هل تؤثر الأزمة اليونانية على سياسات الاتحاد الأوروبي الإقراضية؟

هل تؤثر الأزمة اليونانية على سياسات الاتحاد الأوروبي الإقراضية؟

13 يوليو 2015
من اليمين معز الجودي ونوح الهرموزي (العربي الجديد)
+ الخط -
ضجّ العالم بالحدث اليوناني خلال الأسبوع الماضي، إلا أن السؤال الذي لم يُعرف جوابه حتى اليوم يدور حول اتجاهات سياسات الاتحاد الأوروبي الإقراضية المستقبلية.

نوح الهرموزي: اليونان فتحت باب التمرّد

يعتبر مدير المركز العلمي العربي للدراسات والأبحاث الإنسانية، الدكتور نوح الهرموزي، أن الإشكالية التي سوف تطفو على السطح في قضية رفض اليونان لخطة سداد ديونها، هي بروز نقاش داخل دول أوروبا، وعلى رأسها إيطاليا والبرتغال، قد يعيد النظر في طريقة قبول إجراءات ملاءمة سياساتها الماكرو-اقتصادية مع توجيهات الدائنين.

يقول الهرموزي، لـ"العربي الجديد"، إن مجموعة من بلدان أوروبا تعيش منذ مدة على وقع ضغوط اقتصادية قوية، للتعامل بحزم مع موازناتها، ما يجعل قرارها الاقتصادي غير مستقل، كما أن فتح اليونان لما يصفه بـ"التمرّد على توجيهات الترويكا"، سيجر بالتأكيد ردود فعل من دول أوروبية أخرى معنية بالوضع نفسه.

ويوضح أن عنصر الحسم في قضية اليونان لا يقف عند الاستفتاء الذي رفض فيه أكثر من 60% من الشعب اليوناني خطة سداد الديون، بل يجب انتظار نتائج المقترحات التي سوف يتقدم بها رئيس الحكومة اليوناني، ومدى التجاوب من طرف "الترويكا"، وخاصة ردود فعل كل من الرئيس الفرنسي والمستشارة الألمانية، لأن هذه الأخيرة مقتنعة بأن ما قامت به اليونان "يعدّ تهاوناً في سداد الدين لا غير، لذلك يجب التعامل معها بحزم". ويضيف أن اكتمال الصورة انطلاقاً من العناصر السالفة الذكر، سوف يحدّد ردود فعل الدول الأخرى، التي تعاني من مشاكل ليست أقل وطأة ممّا تعيشه اليونان على مستوى الدين العام للدولة.

ويشدّد الهرموزي على أن درس اليونان كشف أن سياسة الاقتراض الخارجي، أكدت على مرّ التاريخ الاقتصادي الحديث، أنها تأتي بـ"نتائج كارثية على الدولة"، وتفصل الدول عن التصرف بعقلانية مع الصرف العمومي، دون ضمان مصادر تمويل ثابتة، تؤدي بها مستقبلاً نحو تراكم الديون عليها، ما يجبر الدول على الدوران في مكانها، فتغطي ديونها ومصاريف خدمات الدين بالتوجه أكثر نحو الاقتراض الخارجي.

ويخالف الهرموزي القراءة التي تذهب حد وصف قرار اليونان بالتمرد "الناجح" بناءً على اكتشافات الغاز الطبيعي فيها، وحاجة دولة مثل ألمانيا لهذا المورد الطبيعي، نظراً لعلاقاتها المتأزمة مع روسيا المزوّد الأول لأوروبا من الغاز. إذ يقول: "إن المحرك الأول لموقف ألمانيا ممّا تعتبره "تهاون حكومة اليونان"، هو أن دينها الخارجي تغطيه ألمانيا بنسبة كبيرة، تصل إلى 60 مليار يورو". لذلك، "ترى ألمانيا أن فرض خطة سداد اليونان لديونها كما هي مطروحة، تضمن لها استرداد أموالها". فبرأي الهرموزي: "ألمانيا تملك من الإمكانات المالية القوية لاستيراد الغاز الطبيعي من أي بقعة في العالم".

وعن إمكانية إلهام خطة اليونان لدول خارج أوروبا بلجوء حكوماتها للاستفتاء الشعبي للخروج بقرار سيادي تجاه سداد ديون الدولة، يرى الهرموزي أن "هذا طرحاً ضعيفاً، لأن الحديث عن ردود فعل داخل أوروبا من دول أخرى، يحكمه التكامل الاقتصادي الذي راكمته، أما بقية الدول النامية، ومنها الدول العربية، فسلطتها التفاوضية ضعيفة، بل حتى التي تملك منها ثروات طبيعية هائلة، لا تستطيع فرض شروطها خلال التفاوض على الاقتراض أو سداد الديون، لأنها دول تعتمد على التصدير فقط، ولا تملك مقوّمات الاقتصاد المُصنّع"، مؤكداً في الوقت ذاته، أن الموارد الطبيعية، وإن وجدت، لم تكن على مر التاريخ سداً منيعاً أمام لجوء الدول للاقتراض، سواء الداخلي أو الخارجي.

ويختم الهرموزي حديثه بالتأكيد على حدوث تغيّرات في طريقة تدبير دول أوروبية عديدة لسياستها الماكرو-اقتصادية، معتبراً أن الجميع في حالة ترقّب للنتيجة النهائية للشد والجذب بين اليونان و"الترويكا".

اقرأ أيضا: دروس من وحي التراجيديا اليونانية

معز الجودي: الاتحاد الأوروبي أقوى من أزمة اليونان

يعتبر المحلّل الاقتصادي والمالي التونسي معز الجودي، أن الأزمة التي تعيشها اليونان ليست حديثة، ولن تؤثر في تماسك دول الاتحاد الأوروبي، أو خروج أصوات أخرى من دول القارة العجوز لمواجهة توجيهات المؤسسات المالية الدولية والأوروبية فيما يخص التوجهات الاقتصادية الكبرى.

ويعود الجودي في حديث لـ "العربي الجديد"، إلى أصل الأزمة المالية والاقتصادية التي عرفتها وتعرفها اليونان اليوم. ويقول "إن الأزمة اليونانية أصبحت قديمة، ولا يمكن اليوم إعطاء إجابات دقيقة بخصوص مآلها دون التوصل إلى ردّ نهائي من طرف دائني اليونان". ويضيف أن "التفكير بموضوعية، وبعيداً من التوجهات السياسية يدفع إلى تحميل حكومات اليونان المتعاقبة جزءاً كبيراً من المسؤولية في الوضعية التي وصلت إليها البلد".

وعن الأخطاء التي ارتكبت، يوضح أن الخيارات الاقتصادية اليونانية كانت كارثية، ولم يكن هناك ضبط لآلية صرف وتوظيف الديون، والإنفاق الحكومي للدولة، وكذا توفير مناصب شغل لكبار الموظفين برواتب خيالية، لافتاً إلى أنّ مصرفاً يونانياً معروفاً أظهرت التحقيقات مع مسؤوليه تلاعبه في الأرقام المعلنة، وخصوصاً فيما يتعلق بالضمانات التي كان يقدمها من أجل منح بلاده المزيد من الديون، وكانت جل الضمانات التي يمنحها للدول والمؤسسات مغلوطة.

ويشدّد الجودي في حديثه لـ "العربي الجديد"، على ضرورة تحمّل الحكومة اليونانية الحالية لمسؤولياتها تجاه تراكمات الأزمة. من جهة أخرى، يحمّل جزءاً من المسؤولية للدول الأوروبية والبنك المركزي الأوروبي، اللذين لعبا دور المتفرج منذ مدة على انهيار الاقتصاد اليوناني دون تدخل لتصحيح الأوضاع.

ويصف الجودي الاستفتاء اليوناني الأخير، والذي فازت به الفئة الرافضة لخطة سداد الديون بـ"المناورة السياسية"، لكسب بعض الوقت فقط، والأكيد أنها سوف تمنح حكومة أليكسيس تسيبراس النفس للتفاوض. لكن المناورة، وفق الجودي، لن تعفيها من الرجوع إلى طاولة المفاوضات، والجلوس مع كل الأطراف قصد التوافق على خطة، حتى ولو كانت بعض بنودها ستفرض تضحيات آنية ومطلوبة على حكومة اليونان الحالية، التي ترفض دفع ضريبة أخطاء الحكومات السابقة، إذ سيكون لها آثار إيجابية على المدى البعيد، وسوف تخرج البلد من أزمته الحالية، وتمنحه بعض التعافي، خصوصاً على المستوى المالي.

اقرأ أيضا: الأزمة اليونانية: لا حل ولا بديل

ويستبعد الجودي في ختام كلامه، أن "تتأثر الدول الأوروبية الأخرى بما آلت إليه الأوضاع في اليونان، من حيث التفكير في مراجعة تعاملاتها مع المؤسسات الأوروبية والدولية الدائنة". فحكومة اليونان بنفسها مقتنعة، حسب الجودي، بأنها ملزمة في الأخير بسداد ديونها، وهناك اختلاف على الطريقة فقط، ومقتنعة كذلك بأنها غير قادرة على السير لوحدها في الفترة الحالية، ولا تملك الإمكانات المالية والمقومات الاقتصادية للخروج من منطقة الاتحاد الأوروبي.

المساهمون