تحوّلت آلاف أطنان النفايات التي تراكمت في محافظتَي بيروت وجبل لبنان، إلى كارثة وطنية. وبات البحث عن حلول علمية وعملية لها محط اهتمام واسع النطاق مع اقتراب موسم الشتاء. وكانت الأزمة قد بدأت بعد إغلاق مطمر الناعمة (جنوب العاصمة بيروت) وانتهاء عقد شركة "سوكلين" الخاصة المُكلّفة معالجة النفايات في المحافظتَين في 17 يوليو/ تموز الماضي. وانطلق الخلاف حول معالجة الأزمة سياسياً، قبل أن يتّخذ منحى تقنياً. ومع تحرّك الشارع اللبناني تحت مظلّة "الحراك المدني" الذي رفض مُحاصصة ملف النفايات، انتقلت إدارة الأزمة إلى وزير الزراعة، أكرم شهيّب، بعد اعتذار وزير البيئة محمد المشنوق عن استكمال مهامه في "لجنة النفايات" الحكومية.
فوضى الخطط
بداية، طرح شهيّب خطته كحلّ وحيد للأزمة الحالية قبل أن يفتح المجال أمام خبراء البيئة الناشطين ضمن "الحراك المدني" لإبداء ملاحظاتهم عليها. تتضمّن الخطة مرحلة انتقالية تمتد على 18 شهراً، تتولى خلالها شركة "سوكلين" جمع النفايات بعد إلغاء عقدين من أصل ثلاثة معها. كذلك، تسعى إلى إعادة فتح مطمر الناعمة لمدة سبعة أيام، تُنقل خلالها النفايات المُتراكمة في محافظتَي بيروت وجبل لبنان إليه. وتلحظ، أيضاً، تحويل مكبّين عشوائيّين في منطقة المصنع في البقاع (شرق) وفي منطقة سرار في عكار (شمال) إلى مطمرَين صحيّين. وتُعيد الخطة جزءاً من الصلاحيات للبلديات في معالجة نفايتها بعد عقدَين من تلزيم دورها بالكامل إلى شركة "سوكلين"، ودفع عقود الشركة من حصة البلديات في الصندوق البلدي المستقل الذي حُجزت فيه أموال هذه البلديات.
لقيت الخطة اعتراضاً واسعاً وفورياً من فعاليات "الحراك المدني"، ووصلت الاحتجاجات إلى منطقتَي المصنع وسرار رفضاً لاستحداث مطمرَين فيهما، إلى جانب إعادة تحرّك حملة "إقفال مطمر الناعمة". بالتزامن مع هذه التحركات، كانت ملاحظات بيئية من "حركة البيئة اللبنانية" على الخطة. ولعلّ أبرزها "تهديد مطمر المصنع للمياه الجوفية في كل محافظة البقاع إذا تم اعتماده"، و"ضرورة اعتماد تقنية التبخير الهوائي للنفايات المتراكمة حالياً بدل طمرها، وبدء عملية الفرز من المصدر مباشرة وليس بعد الفترة الانتقالية". كذلك، شدد الحراك على ضرورة "تخلي الدولة عن مركزية إدارة معالجة النفايات وإعادة الصلاحية إلى البلديات في هذا المجال، بعد تحرير أموالها من الصندوق البلدي المستقل".
وبعد أيام من طرح الخطة الحكومية، قدّم الحراك المدني خطة مُغايرة تدعو إلى "اعتماد التبخير الهوائي للنفايات التي تتكدس في بيروت وجبل لبنان (فلش النفايات تحت أشعة الشمس وتقليبها لمنع تخمرها)، ورشّ الأنزيمات المانعة لانتشار الأمراض عليها، أو وضعها في أكياس عازلة". وهي اقتراحات "تقدّمها عادة شركات خاصة وليس ممثلو حراك مدني يُطالبون بحل أزمة النفايات بشكل عملي"، بحسب ما يشير أحد الخبراء المتابعين للملف. وفي الإطار نفسه، يطرح خبراء علامات استفهام حول قدرة الدولة اللبنانية على توفير كميات الطاقة والمياه الكبيرة التي تحتاجها عملية إعادة تدوير النفايات التي تتبناها حملات "الحراك المدني".
اقرأ أيضاً: القمامة تهدّد بالسرطان... لا تحرقوها
اعتذار رسمي
من جهة أخرى، اعترف وزير الزراعة خلال استقبال خبراء "الحراك المدني" في لقاء مطوّل لمناقشة الخطة الحكومية في نهاية شهر سبتمبر/أيلول الماضي، أن "الثقة المفقودة بين المواطن والدولة ساهمت في رفض الخطة كلياً، وقد شكلت هذه الأزمة نقطة سوداء في سجل الدولة نعتذر للشعب عنها".
يوضح أحد خبراء البيئة المشاركين في إعداد الخطة، فضّل عدم الكشف عن هويته لـ "العربي الجديد"، أن "إنشاء مطامر صحية لا يتعارض مع مبدأ الفرز من المصدر"، ويشدّد على أن "الوصول إلى نسبة مائة في المائة من الفرز يحتاج وقتاً، وهو الفترة الانتقالية التي تنص عليها الخطة". أما بالنسبة إلى الاعتراضات على إنشاء مطامر جديدة في المصنع وسرار، فيشير إلى "وجود مطمر صحي في منطقة زحلة القريبة من المصنع، الأمر الذي ينفي وجود أي مشكلة تهدّد المياه الجوفية. كذلك فإن المطامر المقترح إنشاؤها، سوف تحلّ محلّ مكبات عشوائية موجودة حالياً في الموقعين. هل يُعقل أن يكون مطمر صحي مصدراً للتلوث أكثر من مكب عشوائي؟".
ويؤكد الخبير نفسه أن "المطامر كلها سوف تؤهّل بالمواد العازلة من طبقة الطين والعزل البلاستيكي من ثم التراب، مع تزويد هذه المطامر بقنوات تصريف منع تسرّب عصارة النفايات (وهو يُعدّ سائلاً شديد السُمية) إلى التربة".
وحول دور البلديات، يقرّ الخبير أن "تجربة اعتماد المركزية في إدارة النفايات أدت إلى مشكلة كبيرة، واليوم تمنح الخطة هذه البلديات صلاحية رفض التعاقد مع شركة سوكلين خلال الفترة الانتقالية، إلى حين إعادة تأهيل كوادرها لمعالجة النفايات بشكل فردي أو جماعي من خلال تكتلات بلدية على صعيد القضاء أو المحافظة". يضيف أن "المخصصات المالية متوافرة لتنفيذ المشروعين من خلال منحة من الاتحاد الأوروبي".
اقرأ أيضاً: كارثة صحيّة على الأبواب
الأخف ضرراً
من جهة أخرى، يرى الكاتب والصحافي المتخصص في الشأن البيئي حبيب معلوف، أنه "لا يمكن تقييم خطة الوزير شهيب بمعايير بيئية، لأنها خطة لإدارة الكوارث وليست خطة مستدامة". وبعد مراعاة هذه النقطة، يشير معلوف إلى أن "الخطة اعتمدت على البحث عن الحل الأقل ضرراً وليس الأمثل، مع الأخذ بعين الاعتبار أن إدخال بعض البنود الإضافية على الخطة يطوّرها".
يؤكد معلوف أن "فرض ضرائب للتخفيف من كمية النفايات واعتماد الفرز من المصدر يحسّنان الخطة بشكل كبير". كذلك يشير إلى "غياب بنود أساسية عدة عن الخطط المطروحة، وأبرزها مبدأ استرداد النفايات الخطرة، وهو عبارة عن اتفاقات تعقدها الدول مع الشركات المصنعة أو وكلاء شركات تصنيع البطاريات والأدوات الكهربائية المصنّفة خطرة كنفايات، لاسترجاعها بعد استهلاكها".
اقرأ أيضاً: إضراب عن الطعام حتى الاستقالة