مر بجانبي، بحلة المجاذيب وكساء الصعاليك ولحية كثيفة منثورة في الوجه بعشوائية الظلام في ليل مدن العالم الثالث، لوهلة ظننته تبة تمشي بين الناس إذ يكسوه الغبار وكأن المطر لم يعرف إلى قفره سبيلاً، كان يهذي بكلمات، تفهمها إن أفردتها، وتعجزك عن الإدراك حين تجملها، نظر في وجهي ثم قهقه بصوت سمعته أمعاء الأسماك أسفل كوبري قصر النيل، تركته يمضي وتوقفت.
كنا نتقدم بخطى ثابتة صوب ميدان التحرير وقوات الأمن تتراجع، أوقفت المشهد وتراجعت أنا للوراء قليلاً، ثم جريت مسرعاً ووثبت بكل ما أملك من آمال وطموحات فوق دخان الغاز المسيل للدموع، رأيت أسفل مني الشباب يتقدمون، يدخلون الميدان، يقفون قليلاً، تدخل أحصنة وبعيرا، جثث الرفاق تتساقط، ينتصر الشباب، يقفون ثانية، يملون، يسيرون صوب القصر الجمهوري.
عمر سليمان يلقي خطاب التنحي، الشباب يحتفلون، العسكر يعظمون شهداء ثورة يناير، هييييييييييه، ثم صرخة قوية، لقد هبط مندفعاً برأسي فوق أنف المشير طنطاوي، دخلت في إغماءة، تنتابني حمى شديدة، رأيتني طريح الفراش في مسكني الجديد بالمقابر، مجذوب آخر مجهول الهوية يضاف إلى قائمة مجاذيب القرية، لم يزل الجرح غائراً، يبدو أنني قد اعتدت الحمى.
تابعت الوثب فوق سماء قصر النيل، ها هم الثوار يسيرون لماسبيرو، جثامينهم بين الأسفلت ومجنزرات العسكر، مات مينا دانيال، يصطحب جسدي معه نحو السماء، الثوار يلجأون إلى محمد محمود، يحتضنون ما تبقى من الحلم، الدخان كثيف، لم أعد أرى شيئاً..
العيون تصعد إلى السماء، ألقاها في الطريق، أنظر فيها فتريني جسد الشيخ عماد عفت ملقى في شارع القصر العيني، حبيبتك التي نزلت من أجلها ميادين النضال اليوم تتزوج غيرك، يعود الشباب منازلهم.
الإخوان يحصدون المقاعد، ربما تحمل لنا الأيام خيراً، مهزلة، أحدهم يؤذن في البرلمان والآخر يعنفه، خلاف شديد في البرلمان بين وجوبية الآذان في الموقر وبين كفايته في مسجد قريب.
أبو الفتوح يترشح للرئاسة، يعاودنا الأمل من جديد، شفيق يخوض جولة الإعادة ضد مرسي، مرسي يفوز، هيييييييه، اللعنة، التصفيق في وضعية الطيران يودي بك حتماً إلى السقوط.
صرخة قوية، أي حظ تعيس ذاك؟!، تفاديت السقوط على خازوق، فوقعت على آخر، لكن الصرخة لم تكن لهذا السبب، حبيبتك ماتت، ماتت؟، نعم ماتت!، يا وجعي، يا موتي، ألم تكن تكفيك أنفاسها حتى وإن كانت على فراش غريب، ماذا تبقى لديك الآن؟، حتى الأنفاس منك قد سلبت، صبرني يا الله..
ولكن، مادام القدر قد حرمك من الأنس بها حال حياتها، فلتنتزع منها الحضور في قبرها، ذاك مسكنك، منذ الآن، هنا وطنك، لا تغادر إلا مع محبوبتك حين تعاودها الأنفاس، المجاذيب هم طهر تلك الأرض، ولا مكان في الأرض للأطهار، إما أن تموت أو تستعيد عقلك وتشاركهم الدنس، بلا ذنب يرجمك أطفال القرية بالحجارة، يظنون أنهم يلعبون، ليس في القرية رجل رشيد يخبرهم أنهم يقتلون رجلاً يعكف بجوار قبر محبوبته، صحيح أنه لا أحد يعرف سرك ولكنهم، في النهاية، يعرفون أنك رجلٌ لم تؤذ أحداً.
أدمت الحجارة كل جسدك.. سيدة طيبة تطببك، هل هناك أجمل من أن تداوي جراحك يد والدة المحبوبة؟، كيف سيكون رد فعلها لو عرفت من أنت وماذا تفعل هنا؟، تأتيك حبيبتك في المنام، تضع يدها على جراحك فتفيق، تقوم متئكاً عليها، تحممك بدموعها، ثم تهمس في أذنيك: أحبك وأحب فيك النضال فواصل، تجري مسرعاً نحو ميدان التحرير وتهتف بأنفاس متسارعة يسقط يسقط حكم المرشد، يبدو أن حجراً أعاد عقلك إلى رأسك، توقع على بيان تمرد، السيسي يطيح بمرسي، تعطيك حبيبتك ظهرها ثم تعرج نحو السماء، تدرك أنك أخطأت الطريق..
الإخوان في السجون، يخيم الصمت داخل جنبات الاتحادية، نعم، عدلي منصور رئيساً، تسلم الأيادي، الموت يضرب القلوب، يطيح برؤوس الناس في رابعة، الدم في كل مكان، لم تكن أسماء إرهابية، هذا الوجه الأروع من سحابات الصيف لا يأتي إلا بالخير، في نهاية ممر الموت سجن، من نجا من الموت يسجن، من لم يرتد بياض الكفن، سيرتدي بياض ثوب الحبس الاحتياطي المؤبد، دستور جديد، وبشرة خير، وصفوف الزيارات أمام السجون لا نهاية لها، بل إنها تصل ما بين السجون والقبور..
"قوم نادي على الصعيدي" وقل له السيسي سوف يترشح، لا، لن يترشح، لا، سوف يترشح، السيسي رئيساً، عجوز شمطاء خارجة لتوها من كوافير الدار الآخرة ترقص أمام لجنة انتخابية، تحيا مصر، تحيا مصر، تحيا مصر وخدت الخمسة مليار يا باسيييييم، انتهى الحلم، تسلم الأيادي مرة أخرى.
السيسي يفتتح القنال الجديدة على الرغم من أنف المجلس الأعلى لقيادة العالم، المليارات تتسارع نحو الخزانة العامة، صحيح، مادمت أدفع أربعمائة جنيه شهرياً في فاتورة الكهرباء فلابد أن تحصد الخزانة العامة المليارات، أحمد دومة وعلاء وماهر ورفاقهم في السجون وأحمد مرتضى منصور في البرلمان إلى جوار عبد الرحيم علي، وخلفهم كل أعضاء الحزب الوطني الذين لم ينالوا استحسان أحمد عز ومن قبله كمال الشاذلي وفشلوا في دخول المجلس الموقر، ها هم الآن بعد ثورة يناير وابنتها بالتبني، غصباً واقتداراً، 30 يونيو يتوجون بالحصانة..
توفيق عكاشة يحذر من نيزك يضرب عين الصيرة فيقطع المياه عن عموم أهل الكوكب، وأحمد موسى يشيد بانتصار السيسي على جيوش المورتلر كومبات في موقعة زنانيري، وريهام سعيد تخرج الجن من أجساد القنافد في غابات المزاريطة، وحبيبتك لم تعد تأتيك حتى في المنام، آثام كبيرة اقترفتها أودت بك إلى بئر اللاشعور وانتزاع الضوء من العين والروح من الجسد والعشق من الفؤاد..
انسلخ منك كل شيء، حتى السخط، تنتهي الوثبة، وأفيق من الحمى، وأعاود السير على كوبري قصر النيل بحلة المجاذيب وكساء الصعاليك ولحية كثيفة منثورة في الوجه بعشوائية الظلام في ليل مدن العالم الثالث، مثل تبة تمشي بين الناس إذ يكسوني الغبار وكأن المطر لم يعرف إلى قفري سبيلاً، أهذي بكلمات، تفهمها إن أفردتها، وتعجزك عن الإدراك حين تجملها، أنظر في الوجوه ثم أقهقه بصوت تسمعه أمعاء الأسماك أسفل كوبري قصر النيل.
(مصر)
كنا نتقدم بخطى ثابتة صوب ميدان التحرير وقوات الأمن تتراجع، أوقفت المشهد وتراجعت أنا للوراء قليلاً، ثم جريت مسرعاً ووثبت بكل ما أملك من آمال وطموحات فوق دخان الغاز المسيل للدموع، رأيت أسفل مني الشباب يتقدمون، يدخلون الميدان، يقفون قليلاً، تدخل أحصنة وبعيرا، جثث الرفاق تتساقط، ينتصر الشباب، يقفون ثانية، يملون، يسيرون صوب القصر الجمهوري.
عمر سليمان يلقي خطاب التنحي، الشباب يحتفلون، العسكر يعظمون شهداء ثورة يناير، هييييييييييه، ثم صرخة قوية، لقد هبط مندفعاً برأسي فوق أنف المشير طنطاوي، دخلت في إغماءة، تنتابني حمى شديدة، رأيتني طريح الفراش في مسكني الجديد بالمقابر، مجذوب آخر مجهول الهوية يضاف إلى قائمة مجاذيب القرية، لم يزل الجرح غائراً، يبدو أنني قد اعتدت الحمى.
تابعت الوثب فوق سماء قصر النيل، ها هم الثوار يسيرون لماسبيرو، جثامينهم بين الأسفلت ومجنزرات العسكر، مات مينا دانيال، يصطحب جسدي معه نحو السماء، الثوار يلجأون إلى محمد محمود، يحتضنون ما تبقى من الحلم، الدخان كثيف، لم أعد أرى شيئاً..
العيون تصعد إلى السماء، ألقاها في الطريق، أنظر فيها فتريني جسد الشيخ عماد عفت ملقى في شارع القصر العيني، حبيبتك التي نزلت من أجلها ميادين النضال اليوم تتزوج غيرك، يعود الشباب منازلهم.
الإخوان يحصدون المقاعد، ربما تحمل لنا الأيام خيراً، مهزلة، أحدهم يؤذن في البرلمان والآخر يعنفه، خلاف شديد في البرلمان بين وجوبية الآذان في الموقر وبين كفايته في مسجد قريب.
أبو الفتوح يترشح للرئاسة، يعاودنا الأمل من جديد، شفيق يخوض جولة الإعادة ضد مرسي، مرسي يفوز، هيييييييه، اللعنة، التصفيق في وضعية الطيران يودي بك حتماً إلى السقوط.
صرخة قوية، أي حظ تعيس ذاك؟!، تفاديت السقوط على خازوق، فوقعت على آخر، لكن الصرخة لم تكن لهذا السبب، حبيبتك ماتت، ماتت؟، نعم ماتت!، يا وجعي، يا موتي، ألم تكن تكفيك أنفاسها حتى وإن كانت على فراش غريب، ماذا تبقى لديك الآن؟، حتى الأنفاس منك قد سلبت، صبرني يا الله..
ولكن، مادام القدر قد حرمك من الأنس بها حال حياتها، فلتنتزع منها الحضور في قبرها، ذاك مسكنك، منذ الآن، هنا وطنك، لا تغادر إلا مع محبوبتك حين تعاودها الأنفاس، المجاذيب هم طهر تلك الأرض، ولا مكان في الأرض للأطهار، إما أن تموت أو تستعيد عقلك وتشاركهم الدنس، بلا ذنب يرجمك أطفال القرية بالحجارة، يظنون أنهم يلعبون، ليس في القرية رجل رشيد يخبرهم أنهم يقتلون رجلاً يعكف بجوار قبر محبوبته، صحيح أنه لا أحد يعرف سرك ولكنهم، في النهاية، يعرفون أنك رجلٌ لم تؤذ أحداً.
أدمت الحجارة كل جسدك.. سيدة طيبة تطببك، هل هناك أجمل من أن تداوي جراحك يد والدة المحبوبة؟، كيف سيكون رد فعلها لو عرفت من أنت وماذا تفعل هنا؟، تأتيك حبيبتك في المنام، تضع يدها على جراحك فتفيق، تقوم متئكاً عليها، تحممك بدموعها، ثم تهمس في أذنيك: أحبك وأحب فيك النضال فواصل، تجري مسرعاً نحو ميدان التحرير وتهتف بأنفاس متسارعة يسقط يسقط حكم المرشد، يبدو أن حجراً أعاد عقلك إلى رأسك، توقع على بيان تمرد، السيسي يطيح بمرسي، تعطيك حبيبتك ظهرها ثم تعرج نحو السماء، تدرك أنك أخطأت الطريق..
الإخوان في السجون، يخيم الصمت داخل جنبات الاتحادية، نعم، عدلي منصور رئيساً، تسلم الأيادي، الموت يضرب القلوب، يطيح برؤوس الناس في رابعة، الدم في كل مكان، لم تكن أسماء إرهابية، هذا الوجه الأروع من سحابات الصيف لا يأتي إلا بالخير، في نهاية ممر الموت سجن، من نجا من الموت يسجن، من لم يرتد بياض الكفن، سيرتدي بياض ثوب الحبس الاحتياطي المؤبد، دستور جديد، وبشرة خير، وصفوف الزيارات أمام السجون لا نهاية لها، بل إنها تصل ما بين السجون والقبور..
"قوم نادي على الصعيدي" وقل له السيسي سوف يترشح، لا، لن يترشح، لا، سوف يترشح، السيسي رئيساً، عجوز شمطاء خارجة لتوها من كوافير الدار الآخرة ترقص أمام لجنة انتخابية، تحيا مصر، تحيا مصر، تحيا مصر وخدت الخمسة مليار يا باسيييييم، انتهى الحلم، تسلم الأيادي مرة أخرى.
السيسي يفتتح القنال الجديدة على الرغم من أنف المجلس الأعلى لقيادة العالم، المليارات تتسارع نحو الخزانة العامة، صحيح، مادمت أدفع أربعمائة جنيه شهرياً في فاتورة الكهرباء فلابد أن تحصد الخزانة العامة المليارات، أحمد دومة وعلاء وماهر ورفاقهم في السجون وأحمد مرتضى منصور في البرلمان إلى جوار عبد الرحيم علي، وخلفهم كل أعضاء الحزب الوطني الذين لم ينالوا استحسان أحمد عز ومن قبله كمال الشاذلي وفشلوا في دخول المجلس الموقر، ها هم الآن بعد ثورة يناير وابنتها بالتبني، غصباً واقتداراً، 30 يونيو يتوجون بالحصانة..
توفيق عكاشة يحذر من نيزك يضرب عين الصيرة فيقطع المياه عن عموم أهل الكوكب، وأحمد موسى يشيد بانتصار السيسي على جيوش المورتلر كومبات في موقعة زنانيري، وريهام سعيد تخرج الجن من أجساد القنافد في غابات المزاريطة، وحبيبتك لم تعد تأتيك حتى في المنام، آثام كبيرة اقترفتها أودت بك إلى بئر اللاشعور وانتزاع الضوء من العين والروح من الجسد والعشق من الفؤاد..
انسلخ منك كل شيء، حتى السخط، تنتهي الوثبة، وأفيق من الحمى، وأعاود السير على كوبري قصر النيل بحلة المجاذيب وكساء الصعاليك ولحية كثيفة منثورة في الوجه بعشوائية الظلام في ليل مدن العالم الثالث، مثل تبة تمشي بين الناس إذ يكسوني الغبار وكأن المطر لم يعرف إلى قفري سبيلاً، أهذي بكلمات، تفهمها إن أفردتها، وتعجزك عن الإدراك حين تجملها، أنظر في الوجوه ثم أقهقه بصوت تسمعه أمعاء الأسماك أسفل كوبري قصر النيل.
(مصر)