سمر رمضاني إدلبي (9)

11 مايو 2020
+ الخط -

الأسد وإدلب ودبلوماسية المثانة
ساعدنا الأستاذ كمال، اعتباراً من هذا اليوم، على تحسين وضعية الاتصال باستخدام تطبيق "زوم" (ZOOM) بدلاً من الماسنجر الذي كان أقل دقة، وكثيراً ما كان يخرج أحد الأعضاء دون إرادته، ثم يصعب عليه أن يعود قبل إجراء عدة محاولات.. وقد علق أبو الجود بقوله إننا حتى إذا اجتمعنا عبر الأقمار الصناعية، فلن يستقيم الأمر إلا بالعودة إلى السهرات الرمضانية الأصلية، حيث كنا نتحلق على موائد الإفطار العامرة باللحوم والأرزاز والمكسرات المقلية والعيران والبصل الأخضر الغض، ثم تأتي الحلويات السورية الرائعة بدءاً من الكنافة أم النارين وليس انتهاء بالكرابيج والقطايف والزنكل، وتتوج تلك الموقعة التاريخية بكأس شاي وسيجارة حمراء طويلة، ووقتها إذا تحدث الإنسان أو روى نكتة تراه متألقاً، يشرق ويغرب ويصول ويجول على ذوقه.

ضحك الحاضرون. وقال أبو جهاد: ولاك خليك في بيتك، وخلي أم الجود تعمل لك ريجيم، أحسن ما تنصاب بالكورونا وتتيسر.

أبو محمد: أنا بستغرب شلون بتحسنوا تنظموا السهرة.. بصراحة أنا كلما دخلتوا بسيرة جديدة بقول لحالي: خلص ضعنا، وما عاد نحسن نرجع لسيرتنا الأصلية. على أيش بدنا نحكي هلق؟

قال أبو زاهر: أنا بقلك أيش بدنا نحكي. يا سيدي في أول سهرة رمضانية حاولنا نجاوب عالسؤال اللي طرحه علينا أبو ماهر، عن صحة الإشاعة اللي بتقول أنه حافظ الأسد كان يكره محافظة إدلب أكتر من كل المحافظات السورية.


أبو مرداس: كان علي، أنا الذي أدون وقائع الجلسات وأنشرها في مدونة "إمتاع ومؤانسة"، أن أساعد الحاضرين في العودة إلى المسار الأصلي، فقلت ما معناه إننا حينما طرحنا هذا السؤال سارعتم إلى تقديم وجهات نظر مختلفة، ولعل الفكرة التي عرضها أبو إبراهيم كانت هي الأقرب إلى الصحة، إذ قال إن حافظ الأسد كان (يحب) الشعب السوري حينما يراه خانعاً مستكيناً، و(يكرهه) ويبطش به حينما يجده معارضاً لحكمه وسياسته، ولذلك شهدت سورية في عهده إنشاء عدد كبير من السجون والمعتقلات، منها ما هو معروف اسمه وعنوانه، كصيدنايا والمزة وتدمر وعدرا، ومنها ما يعجز الذباب الأزرق عن الوصول إليه.

وفي ليلة السابع والعشرين من رمضان، كل سنة، كنا نرى حافظ الأسد في القصر الجمهوري وقد أقام وليمة فاخرة للعشرات من رجال الدين الإسلامي، بمذاهبه المتعددة، والدين المسيحي بفروعه، وهؤلاء لا يأتون اعتباطاً بل تنتقيهم الفروع الأمنية المنتشرة في المحافظات بعناية فائقة، من المؤيدين للأسد بحماس، وكان التلفزيون يعرض صور هذا اللقاء على خلفية موسيقية من دون أصوات، والكاميرا دائمة التركيز على الأسد تظهره وكأنه أب حنون لكل فئات الشعب، وبضمنها فئة رجال الدين..

أبو إبراهيم: كان عندنا في هديك الأيام تلات قنوات تلفزيونية، الأرضية الأولى، والأرضية التانية، والفضائية، وكانت هاي القنوات تتآمر علينا، وتجبرنا نتفرج على المسيرة كلها، وبالتفصيل الممل، ولما ينتهي البث المباشر كانوا يعيدوها من طاق طاق للسلام عليكم، وهاي الإعادة مقصودة، منشان اللي فاتته الفرجة يتفرج من جديد على حافظ الأسد وهوي واقف على شرفة وزارة التربية في مدينة دمشق بجوار وزير التربية (ابن بلدنا محمد نجيب السيد أحمد)، وعم يفرفح بإيديه للمساكين من أبناء الشعب السوري اللي بتجبرهم فروع المخابرات على الخروج للشوارع، والسير في مسيرة مليونية كانت تطوف أنحاء المدينة، وبالأخير لازم الكل يمروا من تحت المنصة التي واقف عليها حافظ الأسد وأبو نجيب..

كمال: نعم. وبما إنه المسيرة كبيرة، والممر صغير كان مرور الناس تحت المنصة يستغرق من أربع إلى خمس ساعات متواصلة، والكاميرا عم تركز على حافظ وهوي عم يفرفح بإيديه للمارين من دون ما ياخد استراحة، ولو لدقيقة واحدة، وهالشي كان يدعو الناس للتساؤل عن مقدرة هالبني آدم على حصر البول في مثانته وهو في هالعمر (فوق الستين).

أبو إبراهيم: مو بس خلال مسيرات التأييد.. حافظ كان مشهور بأنه بيعقد اجتماعات طويلة بتوصل لبضع ساعات وما بيشخّ. من وين جاييته هالمقدرة الاستثنائية على تحمل ضغط المثانة، ما حدا بيعرف. وفي روايات بتقول إنه الديبلوماسيين الغربيين لما كانوا يجوا ليعملوا محادثات مع حافظ الأسد كانوا يحسبوا حساب القعدات الطويلة معه، لأنه معظم الديبلوماسيين بتكون أعمارهم كبيرة، وعلى الأغلب مصابين بالتهاب البروستات أو بمرض السكري، فكان الواحد منهم ينحصر وينحقن وما يعرف شلون بده يستأذن ويروح ع الحَمَّام. مثلاً في سنة 1991، اضطر وزير الخارجية الأميركي جيمس بيكر يقعد عشر ساعات مع حافظ من دون استراحة، وأطلق "بيكر" على عملية التفاوض مع الأسد إسِم "دبلوماسية المثانة"!

كمال: خلونا نرجع لحديثا الأصلي، ونحاول نلاقي جواب لسؤال "أبو ماهر" عن كراهية حافظ لإدلب. أنا شخصياً موافق على وجهة نظر "أبو إبراهيم"، وبأكد لكم على إنه حافظ (بشكل عام) كان مستعد يفتك بأي معارض لسياسته ولو بيكون من القرداحة، ومن عائلة الأسد نفسها، وأما إدلب فكان بالفعل يكرهها زيادة عن غيرها، باعتبار إنه زارها في سنة 1971، وخلال الاستقبال الشعبي اللي أقيم على شرفه في ساحة هنانو، كان هوي وجماعته واقفين فوق مبنى المركز الثقافي، شَلَح شخص من الموجودين فردة صرمايته وضربه فيها!

أبو زاهر: كلام الأستاذ كمال صحيح تماماً، وبالمناسبة، الوريث بشار الأسد بيكره إدلب أكتر من كراهية والده إلها بكتير، والدليل الفظاعات اللي ارتكبها بحق شعب إدلب بعد سنة 2011، وبالأصح بعد سنة 2015 لما قرر يبعت عناصر مسلحة من التنظيمات المتطرفة اللي كان يهجّرها من مختلف المحافظات حتى يعيشوا في إدلب، وكان هدفه إنه ترتفع نسبة المتطرفين في المحافظة، ويسيطروا عليها، حتى يصير عنده ذريعة أمام المجتمع الدولي لإبادة المحافظة عن بكرة أبيها. وخلال الإبادة ممكن ينقتل عدد صغير من المسلحين المتطرفين وينقتل معهم عدد كبير من المدنيين العزل، واللي ما بينقتل بيلاقي حاله قريب من تركيا، فبيشمع الخيط وبيهرب. يعني أكتر من هيك حقارة وكراهية مستحيل تلاقي. أي نعم.

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...