رحيل إبراهيم گلستان.. من قطرة إلى البحر

رحيل إبراهيم گلستان.. من قطرة إلى البحر

25 اغسطس 2023
إبراهيم گلستان
+ الخط -

أُعلن، الأربعاء الماضي، خبرُ رحيل الكاتب والسينمائي الإيراني إبراهیم گلستان (1922 - 2023)، الذي غادر عالمنا الثلاثاء الماضي عن عُمر جاوز مئة عام، وذلك بنشر ابنته ليلي گلستان جملةً: "لقد رحلتَ، الوداع". وقد توفي گلستان في منزله في ساسكس (جنوب شرق إنكلترا) محاطًا بعائلته. وبناء على طلبه، تُقام جنازته في مراسم مغلقة.

يُعدّ گلستان، المولود في مدينة شيراز - باسم إبراهيم تقوي الشيرازي - أحد أبرز الأدباء الإيرانيّين الذين أبدعوا في مجالاتٍ فنّية مختلفة؛ فهو القاص والمترجم والمُخرج والمصوّر السينمائي والمنتِج والإعلامي. في بداية شبابه، غادر مسقط رأسه إلى طهران للدراسة، وذهب إلى منزل عمّه، ثمّ التحق بكليَّة الحقوق في جامعة طهران، ولكنّه لم يكمل دراسته. وبعد فترة تزوّج من فخري ابنة عمّه. ابنتهما ليلى گلستان تُعدّ اليوم واحدة من المترجمات البارزات ومديرة "غاليري گلستان".

انضمّ إلى حزب توده الإيراني الذي سرعان ما انشقّ عنه، وتحوّل منزله في طهران قبل الثورة الإيرانية إلى ملتقى للكتّاب والشعراء والفنّانين المعروفين في ذلك الوقت، بما في ذلك جلال الأحمد ومهدي إخوان ثالث وصادق شوباك وآخرون.

روت قصُصه خيبات أمل أشخاص كانت لديهم أحلام كبيرة

وبعد سنوات من إقامته بطهران، أصبح إبراهيم گلستان موظّفًا في الشركة الإيرانيّة البريطانيّة للبترول، والتي عمل في قسمها الإعلامي، فذهب مع عائلته إلى عبادان. وبعد بضع سنوات، وُلد ابنه كاوه گلستان، وهو مصوّر فوتوغرافي قُتل في انفجار لغم أثناء قيامه بعمله في العراق. وفي عبادان أسّس "استوديو گلستان"؛ حيث قام بتصوير بعض الأفلام الإعلانية للمراكز التابعة لشركة النفط.

كان گلستان من أوائل الكتّاب الإيرانيّين المعاصرين الذين أولوا اهتمامًا خاصًّا بلغة القصص، واستخدموا النثر الشجيّ في أشكال القصّة الحديثة. وبحسب النقّاد الإيرانيّين، اعتمَد في منجزه القصصي أسلوب كتاب القصّة الأميركية وأسّس لها مكانة في النثر الفارسي، خصوصًا أنّه أوّل من تَرجم لإرنست همينغوي وويليام فوكنر.

ونجح گلستان في مجموعته القصصية "آذر، آخر أشهر الخريف" (1948)، في توظيف أسلوب فوكنر، على خلاف أغلبية كتّاب القصّة الإيرانيّين الذين نهلوا من أساليب الكتّاب الفرنسيّين. في معظم قصصه المنشورة في خمسينيات القرن الماضي، روى گلستان خيبات أمل أشخاص كانت لديهم أحلام كبيرة وناضلوا من أجل تحقيقها. وكان من أوائل الكتاب الإيرانيّين المعاصرين الذين أولوا أهمّية للمخيّلة في الأشكال السردية الحديثة. ولا يمكن تجاهُل دوره في تقدُّم السرد الإيراني المعاصر.

غادر إيران قبل سنوات قليلة من الثورة واستقرّ في إنكلترا

بعد ذلك، أنتج العديد من الأفلام، في طليعتها فيلم "البيت الأسود" (1962)، بالتعاون مع الشاعرة فروغ فرخزاد التي قامت بإخراجه، ونتجت عن هذا التعاون علاقة حُبّ بينهما. لكنَّه بعد فيلمه "أسرار كنز وادي الجن" (1974)، الذي وَجّه فيه نقدًا لاذعًا للنظام الملكي ومشاريعه الاقتصاديّة؛ مُنع من العمل في السينما، فباع الاستوديو الذي كان يملكه ليُهاجر بشكلٍ نهائيٍ إلى إنكلترا.

يُعتبر گلستان أحد مؤسّسي حركة الموجة الجديدة في السينما الإيرانية. ومن أفلامه: "يمكننا أن نذكر تشاستيغاري" (1962)، و"الطين والمرآة" (1964)، و"أسرار جينتش ديري يا جيني" (1971)، إلى جانب العديد من الأفلام الوثائقيّة القصيرة، من بينها: "من قطرة إلى البحر" (1957)، و"مارليك هيلز" (1963)، و"كنوز الجواهر" (1965).

ومن مؤلَّفاته: "مطاردة الظل" (1955)، و"الفرح والجدار والعطش" (1967)، و"الموضة والضباب" (1969)، و"الديك" (1995)، و"رسالة إلى سيمين" (2016)، و"المختار في العصر" (2022).

أمّا ترجماته التي أنجزها قبل هجرته، فمنها: "الحياة السعيدة القصيرة لفرانسيس ماكومبر" لـ إرنست همنغوي (1949)، و"هاكلبيري فين" لمارك توين (1954)، و"موت" لكونه ماكسويل (1956)، و"من رسائل فلوبير" لغوستاف فلوبير (1958)، و"دون خوان في الجحيم" لـ برنارد شو (1975).

غادر إبراهيم گلستان إيران نهائيًا قبل سنوات قليلة من الثورة واستقرّ في إنكلترا. طوال سنوات حياته، وجّه انتقادات عديدة للمثقّفين والفنّانين الإيرانيّين؛ انتقادات جريئة وصريحة وصلت حدّ الشتائم في بعض الأحيان. ومن المصادر التي سجّلت آراءه وانتقاداته التي لا نهاية لها تجاه أهل الثقافة والفن والأدب، كتاب "الكتابة بالكاميرا" الذي يتضمّن حوار الناقد السينمائي برويز جاهد معه، وقد صدر بالعربية بترجمة أحمد حيدري.

كتبت الشاعرة الايرانية فروغ فرخزاد عن إبراهیم گلستان قصائد عدّة، منها قصيدة "وردة حمراء"، التي قد تكون القصيدة الحسّية الأكثر جرأة في الشعر الإيراني المعاصر. وهنا نصّ القصيدة ورسالة منها إلى گلستان بترجمة عن الفارسية لمحمد الأمين الكرخي. 


وردة حمراء

فروغ فرخزاد 

وردة حمراء
وردة حمراء
وردة حمراء
هو اقتادني إلى مزرعة الورود الحُمر
في الظلمة علّق على جدائلي المضطربة وردةً حمراء
ثم نام معي على وريقة وردة حمراء.
أيتها الحمائم الكسيحة
أيتها الأشجار اليائسة الساذجة
أيتها النوافذ العمياء
تحت قلبي،
بين حنايا خصري
ثمّة وردة حمراء تنمو
حمراء كبيرق سامق يوم قيامة
آه، حبلى أنا حبلى،
حبلى.


من رسائل فروغ فرخزاد إلى إبراهيم گلستان 

حبيب قلبي وروحي، هذه آخر رسالة أبعثها إليك من روما. غداً سأغادر عبر رحلة جوية، لا يمكنك أن تتخيّل حجم سعادتي وأنا أتّجه إلى مكان كنت تعيش فيه، شعور يُخفّف عنّي الإحساس الثقيل بالغربة.

كان لي شعور مماثل حين كنتُ في شيراز. حينما كنتُ أسير في شوارعها، كان يتملّكني شعور بأنّني أرافق طفولتك وصباك. وحين كنت أشمّ الهواء، كنتُ أشعر أنّني أستنشق أنفاسك الغالية، وكانت عيناي تلاحقان ذكرياتك فوق الأبواب والجدران وتعود راضية.

فديتك، فديت قامتك ووجودك، فديت الشعيرات البيضاء النابتة حول عنقك، فديت بؤبؤَي عينيك الحائرين، فديت حزنك وسرورك.

ما أنت الذي لا يمكنني أن أهدأ دونك؟ يكفيني أثر قدمك على التراب يكفيني ذلك، يكفيني كي أثق بك كي أقف، كي أكون. يكفي أن تناديني فروغ فاولد ثانية وتولد معي العصافير والأشجار... أحبّك، أحبّك، ولا طاقة لقلبي الصغير بكلّ هذا الحب.

نصوص
التحديثات الحية

المساهمون