ذكرى ميلاد: وليد سيف.. الأندلس وفلسطين في الدراما

19 يناير 2022
وليد سيف
+ الخط -

تستعيد هذه الزاوية شخصية ثقافية عربية أو عالمية بمناسبة ذكرى ميلادها، في محاولة لإضاءة جوانب أخرى من شخصيتها أو من عوالمها الإبداعية. يصادف اليوم التاسع عشر من كانون الثاني، ذكرى ميلاد الشاعر وكاتب السيناريو الفلسطيني وليد سيف (1948).


في كتابه "الشاهد والمشهود.. سيرة ومراجعات فكرية" (2016)، يشير وليد سيف الذي تحلّ اليوم الأربعاء ذكرى ميلاده، إلى أنه دخل إلى الكتابة الدرامية التلفازية من باب الأدب منذ اللحظة الأولى، وأنه لم يخامره الشكّ في إمكانية الدمج بين المستوى الأدبي والتقنيات البصرية التلفازية دون أن يقف ذلك عائقاً أمام الجمهور العريض، ما دامت المادة الحكائية جذابة.

ويوضّح الشاعر وكاتب السيناريو وليد سيف (1948) تلك الرحلة التي بدأت منذ تأليفه مسلسل "الخنساء" عام 1978، أنه ليس بالأسلوب اللغوي وحده يقوم الأدب السردي الدرامي، وإنما كذلك في المعالجة الدرامية من حيث البناء السردي العام وتطوّر الأحداث والصراعات الداخلية والخارجية وبناء الشخصيات المركبة وتطورها والحبكات التي تربط أجزاء العمل وتدفع تصاعد وقائعه وتطورها. وإلى جانب هذا كله هناك المحتوى الفكري والرسالة الإنسانية.

ويضيف: "والمتابع لأعمالي الدرامية لا تفوته ملاحظة شخصياتها المركبة ذات الأبعاد المتضاربة وما يستصحب ذلك من تحولات وتقلبات. حتى ليحار المشاهد في تقويمها: هل يحبها أم يكرهها؟ هل يحب بعض ما فيها وينكر غيرها هل يسوغ لها أم يدينها على الجملة؟ ولقد سرّني دائماً أن أرى الناس يختلفون في تقويم تلك الشخصيات، وكلّ منهم يأتي بحجة لها أو عليها. وتلك سمة النص الأدبي والعمل الفني الجاد بعامة، إذ ينفتح على مستويات مختلفة من الفهم والتأويل والتقويم، ويستدرج المتلقي للتفاعل النشط لا الاستقبال السلبي".

ساهم تكوينه الثقافي والمعرفي والنضالي في بلورة ما تابعه المشاهد العربي من أعمال استثنائية على الشاشة

يلفت سيف في كتابه السيَري إلى أنه لم يكن على "موعد مضروب" مع الدراما، ولكنها لم تصبه خبط عشواء إذ كان قبلها اسماً معروفاً في الشعر والأدب والثقافة، بل يمكن القول إن تكوينه الثقافي والمعرفي والنضالي أيضاً ساهم في بلورة ما تابعه المشاهد العربي من أعمال استثنائية على الشاشة مثل "ثلاثية الأندلس" التي لم ير جزؤها الرابع النور بعد، و"التغريبة الفلسطينية" وغيرها من المسلسلات.

ربما لم يحظ مؤلّف مسلسل "صلاح الدين الأيوبي" بانتشار واسع لشعره، لكنه ترك أثراً مختلفاً كما يؤكد دارسوه في ثلاث مجموعات شعرية؛ أولها "قصائد في زمن الفتح" ( 1969) والتي أصدرها وهو ما يزال طالبًا جامعيًا في السنة الثالثة في "الجامعة الأردنية"، و"وشم على ذراع خضرة" (1971)، و"تغريبة بني فلسطين" (1979).

وعلى الصعيد المعرفي، يلمس القارئ لكتاب "الشاهد والمشهود" أن سيف الذي  نال شهادة البكالوريوس في اللغة والأدب العربيين، وحصل على شهادة الدكتوراه في اللغويات من مدرسة الدراسات الشرقية والأفريقية في جامعة لندن عام 1975، يمتلك أفقاً منفتحاً ومراجعات معمّقة لمسائل عديدة بدءاً من قراءته المغايرة للتراث والحداثة، أو تقييمه لواقع الثقافة العربية، أو لتنظيراته المهمة في الأدب والنقد.

ولا يمكن إغفال التجربة السياسية بوصفه أحد المنتسبين لمنظمة التحرير الفلسطينية في ستينيات القرن الماضي، حيث يقدّم في الكتاب ذاته مراجعة تاريخية تستحق الاهتمام لانحيازه إلى اليسار والتزامه الفصائلي وتركه العمل السياسي لاحقاً، إذ يعبّر في كلّ ذلك عن وعي المثقف الذي يحمل عبء التجربة ويمتلك القدرة على التحرّر منها، وإدراك خسارات الماضي/ الآن وموقعه في الحاضر واستشرافه لمستقبل قد يأتي.

كتب سيف العديد من الأعمال الدرامية التي ستحتفظ بها الذاكرة العربية مثل "عروة بن الورد" و"شجرة الدر" و"طرفة بن العبد" و"جبل الصوان" التي أخرجها صلاح أبو هنود، و"المعتمد بن عباد" من إخراج عبد الوهاب الهندي، و"بيوت في مكة" من إخراج علاء الدين كوكش، لكن ستبقى مسلسلاته التي كتبها وحملت توقيع المخرج السوري الراحل حاتم علي هي الأكثر حضوراً وتأثيراً وجمالاً، وهي: "صلاح الدين الأيوبي" (2001)، و"صقر قريش" (2002)، و"ربيع قرطبة" (2003)، و"التغريبة الفلسطينية" (2004)، و"ملوك الطوائف" (2005)، و"عمر" (2012).
 

المساهمون