الثورة الجزائرية... كانت مقاوَمةً ثقافية أيضاً

الثورة الجزائرية... كانت مقاوَمةً ثقافية أيضاً

07 يونيو 2023
المناضل الفرنسي في الثورة الجزائرية فرناند إيفتون في لوحة لمصططفى بوطاجين (1996)
+ الخط -

من خلال خمس جلسات علمية، حاول الباحثون والأكاديميّون المشاركون في الملتقى الدولي حول "المقاومة الثقافية في الجزائر خلال الثورة التحريرية"، الذي أُقيمت أشغاله في "المركز الدولي للمؤتمرات عبد اللطيف رحّال" بالجزائر العاصمة أمس وأوّل أمس، الإضاءة على مظاهر المقاوَمة الثقافية خلال الثورة الجزائرية (1954 - 1962)، والتي شملت مجالات الفكر والأدب والسينما والمسرح والفنون التشكيلية، وامتدّت من الجزائر إلى أقطار عربية وأجنبية.

شارك في الملتقى كتّاب وفنّانون وباحثون من الجزائر وتونس فلسطين ومصر وقطر وإيطاليا ونيجيريا؛ من بينهم التشكيلي الجزائري طاهر ومان، الذي قدّم مداخلةً بعنوان "تجسيد الثورة الجزائرية في أعمال بعض الفنّانين التشكيليّين الجزائريّين والعرب"، قال فيها "إنّه، على مرّ المقاومات والثورات الشعبية التي شهدتها الجزائر منذ بدء الاستعمار الفرنسي عام 1830، أظهر العديد من التشكيليّين الجزائريّين والعرب والأجانب مساندتهم للقضيّة الجزائرية من خلال أعمالهم الفنّية، وهو ما استمرّ بعد قيام الثورة التحريرية عام 1954".

من الأسماء الجزائرية التي يذكرها ومان في هذا السياق: الرسّام والمناضل في الثورة لحسن عبد المالك الذي استشهد سنة 1957ـ ومحمّد دماغ، وامْحمّد إسياخم، ومحمد خدّة، وفارس بوخاتم الذي رسم يوميات المناضلين واللاجئين ومآسي "خطّ موريس" المكهرَب. ومن الأسماء العربية، يذكُر: العراقي محمود صبري ولوحته "ملحمة الجزائر"، والتونسي علي عيسى ولوحتُه "الطفل المفقود"، واللبناني شفيق عبّود، والفلسطيني إسماعيل شموط الذي رسم مجموعة كبيرة من اللوحات عن الثورة الجزائرية، إلى جانب أسماء اجنبية؛ مثل: الإسباني بابلو بيكاسو، والفرنسيّين ناصر عصّار وأندريه ماصون.

من جهته، قدّم الباحث الإيطالي في التاريخ، غاليي نازارينو، مداخلةً بعنوان "جيوفاني بيريللي: التأسيس للتاريخ بين المقاومة الثقافية والمناهضة للاستعمار وتحرير الثقافة من الطرح الاستعماري"، استعرض فيها ملامح من الدعم الإيطالي للثورة الجزائرية، من خلال تجربة الكاتب والناشر الإيطالي جيوفاني بيريللي (1918 - 1973)، الذي ساند كفاح الجزائريّين من أجل التحرُّر.

الصورة
جيوفاني بيريلي
جيوفاني بيريللي

وقال نازارينو إنّ بيريللي هو "أحد أبرز المثقّفين الذين التزموا بمساندة الثورة الجزائرية"، التي قال إنّها لم تشمل الكفاح المسلَّح والعمل الدبلوماسي فحسب، بل "أثمرت قيَماً ثقافية مبهرة"، مُضيفاً أنّ بيريللي "اعتمد على الثقافة كعامل هامّ لنسج جسور ثقافية بين الجزائر وإيطاليا والتعريف بوجهة نظر الجزائريّين وإيصال صوت الثورة إلى العالَم وإبراز قيمها الثقافية والإنسانية".

عمل بيريللي، مثلما يضيف المتحدّث، على دعم الثورة الجزائرية من خلال النضال الثقافي لدار النشر "إينودي" التي أسّسها بهدف دعم حركات التحرُّر في العالم؛ حيث أصدر، بعد لقائه بفرانز فانون عام 1955، كتاباً ضمّ مجموعة من الشهادات لمناضلين جزائريّين، كما أصدر ترجمةً إيطالية لكتاب "المسألة" لهنري علّاق عام 1958، وكتاباً آخر بعنوان "رسائل الثورة الجزائرية" وكتباً أُخرى.

أمّا الكاتب والباحث الجزائري الطيّب ولد العروسي، فخصَّص مداخلته، التي حملت عنوان "رونيه فوتييه: رائد السينما الجزائرية المُعادية للاستعمار الفرنسي"، لتجربة المُخرج الفرنسي (1928 – 2015) في نقل كفاح الجزائريّين ضدّ الاستعمار وتصوير معاناتهم، مُعتبراً أنّ فوتييه، و"منذ أن التزم بنقل صورة الجزائر المكافِحة، تحمَّل رقابة الآلة العسكرية الفرنسية، ليكشف عن مجازرها وهمجيتها، ويُبيّن حجم المعاناة التي عاشها الجزائريّون الذين ثاروا من أجل استرداد أرضهم".

انتبه فوتييه، يُضيف ولد العروسي، إلى أهمّية الصورة ودورها في كتابة التاريخ وتسجيل الأحداث. وهكذا، عمل، عبر أفلامه، على إبراز الدور الحقيقي للإنسان الجزائري، وإيصال الرسالة التي تأسّست عليها الثورة.

الصورة
رونيه فوتييه
رونيه فوتييه

وقال المتحدّث إنّ فوتييه قدّم في كتابه السيَري "كاميرا وطنية"، الصادر عام 1998، "صورةً حقيقية عن ظروف العمل تحت تهديدات المستعمِر الفرنسي، بينما كان مواطنون يصرّون على مقولة 'الجزائر الفرنسية'"، مُضيفاً أنّ الحديث عنه هو مناسبةٌ للحديث عن الفرنسيّين والأوروبيّين الآخرين الذين ناصروا الثورة الجزائرية وواجهوا مضايقات الاستعمار؛ مثل هنري علّاق وفرناند إيفتون وغيرهما.

أمّا الباحث الجزائري في الأدب الشعبي، عبد الحميد بورايو، فتحدّث في مداخلة له، عن "دور رواة القصص الشعبية المحترفين (المدّاحين) في التحريض على الثورة ومقاومة الثقافة الاستعمارية"، معرّفاً "المدّاحين" بأنّهم أشخاص كانوا يرتادون الأماكن العامّة والأسواق الأسبوعية في القرى والمدن؛ حيث يقيمون حلقات يروون فيها قصصاً تستند إلى حوادث تاريخية في شمال أفريقيا، وتجري روايتها عبر إسقاط مضامينها على الصراع القائم بين الجزائريّين والنظام الاستعماري.

وقال بورايو إنّ "المدّاحين"، أو الرواة المحترفين، اتّسعت رقعة نشاطهم في الفترة الاستعمارية، خاصّةً في النصف الأول من القرن العشرين؛ حيث لعبوا دوراً أساسياً في تهيئة الجزائريّين للمقاومة والثورة.

الصورة
المقاومة الثقافية خلال الثورة
المقاومة الثقافية خلال الثورة

من بين الأوراق الأُخرى التي قُدّمت خلال الملتقى: "دور الأناشيد الوطنية في التعبئة الجماهيرية خلال الثورة التحريرية" للصادق بن قادة، و"معركة النشر والكتابة المساندة للجزائر" لمصطفى ماضي، و"السينما الجزائرية ذاكرةٌ متنازع عليها: جدل الضحية" لرامي أبو شهاب، و"دور الثقافة في مقاومة السياسات الكولونيالية" لأحمد عبد الله زايد من مصر، و"تمثيل ثورة التحرير في نماذج من الرواية الجزائرية الحديثة: قراءة ثقافية" لمحمد عبيد الله من الأردن، وصحافيو بيوغوسلافيا وثورة الجزائر" للوسيك غوران من صربيا، و"أدب الرسائل وقضية التعذيب: قراءة في رسائل شارلوت ديلبو" لحياة أم السعد، و"دور التمثّلات الثقافية في الوعي الجمعي الجزائري للمقاومة للخضر عبد الباقي محمد من نيجيريا، و"الصدى الفكري والأدبي والشعري والرياضي للثورة الجزائرية في المنشورات التونسية" لحسن لولب من تونس، و"إسهام المسرح الجزائري في دعم الحركة الوطنية والثورة" لحورية جيلالي، و"الفلاسفة والثورة: بنية الخطاب الفلسفي ودوره في تفكيك بنى الفكر التمركزي للاستعمار" لسليم حيولة.

المساهمون