هتلر يواصل "كفاحه"

14 فبراير 2016
أدولف هتلر 1933 (Getty)
+ الخط -
بعد سبعين سنة على موته منتحراً بينما جيوش الحلفاء تقترب من مخبئه تحت الأرض في برلين، تاركاً وراءه شبكة ألغاز ما تزال حتى اليوم تثير شهية الفضوليين، يعود أدولف هتلر للواجهة من جديد! يعود ليطرح "أفكاره" من خلال السماح بنشر كتابه "كفاحي" إثر سقوط حقوق الملكية الفكرية، ومن داخل ألمانيا. كتاب كان قد نُشر في مجلدين عامي 1925 - 1926، بيع منه حتى 1934 مائتان وأربعون ألف نسخة، ووُزِّعت حوالي عشرة ملايين أخرى حتى نهاية الحرب العالمية الثانية.

رغم عشرات بل مئات الأعمال التوثيقية، والفنية، والأدبية، والدعائية التي أخذت على عاتقها "إعادة إنتاج" أدولف هتلر وتاريخ النازية المرتبطة بشخصه، احتفظ الرجل بخاصيّة غموضٍ ما يزال يستفز بواسطتها أسئلةً يبدو أنْ لا إجابات مكتملة قامت بتغطيتها. إجابات ربما شَفَت غليل فضول البعض، في أوقات معينة، لكنها ظلّت ناقصة أو عُرضة للتشكيك والارتياب، وهذا أمر طبيعيّ نتيجة القناعة العامة بأنّ التاريخ هو "رواية المنتصرين".

على وقع مقولة المنتصرين هذه، أراني أتساءل عن ماهية الانتصار من جهة، وبالتالي عن المنتصر الحقيقي في نهاية المطاف. أتساءل لا لأنني أتغابى وأتعامى متشككاً بنهايات الحرب المجنونة التي أشعلها هتلر، محرقاً العالم ومزهقاً أرواح مواطنيه ومواطني أوروبا بالملايين؛ بل لأنّ متواليات صعود اليمين المتطرف، هنا وهناك في بلدان القارة، منذ سبعينيات القرن الماضي وحتى اليوم (واليوم تحديداً)، تفرض عليَّ تساؤلي. فإذا كان "كفاح" هتلر كتاباً يقدّم أطروحة التمييز العرقي وتغليب الجنس الألماني على سواه، وتسييده ولو بالإبادة وقنابل الحروب، فإنّ الإقبال الاستثنائي على اقتناء نسخته المُفرج عنها اليوم يفصح عن "مساحةٍ ما" داخل "ضمائر" أناس هذا القرن من أجيالٍ لم تعش تلك المرحلة. أجيال شابة، لكنها معبأة بـ"حنين" الأسلاف أو البعض منهم، يصعب فهمه، لشخصيات من التاريخ ترمز إلى عالم مفقود يُحْلَم باستعادته!

أهذا ممكن؟ أهذا محتمَل؟ أهذا وارد؟

أهذا يشكّلُ تفسيراً لحركات اليمين المتطرف الآخذة بالصعود في غير بقعة أوروبية عانت الإبادة النازية من قبل، وها هي تستنهضُ من ذاتها حيوية الشرور فتطرحها مشاريع سياسية ذات تلاوين شعبوية، تارةً بمعاكسة اليسار، وتارةً بمعاداة الأجانب، وتارةً بطرد المسلمين، إلخ؟ أفي الحركات التي تطلق على نفسها "النازيون الجدد"، الرافضة لمعطيات ما بعد الحرب العالمية الثانية، ثمّة بذور لحربٍ جديدة قادمة.. وإنْ كانت تتصف - حتى اللحظة - بالبُعد المدني المشاكس؟ بُعد مدني لكنه قابل لأن يتحوّل، إذا ما توفرت له الظروف الحاضنة، إلى مليشيات مسلحة!

بماذا نفسّر طلب خمسة عشر ألف نسخة من الطبعة الجديدة لكتاب "كفاحي"، (قبل أسابيع من كتابة هذا المقال)، المزود بآلاف التوضيحات والتعليقات، والبالغ ألفي صفحة، بينما عدد النسخ المطروحة للبيع هو أربعة آلاف فقط! كيف نفهم حقيقة تجاوز الطلب للعرض بأكثر من ثلاثة أضعاف، محطماً قاعدة السوق الذهبية! وما طبيعة دافع الإقبال على اقتناء الكتاب حتى وإنْ بلغ ثمن النسخة الواحدة ما يقارب الثلاثمائة يورو، في حين أن الثمن الأساس أقلّ من مائة يورو - بحسب موقع "أمازون".

رغم الاعتراضات على إعادة نشر الكتاب، بحجج وذرائع شتّى، من ضمنها التخوف من بعث موجة معاداة السامية الذي أبداه أحد زعماء اليهود الألمان؛ إلّا أنّ التيّار الغالب يذهب باتجاه المضي في النشر. ومن وسط هذا التيّار كريستيان هارتمان، أحد محرري النسخة الجديدة، إذ يبرر قائلاً: "الكتاب ليس مرجعاً تاريخياً فقط، بل هو رمز. ونحن نريد أن نفكك هذا الرمز للأبد!"

منطق قيد المساءلة، لاستحالة تفكيك الرموز للأبد، فها أدولف هتلر يواصل "كفاحه"!

(كاتب وروائي أردني)

اقرأ ايضا
موجة استرداد المانوية

المساهمون