02 سبتمبر 2024
سمر رمضاني إدلبي (3)
إسرائيل في قرية فريكة
قال كمال إن ما طرحه أبو الجود في لقاء "الإمتاع والمؤانسة" السابق جميل جداً، فأبو الجود، دون أن يدري، حكى عن قيام بعض الناس بأعمال تبدو مهمة ولكنها في المحصلة مجانية وعبثية ومضحكة.
مثلاً، أم الجود لم تُرغم زوجها أبا الجود على خسارة ثماني كيلوغرامات من وزنه لكي يصبح رشيقاً وأنيقاً و(سامباثيك)، لأنها في المحصلة لم تستفد من تلك العملية شيئاً، لأنه، كما أعلمنا سابقاً، بمجرد ما فُرض علينا الحظر المنزلي، قَرَّب الصوفاية التي ينام عليها من الباب الخارجي، لكي يتحاشى اللقاء بها، وصار كلما التقاها في الممر يعطس في وجهها ويسعل ويقول لها: ديري بالك لا تقربي علي. ترى حرارتي مرتفعة وعم إسعل، الله أعلم أنا مكورن، وهي من دون أن يفعل ذلك لا تقترب منه، فلو اقتربت وأراد هو أن يهرب منها بضعة أمتار أخرى، لأصبح في الشارع الذي يسميه الأتراك (SOKAK)، وإذا نام في الزقاق فقد يقبض عليه رجال البوليس أو الجندرمة لكونه مخالفاً لنظام منع التجول المفروض على المسنين بسبب كورونا.
قال أبو محمد: كنا عم نحكي عن محافظة إدلب. أنا شايف إنكم عم تحكوا لنا عن اسطنبول.
قال كمال: أبشر عمي أبو محمد، أصلاً نحنا إذا كنا عم نحكي عن ثقب الأوزون بتلاقينا بعد شوي عم نحكي عن إدلب. وأنا راح إبدا، بعد إذنكم، بقصة عن واحد من بلدنا إسمه خميس الأفكح.. هادا الرجل كان عنده أرض مشجرة مساحتها زغيرة، يعني فيها شي أربعين شجرة زيتون، وشوية شجر تين وكم دالية عنب. مرة من المرات فلح خميس الأفكح الأرض، وبعد الفلاحة خطر له إنه يشيل قطع الحجار المنتشرة بين خطوط الفلاحة. بقي يشتغل بجمع الحجار شي شهر، ويكومها في طرف الأرض، لحتى انتهى من العملية نهائياً، وصار عنده تل من الحجار ارتفاعه أكتر من متر ونص. ومن شدة فرحه على إنجاز هالعملية عمل أبريق شاي وقعد صار يشرب، وشعل سيجارة وصار يدخن ويطلّع الدخان من مناخيره.. وفجأة أجا لعنده جاره أبو اسماعيل. استقبله بحفاوة، وصب له كاسة شاي، وضيفه سيجارة..
قال أبو اسماعيل:
- الله يعطيك العافية يا جاري خميس، أكيد جمع هالحجار أخد منك وقت كتير وخلاك تتعب. بس بتعرف؟ بظن إنه اللي عملته غلط. وممكن يئذي التربة. الحجار كانوا ماسكينها، ومقوينها.. هلق إذا صار مطر وسيول وجرت المي بين خطوط الفلاحة راح تنجرف التربة وتصير رقيقة، وممكن الشروش تبع الشجر تصير فوق الأرض، وإذا صار هوا قلوع (قوي) بيوقع الشجر ع الأرض!
خميس الأفكح لما سمع هالحكي طق عقله، وبعدما راح أبو إسماعيل بلش بشغل استمر فيه شهر، وهوي إعادة الحجار اللي جمعها من بين خطوط الفلاحة لمكانها!
قلت: أنا بعتقد إنه خميس الأفكح اشتغل هالشهرين وهوي مبسوط. السبب إنه هوي لما جمع الحجار كان متأمل بإنه وَضْع الأرض عم يتحسن، ولما اشتغل بإعادة الحجار مكانها كان محكوم بنفس الأمل.. الأسوأ من هيك برأيي إنه الواحد يقوم بعمل محاني وعبثي، لكن غصباً عنه.
قال أبو محمد: عطينا مثال حتى نفهم.
قلت: حاضر. يا سيدي لما كان جميل الأسد يشتغل في التهريب بين حلب واللادقية، كانت عنده قافلة سيارات عددها ستة، وكلها من ماركة مرسيدس "شبح"، لون نوافذ السيارات كلها فيميه أسود، وكانت هاي السيارات تجي من اللادقية ع الطريق القديم اللي بيسموه الشوفيرية طريق القساطل الصبح، وترجع بعد العصر، وما كان في حدا بيعرف أيش في جوات السيارات، يا ترى برادات؟ غسالات؟ مواد غذائية؟ حشيش؟ دخان أجنبي؟ سلاح؟ أدوية؟ بوقتها كل هاي الشغلات كانت مفقودة من الأسواق، وتنباع بأسعار ممتازة. بس نحن مو هون قصتنا.
القصة إني العناصر اللي كانوا يركبوا بهاي السيارات الناس يسموهم "الشبيحة"، وهدول كانوا أشخاص عدوانيين، إذا زمروا لسيارة ماشية قدامهم، وسائقها ما عطاهم طريق فوراً، بيوقفوه، وبيفتحوا الشبابيك وبيطلقوا نار من البواريد الروسية في الهوا، لوقت ما السائق يخاف ويخريط، وبوقتها بينزلوا، وبيضربوه حتى يوقع في الأرض، ويتابعوا طريقهم.. وإذا أجا قدامهم حمار عم يقطع الطريق كانوا يطلقوا عليه النار، ويقتلوه، ويتابعوا الطريق.
قال أبو جهاد: الله يلعنهم ويلعن سيرتهم. ناس ما بيخافوا الله.
قلت: وفي مرة من المرات كانوا على ما يبدو نعسانين، أو عم يعانوا من الملل، ومروا بقرية "فريكة"، وشافوا، بالصدفة، شابّ واقف جنب حائط قصير مؤلف من قطع حجارة مصفوفة فوق بعضها دون اسمنت (اسمه: السكر). وقفوا السيارات ونزلوا. قرب واحد شبيح من الشاب وقال له: هات هويتك؟
في هديكه الأيام كان مستحيل تلاقي واحد من أهل القرى شايل هويته، لأنها ما بتلزم له أبداً. وكان ممكن تلاقي شاب مضيع هويته وهوي عمره 16 سنة، وفي 18 لما بينطلب ع العسكرية بيتذكر إنها ضايعة، وبيضطر يروح على النفوس ويستخرج هوية "بدل ضايع". وإذا كان معفي من العسكرية احتمال ما تنطلب منه الهوية لوقت تثبيت زواجه في المحكمة. المهم، الشاب قال للشبيحة:
- والله هويتي في البيت.
قال الشبيح: إنته شو إسمك يا حقير؟
قال الشاب: اسمي فلان الفلاني.
قال الشبيح: عرفتك. وعرفت أهلك. (طبعاً يكذب لأجل إخافة الشاب) نحن هلق رايحين ع حلب، بالرجعة بدنا نلاقيك واقف هون وهويتك بإيدك، وإن ما لقيناك موجود احسب الله ما خلقك.
وتدخل شبيح تاني وقال له:
- ما بيصير يا إبني يا فلان، إنته مواطن سوري، ورئيسك هوي القائد التاريخي حافظ الأسد، لازم تكون نظامي، فإذا بتستهتر بالقوانين والأنظمة لا تستبعد إسرائيل تحتل سورية كلها وتوصل لهون لقرية فريكة، وهدول الإسرائيليين ما بيرحموا الناس، ممكن يعتدوا على عرضك. بترضاها ولا كر؟
قال الشاب: لا أبداً ما برضاها.
بعدما راحوا الشبيحة وقع الشاب المسكين في حيص بيص، وصار يفكر، ويشاور أهله وأصدقاؤه، وبالأخير غلب عليه الخوف. جاب هويته وقعد بنفس المكان. ولما رجعوا الشبيحة من حلب وقفوا وقال له واحد منهم:
- شوف ولا كر، هادا السكر محله هون غلط. بكرة الصبح بدنا نجي ونلاقيك ناقله كله للطرف التاني.
ورفع الروسية وأطلق مخزن كامل في الهوا، وانطلقت القافلة تبعهم بسرعة البرق!
مثلاً، أم الجود لم تُرغم زوجها أبا الجود على خسارة ثماني كيلوغرامات من وزنه لكي يصبح رشيقاً وأنيقاً و(سامباثيك)، لأنها في المحصلة لم تستفد من تلك العملية شيئاً، لأنه، كما أعلمنا سابقاً، بمجرد ما فُرض علينا الحظر المنزلي، قَرَّب الصوفاية التي ينام عليها من الباب الخارجي، لكي يتحاشى اللقاء بها، وصار كلما التقاها في الممر يعطس في وجهها ويسعل ويقول لها: ديري بالك لا تقربي علي. ترى حرارتي مرتفعة وعم إسعل، الله أعلم أنا مكورن، وهي من دون أن يفعل ذلك لا تقترب منه، فلو اقتربت وأراد هو أن يهرب منها بضعة أمتار أخرى، لأصبح في الشارع الذي يسميه الأتراك (SOKAK)، وإذا نام في الزقاق فقد يقبض عليه رجال البوليس أو الجندرمة لكونه مخالفاً لنظام منع التجول المفروض على المسنين بسبب كورونا.
قال أبو محمد: كنا عم نحكي عن محافظة إدلب. أنا شايف إنكم عم تحكوا لنا عن اسطنبول.
قال كمال: أبشر عمي أبو محمد، أصلاً نحنا إذا كنا عم نحكي عن ثقب الأوزون بتلاقينا بعد شوي عم نحكي عن إدلب. وأنا راح إبدا، بعد إذنكم، بقصة عن واحد من بلدنا إسمه خميس الأفكح.. هادا الرجل كان عنده أرض مشجرة مساحتها زغيرة، يعني فيها شي أربعين شجرة زيتون، وشوية شجر تين وكم دالية عنب. مرة من المرات فلح خميس الأفكح الأرض، وبعد الفلاحة خطر له إنه يشيل قطع الحجار المنتشرة بين خطوط الفلاحة. بقي يشتغل بجمع الحجار شي شهر، ويكومها في طرف الأرض، لحتى انتهى من العملية نهائياً، وصار عنده تل من الحجار ارتفاعه أكتر من متر ونص. ومن شدة فرحه على إنجاز هالعملية عمل أبريق شاي وقعد صار يشرب، وشعل سيجارة وصار يدخن ويطلّع الدخان من مناخيره.. وفجأة أجا لعنده جاره أبو اسماعيل. استقبله بحفاوة، وصب له كاسة شاي، وضيفه سيجارة..
قال أبو اسماعيل:
- الله يعطيك العافية يا جاري خميس، أكيد جمع هالحجار أخد منك وقت كتير وخلاك تتعب. بس بتعرف؟ بظن إنه اللي عملته غلط. وممكن يئذي التربة. الحجار كانوا ماسكينها، ومقوينها.. هلق إذا صار مطر وسيول وجرت المي بين خطوط الفلاحة راح تنجرف التربة وتصير رقيقة، وممكن الشروش تبع الشجر تصير فوق الأرض، وإذا صار هوا قلوع (قوي) بيوقع الشجر ع الأرض!
خميس الأفكح لما سمع هالحكي طق عقله، وبعدما راح أبو إسماعيل بلش بشغل استمر فيه شهر، وهوي إعادة الحجار اللي جمعها من بين خطوط الفلاحة لمكانها!
قلت: أنا بعتقد إنه خميس الأفكح اشتغل هالشهرين وهوي مبسوط. السبب إنه هوي لما جمع الحجار كان متأمل بإنه وَضْع الأرض عم يتحسن، ولما اشتغل بإعادة الحجار مكانها كان محكوم بنفس الأمل.. الأسوأ من هيك برأيي إنه الواحد يقوم بعمل محاني وعبثي، لكن غصباً عنه.
قال أبو محمد: عطينا مثال حتى نفهم.
قلت: حاضر. يا سيدي لما كان جميل الأسد يشتغل في التهريب بين حلب واللادقية، كانت عنده قافلة سيارات عددها ستة، وكلها من ماركة مرسيدس "شبح"، لون نوافذ السيارات كلها فيميه أسود، وكانت هاي السيارات تجي من اللادقية ع الطريق القديم اللي بيسموه الشوفيرية طريق القساطل الصبح، وترجع بعد العصر، وما كان في حدا بيعرف أيش في جوات السيارات، يا ترى برادات؟ غسالات؟ مواد غذائية؟ حشيش؟ دخان أجنبي؟ سلاح؟ أدوية؟ بوقتها كل هاي الشغلات كانت مفقودة من الأسواق، وتنباع بأسعار ممتازة. بس نحن مو هون قصتنا.
القصة إني العناصر اللي كانوا يركبوا بهاي السيارات الناس يسموهم "الشبيحة"، وهدول كانوا أشخاص عدوانيين، إذا زمروا لسيارة ماشية قدامهم، وسائقها ما عطاهم طريق فوراً، بيوقفوه، وبيفتحوا الشبابيك وبيطلقوا نار من البواريد الروسية في الهوا، لوقت ما السائق يخاف ويخريط، وبوقتها بينزلوا، وبيضربوه حتى يوقع في الأرض، ويتابعوا طريقهم.. وإذا أجا قدامهم حمار عم يقطع الطريق كانوا يطلقوا عليه النار، ويقتلوه، ويتابعوا الطريق.
قال أبو جهاد: الله يلعنهم ويلعن سيرتهم. ناس ما بيخافوا الله.
قلت: وفي مرة من المرات كانوا على ما يبدو نعسانين، أو عم يعانوا من الملل، ومروا بقرية "فريكة"، وشافوا، بالصدفة، شابّ واقف جنب حائط قصير مؤلف من قطع حجارة مصفوفة فوق بعضها دون اسمنت (اسمه: السكر). وقفوا السيارات ونزلوا. قرب واحد شبيح من الشاب وقال له: هات هويتك؟
في هديكه الأيام كان مستحيل تلاقي واحد من أهل القرى شايل هويته، لأنها ما بتلزم له أبداً. وكان ممكن تلاقي شاب مضيع هويته وهوي عمره 16 سنة، وفي 18 لما بينطلب ع العسكرية بيتذكر إنها ضايعة، وبيضطر يروح على النفوس ويستخرج هوية "بدل ضايع". وإذا كان معفي من العسكرية احتمال ما تنطلب منه الهوية لوقت تثبيت زواجه في المحكمة. المهم، الشاب قال للشبيحة:
- والله هويتي في البيت.
قال الشبيح: إنته شو إسمك يا حقير؟
قال الشاب: اسمي فلان الفلاني.
قال الشبيح: عرفتك. وعرفت أهلك. (طبعاً يكذب لأجل إخافة الشاب) نحن هلق رايحين ع حلب، بالرجعة بدنا نلاقيك واقف هون وهويتك بإيدك، وإن ما لقيناك موجود احسب الله ما خلقك.
وتدخل شبيح تاني وقال له:
- ما بيصير يا إبني يا فلان، إنته مواطن سوري، ورئيسك هوي القائد التاريخي حافظ الأسد، لازم تكون نظامي، فإذا بتستهتر بالقوانين والأنظمة لا تستبعد إسرائيل تحتل سورية كلها وتوصل لهون لقرية فريكة، وهدول الإسرائيليين ما بيرحموا الناس، ممكن يعتدوا على عرضك. بترضاها ولا كر؟
قال الشاب: لا أبداً ما برضاها.
بعدما راحوا الشبيحة وقع الشاب المسكين في حيص بيص، وصار يفكر، ويشاور أهله وأصدقاؤه، وبالأخير غلب عليه الخوف. جاب هويته وقعد بنفس المكان. ولما رجعوا الشبيحة من حلب وقفوا وقال له واحد منهم:
- شوف ولا كر، هادا السكر محله هون غلط. بكرة الصبح بدنا نجي ونلاقيك ناقله كله للطرف التاني.
ورفع الروسية وأطلق مخزن كامل في الهوا، وانطلقت القافلة تبعهم بسرعة البرق!