هكذا أصبحت الليرة السورية لعبة بيد النظام

30 يوليو 2016
الأسعار تأثرت بسعر صرف الليرة(ابراهيم أبو ليث/ فرانس برس)
+ الخط -
خفت أخيراً، الوهج الذي رافق خفض مصرف سورية المركزي لسعر صرف الدولار بعد وصوله إلى 630 ليرة سورية للدولار الواحد، منتصف أيار/ مايو من العام الحالي. حينها تدخل المصرف مخفضاً سعر الصرف بشكل سريع وخلال أيام قليلة ليعود السعر فيستقر عند حدود 485 ليرة للدولار الواحد في ما يسمى "السوق السوداء"، ووفقاً لتسعير المركزي لـ"دولار الحولات" أيضاً. وبذلك يكون سعر السوق والسعر الرسمي متطابقان تقريباً، للمرة الأولى خلال السنوات الخمس الماضية. 

هلل الإعلام الرسمي السوري لإنجازات المركزي بالتخفيض، وبات حاكم المصرف أديب ميالة مزهواً بأن "السلطات النقدية قادرة على تخفيض السعر وهي المتحكم الأساسي بالسوق".

الحاكم نفسه، جرى نقله وظيفياً من حاكم للمصرف المركزي إلى وزير للاقتصاد ضمن الحكومة الجديدة التي تشكلت أخيراً، وبما أن طريقة إدارة الأمور في سورية عبر القنوات الوظيفية مسألة شديدة التعقيد والغموض، فإنّه من غير الواضح تماماً هل جرت معاقبة ميّالة عبر هذا "النقل"، أم جرت مكافأته. وإن كنا نرجح أنّ هذه العملية أقرب إلى "تكسير رتبة" منها إلى المكافأة، فمنصب الحاكم في سورية منصب شديد الحساسية.
بكل الأحوال، فإن تهليل الإعلام الرسمي بـ"الانتصار على الدولار"، لم يمنع السوريين من التساؤل: إذا كنتم قادرين على تخفيض سعر الصرف فعلاً، فلماذا لم تفعلوا ذلك حتى الآن، لماذا تركتم أحوال السوريين تتردى، وتدرك الحضيض وما تحته، ولم تفعلوا شيئاً؟

السوق التي لا تحفظ الأسرار طويلاً، سرعان ما كشفت أن السبب الرئيسي في استقرار سعر الصرف خلال مدة شهر ونصف تقريباً، هو الامتناع عن تسديد طلبات زبائن المصارف العامة والخاصة لسحب مبالغ من ودائعهم بالليرة، أي عملياً تم رفع الطلب على الليرة بشكل متعمد، وهو ما أثار نوبة الهلع المعاكسة في بداية موجة الانخفاض،
حيث بدأ البعض يتحدث عن استمرار تراجع الدولار، ليتهكم السوريون بأننا بدأنا نشهد انهيار الدولار مقابل الليرة.

ولكن رغم التهكم، فإن الكثير من صغار مدخري الدولار في السوق السورية، قد وقعوا في الفخ، وقاموا ببيع الدولارات التي يمتلكونها خوفاً من تسارع تراجع الدولار، واشترت السوق الدولار بأسعار منخفضة. بعد الصدمة الأولى وتداعياتها التي استمرت أياماً قليلة، بدأ السعر بالارتفاع التدريجي، ليستقر عند 485 ليرة سورية مقابل الدولار.

بالمقابل، تستمر حتى اليوم عملية بيع الدولار من المصرف المركزي إلى مكاتب وشركات صرافة محلية، كما يستمر تدفق الحوالات التي اتسعت في شهر رمضان، وقبيل العيد، والتي أشار حيان سليمان، معاون وزير الاقتصاد السابق، في حديث لإذاعة محلية، إلى أنها تبلغ 5 ملايين دولار يومياً.
تتوقع القوى الاقتصادية السورية، والمحللون الاقتصاديون، وحتى عموم السوريين، بأن هذا الوضع أشبه: بالهدوء الذي يسبق العاصفة.
فلم تعد لديهم الثقة بقدرة هذا النوع من الإجراءات على إبقاء قيمة الليرة ثابتة، وتحديداً لأن مستويات الأسعار قد تلقت ضربات ثقيلة خلال فترة استقرار سعر الصرف، حيث تم رفع أسعار المحروقات بما يقارب 40% من مازوت، وغاز منزلي، وبنزين.

كما تمت زيادة الأجور نقداً بمقدار 7500 ليرة ستكون من نصيب الموظفين العاملين لدى الحكومة السورية، إلا أنها تشكل كتلة نقدية، يرى المتخصصون أنها ستحمل آثاراً تضخمية على مستوى الأسعار في سورية، أي ستؤثر على قيمة الليرة. يستندون في ذلك إلى أن زيادة كم العرض النقدي دون زيادة موازية في الأصول من شأنه تضخيم الفقاعة الموجودة أساساً.
يتخوّف السوريون في الآتي من الأيام، من احتمال إيقاف الضخ المستمر الذي يقوم به المركزي، وهو أمر وارد في أية لحظة استناداً لحالة الاحتياطي الدولاري الهشة والذي قدر البنك الدولي أنه انخفض من 18 مليار دولار عام 2010 إلى 700 مليون دولار العام الماضي، أو إعادة تحرير سحب الودائع بالليرة من المصارف إلى المستويات السابقة.

واقع سيؤدي إلى انفلات العناصر الإجرائية الضابطة لسعر صرف الدولار، لتظهر آثار عملية رفع الأسعار التي تمت خلال الشهر الماضي، وليعود الدولار إلى الارتفاع دون أية ضوابط. وحينها، وللأسف، سيكون ارتفاعه أكثر كارثية من كل ما شهده السوريون حتى اللحظة!

المساهمون