لعقود، ظَلّ "المهرجان الوطني لمسرح الهُواة" في مدينة مستغانم، غربي الجزائر، يتنقّل بين فضاءات مختلفة؛ مثل "دار الثقافة ولد عبد الرحمن كاكي" ومسرحَي "الموجة" و"الإشارة"، بل إنّ عروض دورته السادسة والأربعين والسابعة والأربعين في 2013 و2014 أُقيمت على متن شاحنة. غير أنّ التظاهرةَ، التي تأسّست عام 1967، ستجد سقفاً وخشبةً عام 2016، مع افتتاح "مسرح مستغانم الجهوي" الذي كان أوّل مبنى مسرح تُشيّده الجزائر بعد استقلالها عام 1962، وقد حمل اسمَ المسرحي جيلالي بن عبد الحليم (1920 - 1990)، مؤسِّس المهرجان الذي يُعدّ الأقدم من نوعه عربيّاً وأفريقياً.
في دورته الرابعة والخمسين، التي انطلقت الخميس الماضي وتُختَتم اليوم الثلاثاء، كان من اللافت عدمُ إقامة حفل الافتتاح في "المسرح الجهوي"، بل في "دار الثقافة" التي تحمل اسمَ أحد روّاد الحركة المسرحية الجزائرية (1934 - 1995). لم يقتصر الأمر على الافتتاح، بل تجاوزه إلى العروض التي توزّعت بين "دار الثقافة" و"مسرح الموجة"، بينما لم يحتضن مبنى المسرح سوى أربعةٍ مِن أصل 15 عرضاً شاركت في المهرجان؛ وهو ما يطرح سؤالاً عن فائدة إنشاء مسرحٍ - طال انتظارُه 54 عاماً - في المدينة، إن كان مهرجانُها المسرحيُّ الأهمّ سيُقام خارج أسواره.
غياب التنسيق بين إدارتَي المهرجان ومسرح مستغانم الجهوي
لعلّ هذا الوضع غير الطبيعيّ يبدو طبيعيّاً بالنسبة إلى القائمين على التظاهرة؛ فهذا مُديرُها، محمّد تكيرات، يقول، خلال حفل الافتتاح، إنّ المهرجان يعود هذا العام برؤية جديدة، وإنّه سيحرص على "توسيع نشاطه الثقافي ليكون سفيراً للمسرح الجزائري، من خلال التعاوُن مع المؤسَّسات الثقافية والمسرحية، والعمل على تحقيق شرَاكات معها"، بينما لم يعقد المهرجان شراكةً مع المسرح الجهوي نفسه. أمّا وزيرة الثقافة صورية مولوجي، التي أثنت خلال الافتتاح على المهرجان، قائلةً إنّه "حقّق العلامة الكاملة في المشهد الجزائري"، فلَم تُبدِ استغراباً من عدم إقامته في بيته الطبيعي: المسرح.
كان "المسرح الجهوي" قد أعلن في نهايةَ الشهر الماضي عن إقامة برنامج عروض مسرحية بين الثالث والتاسع والعشرين من الشهر الجاري، إلى جانب دورة لـ"تلقين أبجديات المسرح" (وفق تعبيره)، بتأطير من المسرحي محمّد يبدري. لكنّه عاد لينشر على صفحته في فيسبوك إعلاناً يُعلِم فيه روّاده بـ"تعليق نشاطاته المبرمَجة خلال الشهر الجاري، بين 11 و18 تمّوز/ يوليو، وذلك لبرمجة بعض عروض الدورة 54 من مهرجان مسرح الهواة، لتُستأنَف بقيّة البرنامج الفنّي بعد ذلك". يكشف هذا الإعلان عن غياب التنسيق بين إدارتَي المهرجان والمسرح الجهوي؛ وهو التنسيق الذي كان من شأنه، لو وُجد، عدمُ برمجة أيّة أنشطة في مبنى المسرح خلال فترة إقامة المهرجان.
غيابُ التنسيق يؤكّده أيضاً إعلان "المسرح الجهوي" عن برمجة عددٍ من العروض المشارِكة في المهرجان، قبل أن يُعلِن في وقت لاحق عن استبدالها بعروض أُخرى، وهو ما يؤشّر إلى وُجود خلافات بين الطرفَين، يدفع المهرجانُ العريقُ ثمنَها في المحصّلة، بينما تكتفي وزارة الثقافة بدور المتفرّج.
توزّعت عروض الدورة بين دار الثقافة و"مسرح الموجة"
بالعودة إلى برنامج المهرجان، يشارك في الدورة الرابعة والخمسين خمسة عشر عملاً مسرحياً، تتوزَّع بين فئتَين ("أ" و"ب")، خُصّصت لكلّ منهما لجنةُ تحكيم مستقلّة عن الأُخرى: الأُولى تترأّسها فوزية آيت الحاج، وتضمّ كلّاً من جمال قرمي وفتيحة ورّاد وآمال مينغاد وعزري الغوثي، والثانية يترأّسها سيد أحمد قارة، وتضمّ في عضويتها كلّاً من إسماعيل براهيمي وعابد بوخبزة وأحسن عزازني.
وباستثناء تقديم عروض المجموعة الأُولى في "دار الثقافة" والثانية في "مسرح الموجة"، لم يوضّح القائمون على المهرجان المعايير أو الفروقات التي استندوا إليها في تقسيم العروض إلى مجموعتَين لكلّ منهما لجنةُ تحكيم خاصّة بها.
ضمّت المجموعة الأولى عشرة عروض، هي: "رقم صفر" لـ"جمعية فكرة أمل" من البيّض، و"ناكر لحسان" لـ"حركة مسرح القليعة" من تيبازة، و"جدب" لـ"جمعية المنارة" من قورصو في بومرداس، و"ما قبل النور" لـ"جمعية الستّينية" من وهران، و"ظلّ الحُلم" لـ"جمعية الكلمة للفنون" من المسيلة، و"ذكريات" لـ"جمعية الشعلة للمسرح" من برج منايل في بومرداس، و"شمّة دُوريجين" لـ"تعاونية الشمعة للثقافة" من قسنطينة، و"دار ربّي" لـ"جمعية موريستاقا" من مستغانم، و"الثأر" لـ"جمعية ثروي" من تيزي وزّو، و"45 - 60" لـ"جمعية الموجة" من مستغانم.
أمّا المجموعة الثانية، فضمّت خمسة عروض، هي: "الراحلين: 11 دقيقة" لـ"جمعية المرجان" من إنْ صالح، و"اللعبة" لـ"تعاونية رفقاء نجمة" من سطيف، و"الساعة" لـ"تعاونية الكواليس" من تلمسان، و"رسالة مريض" لـ"جمعية الإشعاع الثقافي" من عين الدفلى، و"132 سنة" لـ"جمعية القوّالة" من غليزان.
إلى جانب العروض، شهدت الدورةُ، على مدار خمسة أيّام، إقامة سبع ورشات تدريبية في مجالات التمثيل وإعداد الممثّل، والكتابة الدرامية، والإخراج المسرحي، والسينوغرافيا، والكوريغرافيا، ومسرح الشارع، والمؤسَّسات الناشئة في المجال الثقافي والمسرحي، شارك فيها ما يقرب من 260 متدرّباً، قال مدير المهرجان إنّه "سيجرى اختيار أفضلهم لتلقّي دورات تدريبية في مدن أُخرى خلال السنوات الثلاث المقبلة، بهدف إنجاز ثلاثة أعمال مسرحية".
أُقيمت، ضمن الدورة أيضاً، ندوةٌ بعنوان "مسرح الهواة في الجزائر: واقع وآفاق"، بمشاركة كلّ من الأكاديميَّين لخضر منصوري من "جامعة وهران" ومحمّد شرقي من "جامعة مستغانم"، والكاتب والباحث المسرحي بوزيان بن عاشور، والمسرحيَّين غوثي عزري وعبد الله حملاوي؛ حيث عاد هؤلاء إلى بدايات مسرح الهواة في الجزائر على يد منتمين إلى "الكشّافة الإسلامية الجزائرية"، مثل جيلالي عبد الحليم الذي أسّس في نهاية الستّينيات أوّل مهرجان مسرحي عربي وأفريقي، مروراً بفترة الثمانينيات والتسعينيات التي شهدت ظهور الكثير من الفرق المسرحية الهاوية، والتي بلغ عددها قرابة خمسين فرقة، وصولاً إلى اليوم.