتّاب وتشجيع القراءة ودعم الجمعيات والملتقيات والمؤسسات الثقافية، مؤكداً أن ذلك صعب التحقيق إن لم تُضمّن الأحزاب السياسية في المغرب المسألة الثقافية في برامجها.

أمّا الأكاديمي والإعلامي عبد الكريم الزياني، فيشكّك في قدرة هذا الاستحقاق الانتخابي على التغيير، ويبيّن أنه وفي ظلّ غياب مفهوم المواطنة وسياسة ثقافية واضحة، تكون الثقافة آخر ما يكترث له الفاعلون السياسيون.

من جهتها، ترى الكاتبة فتيحة أعرور أن تجربة دول أميركا اللاتينية ملهمة للتجربة السياسية المغربية، فبعدما كان الحكم الشمولي يمسك بزمام كل شيء، تمكّنت هذه الدول من تحقيق التحوّل الديمقراطي، عبر آلية التداول السلمي للسلطة. وتعتبر الناشطة اليسارية أن ثمة أملاً لصالح الانتقال الديمقراطي الفعلي.

بالنسبة للأكاديمي والباحث عبدالله إكرامن، فإنه يعتقد أن معظم الكتّاب والمثقفين أداروا ظهورهم إلى السياسة منذ زمن، مضيفاً أنه، ككاتب يساري، لا يتوقّع الكثير وليست لديه انتظارات كبيرة من نتائج الانتخابات المقبلة: "أتمنى، لكن الأكيد وما أنا متيقن منه، أن أملي في انتصار قيم الحداثة والديمقراطية يبقى بعيد المنال، على الأقل في الاستحقاقات الجارية".

يهيمن، إذن، مزاج عام من الشك، بين المثقفين في المغرب، حول جدوى وأثر الانتخابات الجارية على الوضع الثقافي والتحوّل الديمقراطي في البلاد.

إنها حالة متجدّدة من اليأس والتشكيك لطالما وسمت علاقة الثقافي بالسياسي بشكل عام، وها هي تتّضح أكثر خلال الاستحقاق، والذي سيظل ممتداً طيلة الدخول السياسي والثقافي والاجتماعي الحالي.

في حين تتوافق الآراء أن عدم المقاطعة يقتضي تغيير النخب الحالية وإشراك المثقف بشكل فاعل وإيجابي في تخطيط مستقبل البلاد، والوقوف ضد الفساد والمتاجرة بالعملية الانتخابية.

جميع هذه المطالب المحقّة، هي عناوين كبرى أساسية إن كان يُراد تجاوز هذا الصراع المرحلي والتوحّد في ترسيم أفق المغرب القادم.

المساهمون