لماذا يستخف الغرب بالعرب؟
منذ انطلاق معركة طوفان الأقصى، سارع القادة الغربيون إلى التعبير عن تضامنهم مع إسرائيل، بل وتحوّل البعض منهم إلى تبني خطوات عملية في تمويل ردّة فعل إسرائيل تجاه العملية التي أقدمت عليها المقاومة الفلسطينية، وتبرير الجرائم الإسرائيلية في حق الشعب الفلسطيني، بتمييع المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، والتي تشير إلى مبدأ "حق الدفاع عن النفس".
وخصّص بهذه المناسبة الرئيس الأميركي جو بايدن موارد عسكرية ومالية ضخمة إلى جانب تسخير وسائل الإعلام لخدمة تزييف الوقائع في المنطقة، ولا يهمه في هذا أن تخرج مظاهرات في أنحاء أميركا ترفع شعارات مندّدة بالمجازر الإسرائيلية في غزة. وكيف لا يدعم الرئيس الأميركي إسرائيل وهو صاحب مقولة "لو لم تكن هناك إسرائيل لكان على أميركا خلق إسرائيل لحماية مصالحها"؟ مقدماً بذلك على إطلاق رصاصة الرحمة على "عملية السلام" الميتة أصلاً بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
ولا يبدو أنّ إصرار إسرائيل، والأنظمة الغربية معها التي تدعمها، على ضرورة الاستمرار في حربها الإجرامية ضد غزّة وسكانها المدنيين بغية إلحاق الهزيمة بالمقاومة الفلسطينية والقضاء على الحركات والفصائل غاية هذه الدول وحدها، بل قد تكون لبعض الدول العربية، والسلطة الفلسطينية أيضاً، رغبة في ذلك، فبعض هذه الأنظمة تعيش منذ بدء عملية طوفان الأقصى على أعصابها وهي تنتظر بفارغ الصبر اليوم الذي تستيقظ فيه وتجد حركات المقاومة الفلسطينية (وعلى رأسها "حماس")، قد سُحقَت نهائياً.
ولعلّ ما يخيف هذه الأنظمة من انتصار المقاومة الفلسطينية هو مرجعيتها الإسلامية التي تستمد منها قوّتها وشرعيتها، لأنّ في ذلك إشارة إلى أنّ هذه المرجعية، التي سعت الثورات المضادّة للقضاء على التعبيرات السياسية التي تستمد شرعيّتها منها، ما زالت حيّة.
ويؤكد هذا الطرح ما يصدرُ عن بعض المسؤولين الفلسطينيين والعرب من تصريحات، تقتصر على الجانب الإنساني في قطاع غزة، ولا تشير بتاتاً إلى المقاومة الفلسطينية وحقها في مواصلة القتال ضد الاحتلال حتى تحرير أرضها واستعادة حقوقها، ولا تشير نهائياً إلى حركة حماس، وهي الطرف الثاني في المعركة، بل بالعكس لم تخف بعض الدول، على غرار الإمارات، موقفها المناهض للمقاومة، بدءاً من بياناتها التي أدانت عملية طوفان الأقصى، وليس انتهاءً بتصريحات المندوبة الدائمة بالأمم المتحدة لدولة الإمارات لانا نسيبة، التي قالت إنّ "حركة حماس لا تمثل الشعب الفلسطيني، ولا سكان غزة الذين يعانون أشدّ المعاناة"، مشدّدة على ضرورة إطلاق الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة "من دون قيد أو شرط"، بحسب تعبيرها.
بعض الأنظمة العربية تعيش منذ بدء عملية طوفان الأقصى على أعصابها وهي تنتظر بفارغ الصبر اليوم الذي تستيقظ فيه وتجد حركات المقاومة الفلسطينية قد سُحقَت نهائياً
حتى أنّ السلطة الفلسطينية التي يفترض أنّها تمثل الشعب الفلسطيني، لم تستطع أن تتخذ قراراً بوقف التنسيق الأمني مع إسرائيل على الرغم من المجازر المستمرة من قبل إسرائيل في غزّة والضفة الغربية، كما لم تستجب للدعوات التي طالبت باتخاذ خطوات عملية لوقف جرائم الاحتلال، بل ذهبت قوى الأمن التابعة للسلطة أبعد من ذلك، إلى قمع التظاهرات التي خرجت في عدّة مدن فلسطينية تندّد بالعدوان وتؤيّد المقاومة في غزة.
ولعلّ تباين المواقف العربية حول المقاومة الفلسطينية، أحد أسباب استمرار الإبادة الجماعية في حق الشعب الفلسطيني، وسبب آخر في ضعف القرار العربي الذي بدا واضحاً بإعلان قوات الاحتلال إغلاق معبر رفح المصري مع القطاع، مضافاً لذلك عجز الأنظمة العربية عن إرغام الاحتلال على القبول بدخول المساعدات التي هدّد بقصفها إلى قطاع غزة، إلا بعد وساطة من بايدن.
كلّ هذه الأسباب وغيرها، كانت ولا تزال السبب الرئيسي في استخفاف الأنظمة الغربية بدور الأنظمة العربية في التأثير على المصالح الاستراتيجية لإسرائيل في المنطقة، وهو ما يحفزها على تقديم الدعم اللامحدود لإسرائيل لارتكاب المزيد من الجرائم البشعة في حق الفلسطينيين.
وفي جانب آخر، وعلى الرغم من كلّ هذه التطورات الأخيرة في فلسطين، أحيَت المقاومة، مرّة أخرى، عبر عملية "طوفان الأقصى" التلاحم بين مختلف الشعوب العربية والإسلامية، وأعادت القضية الفلسطينية إلى الواجهة، باعتبارها القضية القادرة على توحيد وتعبئة الشعوب العربية من المحيط إلى الخليج.