عن نُخب عربية تبنّت السردية الصهيونية

10 يوليو 2024
من مسيرة تضامنية مع غزّة، طنجة، 7 تمّوز/ يوليو 2024 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **التصهيُن العربي:** مقال يناقش تصهيُن بعض التونسيين والنخب العربية، ويكشف عن حجم التصهيُن العربي بعد أحداث "طوفان الأقصى" في أكتوبر 2023.
- **القراءة الخاطئة للصهيونية:** النخب العربية، خاصة التقدّمية، لم تهتم بالجانب الديني للصهيونية واعتبرتها مجرد قاعدة إمبريالية، مما أدى إلى انتشار التصهيُن بين النخب.
- **كذبة الديمقراطية:** الصهاينة سوّقوا أنفسهم كدولة ديمقراطية، مما جعل بعض النخب العربية تتعامل معهم وتدافع عنهم، مثل كمال داود الذي هاجم "حركة حماس".

كنتُ قد كتبتُ قبل عشر سنوات مقالاً بعنوان "صهاينة ولكن تونسيّون"، وهو مقال عن التصهيُن العربي: تونس نموذجاً. ولم أكُن أدري وقتها أنّ تصهيُن بعضِ التونسيّين المُغيَّبِي الوعي كان بريئاً براءة طفل يأكل العنب. ولم أكُن أدري أيضاً أنّ حجم التصهيُن العربي أكبر بكثير ممّا نعتقد حتى كشف عنه "طوفان الأقصى"، في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023. 

نُشر المقال في حينِه ولكن يبدو أنّ الوعي العربي خاضعٌ للميديا لا للوعي والمعرفة. بدا لي هذا من خلال كثير ممّا يُكتب اليوم حول هذا الكيان الديني الذي له وجه زمني هو الإمبريالية، ومدى تغلغُل سردية هذا الكيان في وعي كثير من النُّخب العربية.

فالصهيونية هي إحدى المذاهب الدينية السَّلفية اليهودية الأكثر عُنفاً. وقد سوّت أهدافها وتماهَت مع السياق الزمني الغربي الأميركي على وجه الخصوص. ولأنّ الحركات التقدّمية العربية "لايكية"، وتدور كلّها في فلك الأيديولوجيات الاشتراكية، وتتغذّى من أدبيّاتها فلَم تهتمّ هذه الحركات بالقراءة الدينية لهذا الكيان السرطاني، كما وصّفه عباس محمود العقّاد قبل حوالي سبعين سنة، واعتقدَتْ هذه النُّخب أنّ الآخرين هُم أيضاً غير مهتمّين بالعقيدة بوصفهم فاعلاً أساسيّاً في نظرة إنسان المنطقة للعالَم، كما كتب يوماً لورنس العرب. ولم تقرأ الكيان الصهيوني إلّا بوصفه قاعدة إمبريالية متقدّمة، وهذه نصف الحقيقة.

كذبة الديمقراطية أذاعها الصهاينة عن أنفسهم وسوّقها لهم الغرب

وسهّلت هذه القراءة انتشار كثير من وجوه التصهيُن لدى كثير من النُّخب السياسية والثقافية العربية. وكانت قمّة الدراما عندما أيّدت بعض الأحزاب الشيوعية العربية قيام الكيان سنة 1948، وتسويتها بين "الكيبوتز" الإسرائيلي و"الكولخوز" و"السوفخوز" السوفييتي، وأنّ "الكيبوتز" خطوة في المنطقة نحو بناء المجتمع الشيوعي. وذهَب السادات إلى اختزال الأمر إلى أنّ ما يفصلُنا عن الصهيونية هو مجرّد حاجز نفسي، بما يعني حاجز وهميّ.

وكان لا بدّ أن تأتي محرقة غزّة، وأن يظهر إيتمار بن غفير وزعيقه الأرعن، وسموتريتش وحقده الأسود، والقتل التلمودي المُرعب ليتكشّف لهُم النصف الآخر للحقيقة، والمتمثّل في الجوهر الديني لهذا الكيان.

هذه القراءة الخاطئة للكيان، وتصنيفه دولة "لايكية" ديمقراطية، وهي كذبة أذاعها الصهاينة عن أنفسهم وانتشرت في الغرب، جعلت كثيراً من النُّخب العربية خاصة في المغرب العربي تلتقي الكيانَ، بل تحجُّ إليه. وثمّة كثير من النُّخب، من تونسيّين وجزائريّين ومغاربة، لا ترى غضاضة في التعامل مع الصهيونية، بل وصل الأمر ببعضهم إلى الدّفاع عن هذا الكيان الاستعماري التطهيري باعتباره "جزيرة ديمقراطية في المنطقة". كما هو شأن الجزائري كمال داود الذي ذهب بعيداً في مهاجمة "حركة حماس"، ونعتها بالإرهاب في مقاله الأسبوعي الذي ينشره في موقع "المنبر اليهودي" (TRIBUNE JUIVE)، وفي "مجلّة لوبوان" الفرنسية، وما يزال يكتب مُديناً "حركة حماس"، بعد أكثر من تسعة أشهر من ممارسة التطهير العِرقي بالتعذيب والقتل التلمودي المُرعِب.


* شاعر ومترجم تونسي مقيم في أمستردام
 

المساهمون