هولاند 2015:سرعة قياسية بالسقوط ونشاط دبلوماسي بطعم الانحياز لإسرائيل

هولاند 2015:سرعة قياسية بالسقوط ونشاط دبلوماسي بطعم الانحياز لإسرائيل

31 ديسمبر 2014
يودّع هولاند وحكومته عاماً فرنسياً صعباً (فرانس برس)
+ الخط -
لم يكن عام 2014 عاماً سهلاً على الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند. فالمشاكل الداخليّة، وعلى رأسها الاقتصاديّة، ألقت بوطأتها عليه، في وقت اختار فيه الهروب أكثر، خلال هذا العام، إلى ملفات السياسة الخارجيّة، لعلّها أقلّ ثقلاً، مكثّفاً بذلك تحرّكاته وزياراته إلى الخارج. شغلت ملفّات التحالف الدولي والحرب على الإرهاب، والأوضاع في أوكرانيا، والوضع في سورية، هولاند إلى أقصى الحدود، فتمكّن من الحضور على الساحة الدوليّة أكثر من أسلافه.

لم يتأخّر في تنظيم سلسلة مؤتمرات دوليّة، وفي جمع الحلفاء على شواطئ النورماندي في وقت عصيب لأوكرانيا. كما نجح في تنظيم مؤتمر دولي حول العراق في باريس، بحضور جميع الأطراف في المنطقة، وهو ما يُعدّ نقطة إيجابية له في وقت تبدو فيه الحرب ضد الإرهاب على أشدّها. وشكّل موضوع "داعش" والحرب على الإرهاب، أولوية للرئيس الفرنسي، خصوصاً بعد اكتشافه أنّ العديد من المقاتلين الأجانب في صفوف التنظيم هم من المواطنين الفرنسيين.

كما تمكن من الإفراج عن الرهائن الفرنسيين من جميع أنحاء العالم. ويرصد المحللون نقطة سوداء في سجل هولاند، تتعلّق بالسياسة التي اتبعها منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة، وشكّلت سابقة وصلت إلى حدّ كسر فرنسا مبادئ سياستها التقليديّة المتوازنة إزاء الصراع العربي الإسرائيلي. وجسّد مضمون اتصاله الهاتفي برئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، والداعم بشكل غير محدود وغير مشروط لإسرائيل، نموذجاً للانحياز لدولة الاحتلال، وهو ما تسبب بسلسلة إشكالات مع الجاليات العربية، فخرجت التظاهرات الغاضبة.

ونتيجة ردود الفعل العكسية، سارعت الحكومة الفرنسيّة إلى تصحيح موقفها، وباتت هموم المسؤولين تجنّب "تصدير الصراع" إلى فرنسا. وللمفارقة، سهّل موقف هولاند المؤيّد لإسرائيل، إلى حدّ كبير، مهمّة البرلمان في تبنيه قرار الاعتراف بدولة فلسطين بأغلبية ساحقة، باستثناء عدد من نواب اليمين الذين عارضوا القرار، وفقاً لتوجيهات الرئيس السابق نيكولا ساركوزي. ولم يلتزم بهذه التوجيهات إلا عدد من النواب في البرلمان ومجلس الشيوخ في عملية التصويت.

ولم يغب الملف اللبناني عن اهتمامات هولاند، وتمّ إنجاز الاتفاق الفرنسي السعودي حول تسليح الجيش اللبناني بالأحرف الأولى. كما أوفد هولاند مبعوثين إلى لبنان لمتابعة الملف، واستقبل عدداً من القيادات والمسؤولين اللبنانيين، كان آخرهم رئيس الوزراء تمام سلام من أجل المساهمة في حلحلة ملف الانتخابات الرئاسيّة. في موازاة ذلك، استقبل قصر الإليزيه على مدى العام، مسؤولين من المنطقة، بينهم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وولي العهد السعودي الأمير سلمان بن عبد العزيز، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي.

وفي المغرب العربي، تابع هولاند عن قرب، التجربة التونسيّة. كما أقام علاقات مميزة مع الجزائر، انعكست على الشراكة بين البلدين. ويولي هولاند أهمية خاصة لدور الوساطة الذي تضطلع به الجزائر مع مالي وليبيا، في وقت حاول فيه، بعد فتور العلاقات الفرنسية المغربية، نتيجة سلسلة أحداث دبلوماسية، إطلاق مبادرة تهدئة من خلال رسالة وجهها إلى الملك محمد السادس بضرورة "طي صفحة الخلافات"، في شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.

أفريقياً، لا تزال فرنسا منغمسة في مشاكل الساحل الأفريقي، وبشكل خاص في مالي ووسط أفريقيا، وهي تتغذّى من الوضع في ليبيا، ولا يمكن لأحد أن يتنبأ إلى أين تذهب الأمور نتيجة الحالة الكارثية هناك، علماً أن الموضوع الليبي سيبقى مدرجاً في قائمة اهتمامات الدبلوماسية الفرنسية التي تعيش حالة ارتباك حول هذا الموضوع. ويبدي هولاند، الذي أيّد قبل وصوله إلى سدّة الرئاسة سياسة ساركوزي حيال ليبيا، تحفّظات عدّة اليوم حول الموضوع، مستبعداً تدخّل بلاده عسكرياً في ليبيا.

وعلى الصعيد الداخلي، اضطر هولاند إلى خوض حرب على جبهتين داخليتين من أجل تحسين صورته: ضمن العائلة الواحدة، أي الحزب الاشتراكي، ومع اليمين الفرنسي. إلاّ أنّ عودة ساركوزي إلى الواجهة، بعدما بذل المستحيل للوصول إلى رئاسة حزب الاتحاد من أجل حركة شعبيةّ، مسألة قد تصب لمصلحة هولاند، وفق عدد من المحللين.

يودّع هولاند وحكومته عاماً صعباً. ويشير مواكبون للشأن الرئاسي إلى أنّ هولاند لن يفوّت فرصة إلا وسيبذل فيها كلّ ما يمكنه من أجل الصعود من الهاوية من جديد، بعد تراجع شعبيته كثيراً منذ عام 2012. ويفيد المحللون بأنّ هولاند وصل إلى القاع، ولا يمكنه النزول أكثر. وبالتالي فالأمور منذ الآن، قد تكون مرشحة للتغيير. وهذا الأمر يجعل هولاند يتحرك داخلياً على أكثر من جبهة من أجل استعادة شعبيته. وهذا ما يفسر تكثيف تنقلاته الداخليّة إلى الضواحي والمدن، بهدف كسب قلوب الذين صوتوا له عام 2012 بنسبة 65 في المائة.

وتصبّ زيارة هولاند الأخيرة إلى متحف الهجرة، والتصريحات التي أطلقها، في هذا الإطار، وخصوصاً أنّه منذ وصوله إلى سدّة الرئاسة لم يقل كلمة عن المهاجرين، على الرغم من أنّ هذا الموضوع كان حاضراً في حملته الانتخابية.

وفي انتظار الخطوات المقبلة، للتعويض عن خساراته، يدرك هولاند أنّ الانقسامات لا تقتصر على اليسار، وسيحاول الاستفادة من معارك ساركوزي داخل العائلة اليمينيّة وصعود اليمين المتطرّف. ويستفيد هولاند من عنصر آخر، يتعلّق باحتمالات عودة النمو عام 2015 نتيجة ميثاق المسؤوليّة مع رجال الأعمال الذي كان قد دعا إليه، وتأمل الحكومة أن تنخفض نسبة البطالة في هذه الحالة.

المساهمون