"كابوس هايدي": شخصيةٌ أنستْنا مؤلّفتها

02 يوليو 2023
من الفيلم
+ الخط -

خلال قرن تقريباً من الزمن، عاشت شخصية هايدي حياةً هادئة، مثل آلاف الشخصيات التي تحفل بها رفوف المكتبات في سويسرا، البلد الذي وُلدت فيه على يد الروائية يوهانا شبيري عام 1880. لكنّ التفاتَ مجموعةٍ من مُخرجي وفنّاني الرسوم المتحرّكة اليابانيّين إليها، مطلع سبعينيات القرن الماضي، سيُغيّر الأمور تماماً، لتتحوّل الطفلة السويسرية اليتيمة إلى واحدةٍ من أشهر شخصيات الحكايات الطفولية المكتوبة والمصوَّرة، إلى جانب أليس للويس كارول، وساندريلا لشارل بيرو، وبائعة الكبريت لهانس كريستيان أندرسن، حتى إن عشرات آلاف السياح باتوا يزورون سنوياً قرية تحمل اسمها، بعد أن شاهدوا واحداً من عشرات الاقباسات التلفزيونية والسينمائية والمسرحية التي استعادت قصّة حياتها.

في فيلمها الوثائقي "كابوس هايدي" (52 دقيقة، 2022)، الذي تبثّه قناة "آرتيه" الثقافية الفرنسية الألمانية هذه الأيّام، تقتفي المُخرجة السويسرية أنيتا هوغي أثر هذه الفتاة، أو بالأحرى آثارها غير المعروفة، تماماً مثل حياة مؤلّفتها، يوهانا شبيري. فاسمُ الكاتبة السويسرية (1827 ــ 1901) يبدو لنا مجهولاً بالقدر نفسه الذي يبدو اسم شخصيتها مألوفاً، كما لو أنّ الأضواء التي حظيت بها هايدي غطّت تماماً على مُبتكرتها، على الرغم من أنها نذرت حياتها للتأليف، تاركةً وراءها نحو خمسين رواية. 

يضمّ الفيلم شهادات اثنين من صانعي المُسلسل الكرتوني الياباني

لكنّ شبيري، كما سنفهم في الفيلم، كانت مثل بطلتها، فتاةً تُفضّل العُزلة في الجبال، والعيش مع عدد قليل من الأشخاص، على حياة المدن الصاخبة. وهي لا تُخفي حساسيتها من الأضواء، كما يشهد العدد القليل جدّاً من الرسائل التي تركتها والتي عادت إليها المُخرجة، إلى جانب أرشيفها القليل أيضاً، والذي لا يتجاوز بضع مسوَّدات وصوَر يُشاهدها اليوم الزوّار الذين يأتون من مختلف أنحاء العالَم لمشاهدة بيتها، الذي تحوّل إلى متحف، قرب زيورخ، و"بيت هايدي"، في مرتفعات الألب، على بُعد ساعة تقريباً بالسيارة من هناك.

ولأنّ مسلسل الرسوم المتحرّكة "هايدي" (52 حلقة، 1974)، الذي أخرجه إساو تاكاهاتا بالتعاون مع هاياو مايازاكي ويويشي كوتابي، محوريٌّ في التاريخ الذي عرفته الشخصية، فإنّ هوغي تُخصّص له قسماً أساسياً في فيلمها، وهو قسمٌ يقوم بشكل أساسيّ على شهادات كوتابي (الذي كان مسؤولاً عن تصميم الشخصيات)، ومُنتج الفيلم جونزو ناكاجيما. يعود الرجُلان إلى قرية هايدي التي زاراها، مع باقي فريق المسلسل الكرتوني، قبل خمسين عاماً، ليطّلعوا عن قُرب على البيئة التي عاشت فيها يوهانا شبيري وتخّيلت فيها شخصيتها. 

زيارةٌ يستعيدها كوتابي، ونرى مشاهد عدّة منها بالصورة، بما يعطي أدلّة لنا اليوم على نجاح المسلسل الكرتوني الذي عملوا عليه، حيث اعتنوا بكلّ تفصيل؛ من طبيعة الرياح وميلان الأشجار معها (التي سيستلهمون منها العديد من المشاهد) إلى النحو الذي تُرفع فيه الأسقف على الجدران، أو تُصنَع فيه الأبواب؛ فضلاً عن الضوء الذي يُشرق على هذه البقعة من الألب. شهادةٌ نفهم من خلالها لماذا عادت هايدي لتعيش حياة ثانية، بعد نحو قرن من ولادتها.

المساهمون