ثمة توظيف أمني ثقيل الوطأة، تتم صناعته باستمرار، لمقايضة الثورة بالاستقرار، كما لو أن الثورة فعل ضار يجب تجنبه. وتوظيفٌ كهذا لا يعني سوى تأجيل الصدام بين قوى الثورة وأي إرادة قمعية للتحكّم بالشعب المصري ومحاولة إعادته إلى بيت الطاعة.
المأزق العالمي للإرهاب، والذي سرّعت من مفاعيله ثورة المعلوماتية والاتصال، ربما كان حافزاً لنظر كثيرين من عقلاء العالم، للوصول إلى قناعةٍ جادةٍ بنهاية دورة النظام العالمي لمبدأ القوة المادية الذي ظلت تنتهجه القوى الكبرى معياراً للمصلحة والصراع.
الجديد في فتوى الشيخ السعودي صالح المغامسي بـ"إباحة الموسيقى"، أنها تصدر من شيخ يعتبر جزءاً من المنظومة السلفية المهيمنة على خطاب الفقه وعلى المجتمع في السعودية، ما يشير إلى أن هيمنة التشدّد السلفي في السعودية تتعرض لاختراق من داخلها.
ظلّ الإسلام السياسي، في جوهره، هوية أيدولوجيةً جديدةً ومفارقةً لفهم الإسلام ضمن سويةٍ معرفيةٍ مقاصديةٍ، تتفهم شروط العالم الحديث، ونظم إدراكه والبنيات المؤسسة للانتظام الموضوعي في الحياة المعاصرة.
إن السياق المعرفي الخاص لاستبطان معرفة الآخر في الغرب وإعادة إنتاجها هو المهمّة التي لم يقم بها أحد لدينا، مؤسسياً، حتى اليوم، ولن يتبرّع بها أي أحد لنا، كائناً من كان، لأسباب تتصل، تحديداً، بشروط المعرفة الإنسانية وقوانينها.
يسعى مؤسسو "مكتبة توتيل العربية" - المكتبة ودار النشر العربية في اسطنبول التي أعلنت قبل أيام عن باكورة منشوراتها- إلى تقليص الفجوة بين مناطق العالم العربي، حيث لا يعكس النشر في "بلدان الهامش" زخم الكتابة فيها.
حين يضغط الفضاء الافتراضي، بسيولة لامتناهية، يتشكّل وعي مشوش لدى الفرد الذي يلاحق معلومات البث المتجدّد من الأحداث والأخبار. وفي مناخ مشحون ومتوتّر كهذا، يمكن لكل "ناشط" بسيط يُراد تعويمه، أو يتولّى هو تعويم نفسه، أن يكون مناضلاً فضائياً.
هكذا، يمكن لمقطع شعري أو مقولة ما أن تلخّص نموذجاً تعريفياً يجعل ممن يلهج به في محافل التسطيح الثقافي "مثقفاً"، أما من ينتجه فيكون، نتيجة التمثل المستمر لذلك المقطع في بيئة حكائية ترجيعية في الذائقة العامة للناس رمزاً وأيقونة.
إن عقيدة وستفاليا أصبحت اليوم بفعل ثورة المعلوماتية والاتصال وظاهرة العولمة أكثر هشاشةً حيال فاعلية القانون الدولي الذي هو أضعف حلقاتها، والذي طالما ظل عاجزاً عن تفعيل مجال ضغط أخلاقي للقوة المعنوية، تنتصر للحق والعدل الإنِسانيَين.
سيظل التوتر قائماً بين الهويتين، وسيستثمر المتطرّفون أقصى تناقضاتهما التي ستهز الاستقرار؛ ما يعني أن ضرورة البحث عن منهجية فكرية لاستقطاب التناقضات ضمن بنية معرفية، تفضي إلى تسكين الهوية الدينية في الهوية الوطنية، هو الحل الذي لا بديل عنه.