"عرب يرقصون".. على دوي صواريخ غزة

15 يوليو 2014
مانا نيستاني / إيران
+ الخط -

"ماذا يعمل والدك؟"، يسأل المدرّس، فيجيب الطفل إياد: "أبي يعمل مخرّباً". إنها الجملة الأولى التي يبدأ فيها الإعلان التشويقي لفيلم "عرب راقصون" الذي أخرجه الإسرائيلي عيران ريكليس والمأخوذ عن السير الذاتية "عرب جيدون" و"ضميرٌ ثانٍ وحيد" للكاتب سيد قشوع.

يروي الفيلم قصة الطفل إياد الذي يرسله والداه الفلسطينيان إلى مدرسة داخلية يهودية في القدس المحتلة في ثمانينات القرن الماضي، ليجد نفسه في مواجهة تخبطات الهوية والثقافة والانتماء.

في فترة مراهقته، تنشأ علاقة غرامية بينه وبين فتاة إسرائيلية، تلقى الرفض التام من عائلة الفتاة، فيتطور شعور إياد بالغربة والاختلاف ويصل إلى قناعة بأن التخلص من هذا الشعور يتحقق بالتخلي عن هويته العربية الفلسطينية، قبل أن يعزم في النهاية على مغادرة وطنه والسفر الى الخارج، تماماً كما كتب قشوع في مقالته قبيل أسبوعين، أنه حان وقت الرحيل وتحضير حقائب السفر، لاستنتاجه عدم إمكانية العيش المشترك بين العرب واليهود في المجتمع الإسرائيلي في الأوضاع الراهنة!

قشوع ابن مدينة الطيرة الفلسطينية، صاحب المقال الأسبوعي "الساخر" في صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، وكاتب المسلسل الكوميدي "شُغل عرب" المستمر عرضه للسنة الخامسة على التوالي على القناة الثانية الإسرائيلية؛ يُعرَف بخطابه المتأسرل والمتملّق للجمهور الإسرائيلي، وتشديده الدائم على تخبطات الهوية لدى فلسطينيي الداخل إلى حد جعل كل واحد منهم يبدو وكأنه توّاق على الدوام إلى أن يكون "العربي الجيّد" الذي يحلم به "السيّد" الإسرائيلي، ولو كان ذلك من خلال مواقف كوميدية.

وهنا تكمن المأساة، في تبني قشوع خطاباً متأرجحاً و"أوسلويّ" الركائز والتكوين، بعيداً عما وصل إليه الحراك الوطني الفلسطيني في الداخل وسعيه نحو بلورة خطاب يرتكز على الثقة الكاملة بالهوية الفلسطينية.

لم يغادر قشوع لأكثر من عقد من الزمان خطابه المتملّق للجمهور الإسرائيلي كـ"عربي يكتب بالعبرية"، فنجده لا يغضب قارئه أو مشاهده الصهيوني، مزوّداً ذلك المحتل بجرعات تخدير تجعله واثقاً بأن "ديمقراطيته" تفيض على شاشاته التلفزية.

ومن شاشات التلفزة ينتقل قشوع بسيرته الذاتية إلى شاشات السينما والمهرجانات، كـ"مهرجان القدس" الإسرائيلي للأفلام الذي "احتفى" العام الماضي بالمخرج اللبناني زياد دويري بعد أن صدم العالم العربي بشريطه "الصدمة" المتلائم مع السردية الصهيونية، كما "كرّم" الإيراني محسن مخملباف الذي أثار الاستهجان وخيبة الأمل بحضوره لمهرجان يُعدّ الأكثر رمزية للاحتلال لتنظيمه في القدس المحتلة.

كان من المفترض أن يُعرض شريط "عرب يرقصون" مساء بعد غد الخميس في الافتتاح الرسمي للمهرجان، إلّا أن صواريخ المقاومة في غزة وحالة الارتباك الأمني في القدس المحتلة أدت إلى تأجيل عرضه الاحتفالي حتى إشعار آخر؛ ما أفسد ترتيبات إدارة المهرجان، إذ بنت على الشريط آمالاً لتبييض صورة إسرائيل أمام الضيوف الأجانب، عبر افتتاح المهرجان بفيلم "يفحص بعين دقيقة نسيج العلاقات المركّب بين اليهود والعرب في إسرائيل" كما جاء على صفحة المهرجان الرسمية.

على أي حال، سيخرج الضيوف من باحة المهرجان في القدس ليجدوا العرب من حولهم فعلاً يرقصون. رقصٌ يشبه كثيراً رقصة العرب على الأسطح كما يصوّرها قشوع في روايته المعدة سينمائياً، إبان وقوع الصورايخ التي أطلقها صدام حسين على "إسرائيل" خلال "حرب الخليج". لكن هذه المرة، يرقص العرب في القدس على دوي صفارات الإنذار والصواريخ التي تطلقها المقاومة الفلسطينية من غزة ضد المحتل.

دلالات
المساهمون