يناصر الصهيونية ويقود "العمّال" البريطاني

24 ابريل 2020

كير ستارمر: أؤيد الصهيونية بلا حدود (2/2/2020/Getty)

+ الخط -
أحداث كبرى جرت وتجري في العالم تحت غبار معركة البشرية مع فيروس كوفيد - 19. بعضها، على أهميته، يمرّ في غفلة من الناس المحشورين في محاجرهم. أحد الأحداث المهمة التي وقعت مطلع شهر إبريل/ مارس الجاري انتخاب زعيم جديد لحزب العمال البريطاني، هو المحامي كير ستارمر، النائب البرلماني عن دائرة "هولبورن وسانت بانكرس" شمال غرب لندن. شغل منصب وزير شؤون "بريكست" في حكومة الظل السابقة، ويُحسب على كتلة الوسط في حزب العمال. يعارض بشدة مقاطعة إسرائيل، ويتبنّى التعريف الجديد الكامل لمعاداة السامية، ويؤيد المطالبات بتغيير النظام الداخلي للحزب للسماح بالطرد التلقائي للأعضاء الذين يتبين أنهم معادون للسامية. وفور فوزه بزعامة الحزب، بادر إلى تقديم اعتذار رسمي للجاليات اليهودية التي "تأذّت من سلوكيات معادية للسامية داخل الحزب"، متعهداً بالقضاء على هذه الظاهرة التي وصفها بأنها "مثل السم". كما تعهد، خلال الحملة الانتخابية، بتبنّي جميع مطالب تجمع النواب اليهود في بريطانيا، والذي يقدّم نفسه أنه الممثل الوحيد للجاليات اليهودية في البلاد، ومن هذه المطالب السماح بتحقيقات مستقلة في تهم "معاداة السامية والطرد المباشر لكل من يشتبه في أنه معاد للسامية". ولا يخفي الرجل مواقفه من دعم إسرائيل، وقد قال خلال حملته للفوز بزعامة الحزب "إنني أؤيد الصهيونية بدون حدود". وفي مقابل ذلك، يرفض الرجل إبداء أي موقف صريح تجاه حقوق الشعب الفلسطيني، بل رفض تسلم عريضة من ممثلي "حملة التضامن مع الشعب الفلسطيني"، تتضمن التأكيد على حق العودة، ورفض خطة الحكومة البريطانية بسنّ تشريعٍ يجرم مقاطعة الاحتلال.
وبالنظر الى مواقفه هذه، حاز ستارمر على ثقة اللوبي الصهيوني البريطاني، إذ تصدّر رجل الأعمال، تريفور تشين، مجموعة أثرياء مؤيدين لإسرائيل لجمع آلاف الدولارات لتمكين ستارمر من الظفر بقيادة حزب العمال البريطاني التي جرت مطلع إبريل/ نيسان الجاري. ويلعب تشين دورًا قياديًا داخل جماعات الضغط الإسرائيلية، وكان أبرز الداعمين والمتبرّعين لحزب العمل خلال سنوات توني بلير، لكنه أنهى علاقته بحزب العمال بعد فوز جيرمي كوربين بقيادة الحزب. وهو يعد، مع جيرالد رونسون وسيرل ستين، أهم الشخصيات في حلقة الأثرياء البريطانيين الصهاينة الذين موَّلوا المنظمات المناصرة لإسرائيل منذ ثمانينات القرن الماضي، ويُطلق عليهم "الآباء الـمُمَوِّلُون". وقد تعزّزت علاقتهم بحزب العمال في عهد توني بلير الذي تعهد للمنظمات الصهيونية بإعادة صياغة توجُّهات ما سماه آنذاك "حزب العمال الجديد" في مقابل حصوله على تمويل يمنحه استقلالية مالية تحرّره من هيمنة النقابات المهنية وضغوطها. وعندما تولَّى منصب رئاسة الحكومة في عام 1997، بفعل التمويل الصهيوني، أو بفعل قوة تيار "الطريق الثالث" داخل حزب العمال، قضى بلير على مناهضي إسرائيل داخل الحزب، مقابل فتح الأبواب للقوى المؤيدة لإسرائيل داخل "حزب العمال الجديد".
وخلال السنوات الأربع الماضية، تجند تيار توني بلير، بالتحالف مع اللوبي البريطاني المؤيد لإسرائيل، لإطاحة الزعيم العمالي اليساري، جيرمي كوربين، الذي فاز بزعامة الحزب في 2016. وازداد ضغط اللوبي الصهيوني على قيادة حزب العمال منذ سبتمبر/ أيلول من العام 2014، عندما تجرّأ الحزب على التنديد بجرائم إسرائيل في الأراضي المحتلة، والتصويت لصالح الاعتراف بالدولة الفلسطينية. واكتملت دائرة الضغط على كوربين وتياره داخل الحزب بحملات تحريضٍ فجرها حزب المحافظين وإعلامه اليميني ضد القيادات اليسارية المؤيدة لكوربين وخطه السياسي، أبشعها اتهامه بمعاداة السامية ودعم منظمات وشخصيات إرهابية، لا لشيء إلا بسبب مواقفه الشجاعة المناهضة للاحتلال الإسرائيلي، والمؤيدة للحقوق الفلسطينية المشروعة.
على غفلة من العالم المهووس بجائحة كورونا، تخلص اللوبي الصهيوني المؤيد لإسرائيل من جيرمي كوربين. وعلى الضفة المقابلة من الأطلسي، نجحت ضغوط كثيفة، مما هو صهيوني بكل تأكيد، على دفع المرشح الديمقراطي، السيناتور بيرني ساندرز، للخروج من سباق الرئاسة في الولايات المتحدة الأميركية.
AE03ED80-FBD8-4FF6-84BD-F58B9F6BBC73
نواف التميمي
أستاذ مساعد في برنامج الصحافة بمعهد الدوحة للدراسات العليا منذ العام 2017. حاصل على درجة الدكتوراه من جامعة غرب لندن في المملكة المتحدة. له ما يزيد عن 25 سنة من الخبرة المهنية والأكاديمية. يعمل حالياً على دراسات تتعلق بالإعلام وعلاقته بالمجال العام والمشاركة السياسية، وكذلك الأساليب والأدوات الجديدة في توجيه الرأي العام وهندسة الجمهور.