"فرسان الركح": الصحراء على الخشبة

20 اغسطس 2015
مشهد من مسرحية "أزوزن" (تصوير: فوضيل حدهوم)
+ الخط -

عندما حصل على شهادة البكالوريا، تساءل: "كيف يُمكنني الوصول إلى منصب سياسي؟"، وحين سألوه لماذا؟ أجاب: "لكي أُنقذ المسرح البائس في مدينتي".

هكذا، وعملاً بنصائح الكثيرين، توجّه ذلك الشاب من مدينته أدرار في جنوب الجزائر إلى وهران في غربها، ليدرس العلوم السياسية والعلاقات الدولية، التخصّص الذي درسه أغلب المسؤولين، كما أُخبر.

بعد سنوات، أدرك عقباوي الشيخ (1987)، أن تلك الأحلام لم تكن سوى "مراهقة فكرية"، وأنه لن يُحقّق هدفه إلاّ من الداخل. لملم حقائبه شطر العاصمة هذه المرّة، ملتحقاً بـ"معهد بُرج الكيفان للفنون الدرامية"، لدراسة المسرح.

لكن، كيف أحبّ المسرح وارتبط به، وهو القادم من بيئة لا توجد فيها حركة مسرحية أصلاً؟ يجيب الشيخ على سؤال "العربي الجديد": "عشتُ في مناخ تحوم حوله الفنون بمختلف أشكالها. لم يكن المسرح موجوداً بشكله المتعارف عليه، لكنّني فتحتُ عينيّ على ما يُمكن تسميته بما قبل المسرح. أعني الأشكال المسرحية الحاضرة في الحياة اليومية؛ مثل احتفالات عاشوراء والوعْدات والزيارات الاحتفالية.

يضيف: "الحقيقة أن ذلك كان سبباً آخر من أسباب تأخّر ظهور المسرح عندنا، لأن قوّة وتجذّر ما قبل المسرح كانا عائقاً أمام أيّة محاولة للتغيير أو التطوير".

لترجمة حبّه للفن الرابع، بادر الشيخ عام 2002، برفقة مجموعة من الشباب الذين يجمعهم الشغف ذاته، وأغلبهم تلاميذ في الطور الثانوي، إلى تكوين فرقة مسرحية صغيرة باسم "فرسان الركح". انطلقت الفرقة في الـ27 من شباط/ فبراير من العام نفسه.

في 2010، أُعيد بعثها على شكل جمعية مسرحية باسم "جمعية فرسان الركح للفنون المسرحية". منذ ذلك التاريخ، بدأت انطلاقتها الحقيقية، حيث قدّمت أعمالاً أكثر احترافيةً، وباتت تنافس حتّى المؤسّسات الرسمية ذات الإمكانات الكبيرة، مسجّلةً مشاركات داخل الجزائر وخارجها.

عن أسباب تأسيس الفرقة، يقول الشيخ: "لم نكن راضين عن أسلوب الجمعيات الموجودة في الممارسة المسرحية الجادّة، إضافة إلى رغبتنا في خلق جمهور مسرحي".

لم يكن ذلك سهلاً في بيئة تنحاز إلى الموروث الشعبي وتعتبر المسرح كفنّ مستقلّ أمراً دخيلاً، بسبب غياب تقاليد مسرحية وممارسين لهذا الفن، فضلاً عن عدم وجود مبانٍ مسرحية موروثة عن الفترة الاستعمارية، كما في مدن الشمال. لذلك "كان من الضروري بذل جهد مضاعف لتأسيس فعل مسرحي"، يُعقّب الشيخ.

بدأت الفرقة عروضها بتقديم "سكتشات" ومسرحيات بسيطة، في محاولة منها لتحريك المياه الراكدة في المشهد الثقافي. لكنها واجهت عقبةً أساسية تمثّلت في الإدارة المحليّة: "ثمّة جمعيات وصناديق لدعم الإبداع لها امتدادات عائلية. أمّا المؤسّسة الثقافية الرسمية، فرأت فينا منافساً مُزعجاً؛ وهذا حال دون حصولنا على أيّ دعم. بعد ستّ سنوات من الوجود وعشرين مشاركة دولية، لم نحصل على دينار واحد من أيّة جهة في أدرار".

اليوم، باتت الجمعية تضمّ قرابة أربعين عضواً، وبات في رصيدها العديد من الأعمال التي حقّقت حضوراً لافتاً، وحازت سبع جوائز من مهرجانات دولية؛ منها مسرحية "الحب الممنوع" (2011)، و"حب وحال" (2012)، و"الجدار" (2013)، و"أزوزن" (2014)، و"المحقور" (2015).

عن اختيار النصوص، يقول الشيخ: "عادةً ما نكون حذرين، حيث نضع في الحسبان إمكانية تجسيد النصّ على الخشبة، وفق ما لدينا من ممثّلين وإمكانات مادية، لأن أغلب إنتاجاتنا غير مموّلة، ما يجعلنا أحياناً مضطرّين إلى التضحية ببعض الجوانب الفنية".

أمّا عن الجانب الإخراجي، فيوضّح: "وجود عناصر في الجمعية ذات خلفية أكاديمية يساهم في تقديم أعمال ناضجة. نحرس دائماً على أن يكون المعطى الصحراوي حاضراً من خلال القصّة ذاتها، أو من خلال السينوغرافيا.. في الألوان والأشكال والموسيقى والرقصات والإيقاعات والأهازيج".

تنطلق الفرقة من الموروث الشعبي الشفاهي، محاولةً الاستفادة منه وتوظيفه في أعمالها، من خلال مسرحة أشيائه. تلك العناصر هي ما يقرّب الجمهور من أعمال الفرقة، حسب ما يقول رئيسها، الذي يضيف: "نُؤمن أننا بقدر ما نكون محلّيين، نكون عالميّين. المسرح استنفد كل القوالب والأشكال الفنية عالمياً، ووحدها أفريقيا بقيت عذراء. كلّ ما علينا فعله هو تفعيل البحث المسرحي المختبري والعمل على مسرحة هذا الزخم الثقافي والحضاري".

من خلال مشاركاته في عدد من مهرجانات المسرح الدولية، اكتشف الشيخ أن "العالم يحتاجنا مسرحيّاً وفنيّاً، أكثر ممّا نحتاج إليه". لكن هذا النزوع إلى "الفولكلور" قد يكون عنصراً سلبياً، على حساب الفن المسرحي.

يجيب الشيخ: "أنا ضدّ المسرح السياحي، لكنّني مع توظيف الموروث الشعبي وجعله أداةً للفرجة المسرحية. شكسبير انطلق في روائعه من خصوصيات البيئة الإنجليزية، ومهما حاولنا اليوم العمل على تلك النصوص، فلن نفهمها كما فهمها أهلها، وأيّة رؤية إخراجية لها ستكون مكرّرة لرؤى سابقة. لكن ما لدينا نحن لم يتعرّف إليه إلا قليلون. لذلك، علينا العمل على إخراج تلك الأشكال إلى النور، من خلال البحث أوّلاً".

أيضاً، تحضر اللغة الأمازيغية في عدد من أعمال الفرقة. عن ذلك، يقول الشيخ إن "هناك توجّه يريد أن يجعل من مسرحها حالة فلكلورية. وعندما اشتغلت على الأمازيغية، كان هدفي هو تفنيد هذا الرأي وجعل الناس تعيد التفكير مجدّداً في إمكانياتها لتكون لغة مسرحية كباقي اللغات، في كل الأنواع المسرحية. قدّمنا مسرحية تجريبية بعنوان "أزوزن" بالأمازيغية وعُرضت مؤخّراً في الصين، ولم تشكّل اللغة عائقاً أمام الجمهور، عكس ما يدّعيه البعض عندنا؛ فالمسرح ليس فقط اللغة المنطوقة في النهاية. اللغة عند بعضهم ليست سوى شمّاعة لتعليق الإخفاق الجمالي الابداعي".

المساهمون