الطرب قادماً من زنجبار

16 مايو 2015
فاطمة بنت بركة (تصوير: وياتيوساو وايتكوياك)
+ الخط -

تتناقل بعض الروايات عن السلطان برغش بن سعيد البوسعيدي (1837–1888)، ثالث السلاطين العُمانيين الذين حكموا جزيرة زنجبار، أنه قرر إرسال مجموعة من عمّال بلاطه إلى مصر لتعلّم العزف على آلات التخت الشرقي، بدلاً من إحضار عازفين من أرض الكنانة كلّما أراد أن يُحيي فيها مناسبة ما. ومع مرور الوقت بدأت الموسيقى العربية بالخروج من القصر إلى الشارع إلى أن بات هناك مجموعة موسيقية أطلق عليها اسم "نادي إخوان الصفا".

تكوّنت الفرقة من عازفي الكمان والعود والقانون، وعُرفت رسمياً في العام 1905، حيث كانوا يؤدّون مقطوعات وأغاني تعلّموها في مصر.

في تلك الأثناء انتقلت من الريف الفقير ستّي بنت سعد (1880-1950) إلى المدينة تبحث عن فرص العيش الكريم، وقد عُرفت بجمال صوتها حين كانت تغني وهي تبيع الفخار الذي تصنعه والدتها.

سنحت لبنت سعد الفرصة لتلقي تعليم خاص على يد العازف علي محسن أحد موسيقيي "نادي إخوان الصفا" الذي التفت إلى موهبتها، وبعد إعدادها جيداً للغناء العربي قدّمها للنادي واستطاعت بحسن آدائها أن تنال إعجابهم، حتى أصبحت أول مغنية أنثى معروفة في الوقت الذي كانت الموسيقى فيه حكراً على الرجال، وأحيت العديد من الحفلات في بلاط السلطان ومناسبات أثرياء العرب.

غنّت بنت سعد القوالب العربية باللغة السواحلية، وكانت هذه الخطوة بمثابة بداية تحوّل الطّرب من مصطلح يطلق على حالة الجذل إثر سماع الموسيقى الشرقية، إلى مصطلح يُطلق على قالب موسيقي خاص، وهو موسيقى الطرب الأفريقية.

ولدى الاستماع إلى تسجيلاتها الأولى في العام 1928، وتسجيلات الفنانة المصرية منيرة المهدية (1887-1965)، يمكن ملاحظة أن الفرق يكمن في دقة العزف ودوزان الآلات المرافقة ولغة الغناء. سوى ذلك، نستطيع إلى حد ما القول إننا نستمع لنسخة أفريقية من الطرب ازدهرت تلك الفترة.

شكّلت الفنانة الزنجبارية مصدر إلهام لغيرها، وخصوصاً عندما بدأت تتناول مواضيع لها علاقة بحقوق المرأة، وقضايا سياسية وإنسانية. حتى تمّ بناء ستديو خاص لها في زنجبار لكثرة أعمالها بدلاً من سفرها للتسجيل في بومباي الهند.

الفنانة فاطمة بنت بركة (1910-2013) والمعروفة بــ "بيكيدوده"، فتعتبر من المطربات اللاتي تأثرن بتجربة ستي بنت سعد، ورغم أنها توفيت حديثاً، إلا أن هناك القليل من المعلومات عنها، فكانت شهرتها في زنجبار بين جمهورها ورواد الجزيرة من السواح.

بدأت بنت بركة الغناء منذ سن مبكرة، وغنّت باللغة العربية مع فرقة مصرية منذ 1930 حتى 1940 في دار السلام، وبعدها عادت إلى جزيرتها تعلّم الفتيات الإيقاع الأفريقي وغناء الطرب، وقامت بدور توعوي لحقوق المرأة، وأسهمت في نشر وإشهار قالب الطرب الأفريقي على أوسع نطاق.

في العام 1964 انتهى حكم العرب بطريقة دامية اختلف على وصفها حتى أبناء زنجبار أنفسهم، فمنهم من وصفها بالثورة ومنهم من رآها انقلاباً. وعلى اختلاف وصف ما حدث، ما زالت زنجبار تستقبل ضيوفها بموسيقى الطرب الأفريقي التي تُعزف على القانون والعود والكمان، وبدوزان ليس منضبطاً تماماً، أو ليس مدوزناً على الطريقة التي ألفتها الأُذن العربية. ولا زال "نادي إخوان الصفا" قائماً منذ أول جيل عاد من مصر حتى اللحظة.

يسجّل التاريخ للسلطان برغش بن سعيد تطوير زنجبار في عهده، من تمديد إنارة للطرق والبيوت، وإنشاء مطبعة لطباعة الكتب باللغة العربية، وبناء المستشفيات، ومن المؤكد أنه خطّط لكل ما سبق، لكنه لم يكن يعلم بأنه ترك نسخة مسموعة لثقافة موسيقية تبعد عن زنجبار آلاف الكيلومترات شمالاً في مصر، وإن حُسِب لأبيه زراعة القرنفل هناك، فيحسب له زراعة هذا الإرث الموسيقي المثير للفضول بكل تفاصيله.
المساهمون